نسرين عجب من بيروت: الإجازة، حق شرّعته وكرسته القوانين في كل دول العالم ولكل فئات المجتمع. ولكن اللبنانيين دائمًا على موعد مع حكاية مختلفة عن حكايات بقية خلق الله، فكما أن فصول رواياتهم مع السياسة والأمن والاستقرار مختلفة عن كل الروايات في العالم، كذلك روايتهم مع الإجازة الصيفية مختلفة. وكأن الاختلاف، السلبي في معظم الأحيان، وسام قدّر أن يبقى معلقًا على صدور أبناء هذا البلد الذي يسمّى لبنان.

شرّع فصل الصيف أبوابه، وشرّع اللبنانيون قلوبهم لإجازة هم في أمس الحاجة إليها بعد الأحداث الدموية التي عصفت بهم وظنوا مخطئين أنها انتهت مع اعلان اتفاق الدوحة وانتخاب رئيس الجمهورية، ليكتشفوا أن احتقان الشارع ما زال جمرًا تحت الرماد، يهدد بانفجار الوضع في أي لحظة.
وعلى الرغم من الأوضاع المتشنجة نسبيًا، ولكن ما إن وطئت قدم الصيف حتى بدأت التحضيرات للاجازة. كل عنده مشاريعه، بالأخص المغتربين الذين تنفسوا الصعداء بعد أن كادوا يفقدون الأمل بامكانية قضاء اجازتهم في بلدهم الأم. لا يهم المكان الذي سيقصدونه، المهم أن المشاريع ستكون مع الأهل. أما المقيمون فمنهم من قرر السفر لقضاء اجازته كأدهم (18 عامًا)، الذي اختار أبو ظبي لتمضية الفرصة مع اخوته المقيمين هناك. ومنهم من فضّل قضاء الاجازة في لبنان، كعبدو (20 عاماً): quot;أحب قضاء اجازتي مع عائلتي وأصدقائي في منتجع سياحي بين البحر والجبلquot;. أما ريما (26 عاماً) فأحبت تخصيص اجازتها للتعرف إلى ما تجهله من المناطق اللبنانية. وسلّمت كريستين (17 عاماً) مشاريع الصيف لمخيم كشفي قررت المشاركة فيه.


على المقلب الآخر من الوطن نفسه، هناك من لا يشكل لهم الصيف اجازة، بل على العكس، هو وقت للعمل. واذا كان عمل فادي (30 عاماً) الكثير يحرمه من الاجازة، فظروف الحياة تجبر ساري (21 عاماً) على نسيان أن هناك فرصة صيفية. وبابتسامة لطيفة يقول: quot;أي فرصة، أنا مجبور أن أعمل في الصيف، حتى أؤمن قسط جامعتي الخاصة، والتي يعجز والدي أن يغطيه بالكاملquot;. والحال مماثل مع رامي وأحمد وريّان الذين يتحضرون لامتحانات رسمية، ولكنهم لم ينتظروا انتهاء تقديم الامتحانات، بل سبّقوا عليها بالبدء برحلة البحث عن عمل صيفي. ويشرح ريّان: quot;علينا أن نبحث عن عمل قبل أن تملأ الوظائف الصيفية الشاغرةquot;.


تعكس هذه العينات صورة واقعية عن شريحة كبيرة من الشباب اللبناني الذي يعمل صيفاً ليتعلم شتاء. ويتركز العمل الصيفي بمعظمه في المطاعم والمقاهي والمسابح التي يشكل الصيف أوج فترة العمل فيها. وروّاد هذه الأعمال هم غالباً اما شباب يتحضرون للدخول الى الجامعة أو دخلوها ولم ينهوا دراستهم بعد. وأصبحت هذه العينات مألوفة في المجتمع اللبناني، ويزداد ظهورها بالتوازي مع تردي الأوضاع الاقتصادية وصعوبة الأوضاع المعيشية.


هذا الواقع لا ينطبق طبعًا على أبناء الطبقة المخملية، الذين يتعلمون بمعظمهم في أهم الجامعات في الخارج وكل مصاريفهم مؤمنة، الا أنه يتحول الى مأساة عند شريحة ليست بقليلة من الشباب الذي يعمل ليلاً نهارًا كي يأخذ حقه من التحصيل العلمي. وأمير (22 عامًا) خير مثال على ذلك، اذ يقول: quot;أعمل في وظيفتين، واحدة من السابعة صباحًا حتى الخامسة بعد الظهر، وأخرى من السابعة مساء حتى السابعة صباحًاquot;. ويتابع بضحكة فيها الكثير من الحرقة: quot;ليس عندي سوى يوم الأحد فرصة أوزّعه بين أصدقائي والنوم في المنزل، الا أنني من كثر النوم على الكرسي في وظيفتي الليلية، ما عدت أعرف كيف ينامون على السريرquot;. فأي اجازة واي فرصة صيفية؟؟؟