كل يوم يمضي يشعر الشباب اللبناني وكأن الهجرة أصبحت قدره الوحيد، فمع تفاقم مشاكل هذا البلد الصغير تضيق فرص شبابه في البقاء، ويقررون الرحيل. يأخذون القرار ويرحلون، ولكن ماذا يحملون معهم الى الغربة؟
نسرين عجب - بيروت
: quot;أصبحت الساعة الثانية عشرة، عليّ أن أستقل الطائرةquot;، يقولها رواد بغصة وهو يحبس دمعة تصارعه، يتجه صوب والده ليلقي عليه التحية الأخيرة، قبل أن يرمي نفسه في حظن أمه التي اغرورقت عيناها بالدموع، ويطبع على خدها قبلة الوداع، ثم يلتفت الى خطيبته ويضمها بقوة وكأنه يعدها بأنه لن يتأخر.
يكثر هذا المشهد في مطار بيروت الذي بات مؤخراً يودّع اللبنانيين أكثر مما يستقبلهم. أفواج من الشباب تعزم على السفر بحثاً عن فرصة عمل عزّها عنهم وطنهم غصباً عنه، أو لاسباب أخرى كالدراسة أو الزواج. يتحمسون للرحيل الى بلد آخر يعدهم بمستقبل أفضل، ولكن ما أن تطأ أقدامهم ذلك البلد حتى يستيقظ الحنين داخلهم، ويتمنون العودة.
يجمع الشباب على أن أول فترة السفر صعبة جداً، ومعظمهم شعروا بالوحدة والغربة. quot;أول ستة أشهر كانت كالجحيم، اذ كنت أسافر للمرة الأولى في حياتيquot;، يقول محمد (25 سنة، يعمل في أبو ظبي منذ سنتين ونصف). ويتابع: quot;ولكن لاحقاً اعتدت على الأمر وحالياً أستمتع بما أقوم به، رغم أني أشتاق كثيراً لأهلي وأصدقائيquot;. واذا كان محمد تأقلم مع حياته الجديدة، فأريج (24 سنة، يدرس في أميركا) مازال يشعر بالوحدة رغم مرور ثلاث سنوات على سفره، على خلاف ألسا (25 سنة، درست وتعمل في فرنسا منذ ثلاث سنوات): quot;كنت سعيدة ومتحمسة جداً للتعرف على بلد وأشخاص جدد، ولم أواجه أي صعوبة اذ أن معظم أصدقائي سبقوني الى فرنسا. والآن أنهيت دراستي ولكني سأستقر هنا اذ وجدت فرصة عمل جيدة، وأنا استمتع العيش باستقلاليةquot;.
العودة شبه مستحيلة

تتعدد الأسباب التي دفعت وتدفع الشباب الى السفر، وان كان الوضع الاقتصادي والبحث عن عمل يتصدر القائمة. فبرنارد (32 سنة) وجد في الكويت فرصة عمل أفضل، خصوصاً أنه متزوج ولديه طفلة. ولكن ومع أن عائلته تعيش معه فهو يفكر جدياً في العودة حالما يجد فرصة جيدة في لبنان: quot;كل شيء مصلحة في الغربة، حتى الأصدقاءquot;. والحال أسوأ بالنسبة الى رنا (27 سنة) التي سافرت الى استراليا منذ سبع سنوات: quot;أتيت الى هنا مع زوجي، ومع أننا تطلقنا وأتوق للعودة الى لبنان، ولكنني غير قادرة على ذلك، اذ سيحرمني من ابنتيquot;.
قرار العودة للاستقرار في ربوع الوطن لا ينطبق على كل اللبنانيين، فوجيه (43 سنة، مهاجر الى كندا منذ 17 سنة) يقول: quot;أشتاق الى أهلي ووطني، ولكن لا أفكر في العودة للعيش فيه، خصوصاً في ظل الأوضاع الراهنة، فأنا أستقريت في كندا واعتدت على الحياة فيها، والأوضاع في لبنان لا تشجعني على المخاطرة بما بنيته في سنواتquot;. ويشاركه الرأي سعيد (26 سنة، ويعمل في أبو ظبي): quot;كل يوم أشعر أن حلم العودة أصبح شبه مستحيل، ولكن سأظل أعمل جاهداً لتحقيقه في يوم من الأيامquot;.
يبدو أن معظم من سافر من الشباب اللبناني، رحل على مضض، ومع أنه يوماً بعد يوم وسنة بعد سنة اعتاد على الغربة ووجد فيها نوعاً من الاستقرار لم يجده في بلده، ولكن في داخله حنين أبدي الى بلد صغير بمساحته، كبير بمقوماته.