ترجمة: محمد الأمين

علاوة على الاهمية الكبيرة لانجازها في مجال الإخراج السينمائي تعتبر فروغ فرخزاد.1934-1967- الصوت الأكثر جرأة وحضورا في المشهد الشعري الايراني، إتسمت قصائدها بوعي نقدي واجه المحظورات الاجتماعية وجميع الأنماط التسلطية التي أعاقت المرأة من نيل حقوقها في التعبير والمساواة وجعلتها حبيسة الحجب والستائر والأسماء المستعارة. وتشارك الشاعرة أسماء قليلة أخرى في ترسيخ الحداثة الشعرية الايرانية ورفدها بتجارب غير مألوفة، ولايمكن لتاريخ الشعر الفارسي في القرن العشرين أن يكتمل من دون منجزها الشعري فهو أولا أحد العناصر الفاعلة والزاهرة والمؤثرة في التاريخ الاجتماعي والثقافي الايراني.
و يتسم، ثانيا برؤية شعرية ثاقبة وحساسية لغوية عالية ويعتبر، ثالثا، وثيقة على وعي المراة الايرانية في حقبة شهدت إنهيار المجتمع التقليدي في خمسينات وستينات القرن الماضي وولوج مرحلة تاريخية جديدة زعزعت الكثيرمن المفاهيم والقيم السائدة. وهو أخيرا شهادة امراة أرادت من القصيدة ان تكون ملاذا تؤثثه بخلوصها
وحميميتها وتلقائيتها في مواجهة كل ماهو مفتعل وزائف ومفروض.

صدر لفروغ المجاميع الشعرية التالية: quot;الأسيرةquot;،quot;الجدارquot;، quot;تمردquot;، quot;ولادة اخرىquot; وquot;لنؤمن ببداية فصل البردquot;.

وآمل أن تساهم هذه الترجمة في تقديم صورة غير مشوّهة لقصائد الشاعرة وأن ضمّت المكتبة العربية إصدارين مخصصين لمختاراتها، ففي الكتاب الأول الصادر عن دار أفريقيا الشرق بترجمة محمد اللوزي تم تحوير وتحريف وتجزئة واختصار القصائد (لأقل من النصف كما في ترجمته لنؤمن ببداية فصل البرد) وقد قام المترجم بالتلاعب بالنصوص الأصلية بلغتها الفارسية [المرفقة كنماذج في الفصل الأخير من الكتاب] واختصارها الى فقرات متناثرة دون إشارة أو تنويه.

ولم يميّز المترجم بين سمو العاطفة ورقي المشاعر الانسانية في تعبيرها الصادق عن البعد الجنسي وبين والرؤية الصوفية. كما أضفى المترجم ملمحا دينيا على تجربة فرخزاد في محاولة منه للحد من جرأة القصيدة وترويض عنفوانها في مواجهة التابوات بمختلف ضروبها وأشكالها. اما الترجمة البائسة الصادرة عن منشورات اتحاد كتاب العرب فهي حصيلة جهد مشترك بين مترجم لايجيد من اللغة الفارسية سوى مقدار ضئيل قد لايتعدى الحوارات اليومية وشاعر عراقي راجع النص العربي وأدعى الترجمة لاحقا. وهذا ما يمكن تبينه بوضوح في الجمل المفككة وفوضى الضمائر المنفصلة التي أخفق كل من المترجم ناطق عزيز والمُراجع اللغوي أحمد عبد الحسين في تبيّن هويتها.


ولادة اخرى

كل وجودي آية معتمة
يتكرر رحيلك فيها
وستقتادُك ذات يوم
نحو فجر الإنبثاق والنمو الأبديين
أني تأوهتكَ في هذه الآية: آه...
أني عضّدتك في هذه الآية، بالشجر والماء والنار.

الحياة ربما
شارع ممتد، تجتازه كل نهار، امرأة بزنبيلٍ خاوٍ
الحياة ربما، حبل يتدلى به رجل من غصن شجرة
الحياة ربما طفل عائد من المدرسة.

الحياة ربما، إشعال سيجارة في البرهة الرخوة بين ضجعتين
أو عبور مُواربٍ لمارٍ، يرفع قبعته
ليحيّي، بإبتسامةٍ باهتةٍ، ماراً آخر: quot; طاب صباحك quot;.
الحياة ربما تلك اللحظة الموصدة
إذ تبدذد نظرتي نفسها في بؤبؤي عينيك
أو في هذا الشعور الذي سأمزجه بإدراك القمر وإستيعاب العتمة.

في غرفة بحجم عزلة
قلبي الذي بحجم حب
يحدّق في دعاوى السعادة الساذجة
بالزوال الجميل لورود المزهرية
بالغسيل الذي غرسته في حديقتنا
بغناء الكناريات المزغردة بمقدار نافذة.

آه
هي ذي حصتي
هي ذي حصتي
حصتي سماء تنتزعها مني ستارة مسدلة
حصتي الهبوط من درجة سلّمٍ مهجورة
واللحاق بشيء قابع في التلاشي
حصتي دوران حزن ملوّنٍ في مزرعة الذكريات والغربة
والإحتضار في أسى نداءٍ يقول لي: quot; أحب يديكِ quot;

أزرع يديّ في الجنينة
سأخضّر، أعلم، أعلم، أعلم
وستضع النوارس بيوضها في حفر أناملي المطلية بالحبر
سأعلق على أذني قيراطاً من حبتي كرزٍ توأم
وسألصق أوراق وردة الكوكب على ضفائري
فثمة زقاق
ما زال فتيانه الذين أحبوني ذات يوم
بشعرهم المجعّد،
أعناقهم الرفيعة
وأقدامهم النحيفة
يفكرون بإبتسامة بريئة لفتاة إختطفتها الريح ذات ليلة.
سفر حجم في مسلك الزمان
وإخصاب خط الزمان الجاف بحجم آخر
حجم من صورة واعية
عائد من ضيافة مرآة
وهكذا ثمة من يموت
وثمة من يبقى

ما من صيّاد، قط، سيصطاد لؤلؤة من جدولٍ متواضع
يصب في حفرة.
أنا أعرف عروسة بحر تسكن الأوقيانوس
تعزف بتؤدة، قلبها في قصبة.
عروسة بحر حزينة تموت ليلاً بقُبلة
وحين الفجر، تعود إلى الحياة بقُبلة أخرى.


bull;وردة حمراء

وردة حمراء
وردة حمراء
وردة حمراء
هو اقتادني الى مزرعة الورود الحمر
في الظلمة علق على جدائلي المضطربة وردة حمراء
ثم ضاجعني على وريقة وردة حمراء.

ايتها الحمائم الكسيحة
ايتها الاشجار اليائسة المقفرة التجارب
ايتها النوافذ العمياء
تحت قلبي،
بين حنايا خصري
ثمة وردة حمراء تنمو
حمراء كبيرق سامق يوم قيامة
اه، حبلى انا حبلى،
حبلى


فـوق التراب


لم آمل أبداً
أن أصبح نجمة في سراب السماء
أو كروح الأولياء
جليسة خامدة للملائكة
لم أنفصل عن الأرض
ولم أُصادق نجمة.
واقفة أنا على التراب
بجسدي الشبيه بساق نبتة
تمتص الهواء والنور والماء
كـي تحيا.
مُلقحة بالشهوة
ملقحة بالألم
واقفة على التراب
كي تمدحني النجوم
ويداعبني النسيم.

أنظرُ من نافذتي
لستُ سوى دوي أغنية.
لا أرغب إلا بصدى نجمة
في صراخ لذة
أنقى من صمت حزن ساذج.
لا أرغب عشاً
في جسدٍ هو الندى
فوق جسدي الزنبقة.

على جدار كوخي ـ الحياة
ترك المارة بخط العشق الأسود
ذكريات:
قلب مطعون بسهم
نقاط صامتة باهتة
فوق أحرف جنون مبعثرة.

كلما لامست شفة شفتي
تشكلت نطفة نجمة
فلماذا أتمنى أن أصبح نجمة
في ليلي الجالس جوار نهر الذكريات؟.

هذه نغمتي
المحببة للقلب.
قبل الآن لم تكن
قبل الآن..

ستأخذنا الريح

في ليلي القصير ياللأسى
للريح موعد مع وريقات الشجر
في ليلي القصير ثمة قلق من الخراب.

إصغ!
هل تسمع عصف الظلمة؟
اني احدق في هذه السعادة باستغراب
اني متآلفة مع يأسي
إصغ!
هل تسمع عصف الظلمة؟

في هذا الليل ثمة شئ يمر
القمر أحمر ومضطرب
وفوق السطح الآيل في كل لحظة
الغيوم كحشد مفجوع
تنتظر المطر.

هنيهة
ثم لاشئ
خلف هذه النافذة يرتجف الليل
والأرض تكاد تكف عن الدوران
خلف هذه النافذة
ثمة غريب
قلق علي وعليك.

ياذا القامة الخضراء
إشبك يديك الشبيهتين بذكرى ملتهبة
بيدي العاشقتين
ودع شفتيك
كشعور كوني دافئ
تداعب شفتي العاشقتين

ستأخذنا الريح
ستأخذنا الريح.

النافذة

نافذة لرؤية
نافذة للأصغاء
نافذة كفوهة بئر
تمس نهايتها قلب الأرض
وتشرع على هذا الحنان المكرر الأزرق.

نافذة واحدة تملأ أكف العزلة الرقيقة
ويمكن من هناك استضافة الشمس
في حفل غربة الشمعدانات
نافذة واحدة تكفيني.

قادمة أنا من ديار الدمى
من تحت ظلال شجيرات من ورق
في جنينة كتاب مصور
من الفصول الجافة لاختبارات الحب والصداقة العقيمة
في أزقة البراءة الترابية,
من سني نمو حروف الأبجدية الباهتة
خلف طاولات مدرسة مسلولة,
من اللحظة التي استطاع فيها الأطفال أن ينحتوا على السبورة مفردة حجر
إذ هجرت الزرازير شجرة شائخة.
قادمة أنا من زحمة جذور نباتات تمضغ اللحوم
ومازال دماغي يدوي
بحفيف موحش لفراشة
صلبوها في الدفتر بدبوس.

حينما كانت ثقتي مدلاة من حبل العدالة الناحل
حينما كانوا يقطعون في المدينة قلب قناديلي إربا إربا
حينما كانوا يعصبون عيني حبي الطفلتين
بمنديل القانون الداكن
حينما كانت نافورات الدم تنفجر من أصداغ أملي المضطربة
وحينما لم تعد حياتي سوى دقات ساعة جدارية
أدركت أن
أن
أن أعشق بجنون.

نافذة بلحظة صحو ورؤيا وصمت
والآن
فقد سمقت شجيرة الجوز
حتى صارت تترجم لاوراقها اليانعة معنى الجدار.

سل المرآة عن اسم منقذك
أليست الأرض الراجفة تحت قدميك أكثر عزلة منك؟!
حمل الرسل رسالة الدمار الى عصرنا
أليست هذي الانفجارات المتتالية والغيوم المسمومة
دوي آيات مقدسة؟!
ياصاحبي
ياأخي
يابن دمي
حينما تصل القمر
دون تاريخ مجزرة الأزهار!

يسقط الحالمون دوما من علو سلّم سذاجتهم ويموتون
اني أشم رائحة ورود الليلك النامية على قبر الأفكار الهرمة
ترى هل كان شبابي تلك المرأة المتفسخة في كفن انتظارها وبراءتها؟
هل سأتسلق , ثانية سلّم الفضول الشاهق
كي ألقي تحية على الإله السائر فوق سطح الدار؟
أشعر أن الوقت مضى
أشعر أن quot;اللحظةquot; هي حصتي من وريقات التاريخ
أشعر أن الطاولة فاصلة خادعة بين ضفائري وأيادي هذا الغريب الحزين
قل لي شيئا!
قل لي ماذا تروم منك من تهبك طراوة جسدها الريان
سوى إدراك الأحساس بالحياة؟!
قل لي شيئا
ففي ملجأ نافذتي لي صلة بالشمس.

مياه الصيف الخضراء

أكثر عزلة من وريقةٍ مهاجرة
أجدِّفُ بتأنٍ، مع زاد مباهجي المهجورة،
في مياه الصيف الخضراء،
تجاه مملكة الموت
أجدِّفُ، نحو ساحل الهموم الخريفية
مُنقادة لظل الحب الضحل
لظل سعادة هاربة
لظل العنفوان.

ليلاً إذ يتسكع نسيم حائر في سماء منخفضة كئيبة
إذ يعصف ضباب دامٍ في أزقة شرايين زرقاء
إذ تترنح عزلتي مع رعشات أرواحنا الوحيدة
يغور في دقات النبض، الإحساس بالكينونة
ذات الكينونة السقيمة.
ثمة سر يترصد المنحدرات
هذا ما نحتهُ- على أحجار مسنّنة- أولئك الذين زيّنوا بتضرعاتهم المريرة قمم الجبال.

في قلق الأيادي المُترعة
ثمة طمأنينة غير جوفاء
رائع هو صمت الخرائب
هذا ما رددته امرأة في مياه الصيف الخضراء
وكأنها تحيا في الخرائب ذاتها.

نحن نلوّث بأنفاسنا بعضنا البعض
نلوّث ذواتنا بتقوى السعادة تثير فينا الهلعَ أنغامُ المطر
ندهش حين تتوغل مزارع الشك
في بساتين قُبلاتنا
ونرتجف في قصر النور إثر فكرة الإنهيار.

أنتً هنا الآن.
مُشاعٌ كعبق الأكاسيا في أزقة الفجر
جاثم فوق صدري
ساخن في يدي
ملتهب مندهش في ضفائري المنفلتة مني
أنت، هنا، الآن.
شاسع، غامض، متراكم
مشوّش كصوت نهارٍ قصي
تنكمش وتنتشرُ في بؤبؤي عيني المضطربين.
ربما سيعزلونني عن الينبوع
ربما سيحصدونني من الغصن
ربما سيوصدونني، كما باب، بوجه اللحظات الآتية،
ربما لن أرى بعد الآن.

في أرض قاحلة ترعرنا، على أرض قاحلة سنهطل.

لقد رأيتُ اللاشيء في الطرق
ممتطياً حصانه الأصفر المجنّح
طاوياً الأرض كما ملِك.

يا للأسى، أننا سعيدان هانئان
يا للأسى، أننا كئيبان صامتان.

سعيدان لأننا نُحِب
كئيبان لأن الحب لعنة

لنؤمن ببداية فصل البرد

وهذه أنا
امرأة وحيدة
على عتبة فصل بارد
في ابتداء إدراك وجود الأرض الملوثة
ويأس السماء.. الساذج المهموم
الأيادي الأسمنتية وعجز هذه
مضى الزمان
مضى الزمان والساعة أربع مرات دقتْ
أربع مرات دقتْ
اليوم هو اليوم الأول من (دي) *
إني أعرف سر الفصول
وأفهم نطق اللحظات
المنقذ يرقد في الرمس
والتراب
التراب المسالم
شارة للهدوء.

مضى الزمان و الساعة أربع مرات دقتْ
تهب الريح... في الزقاق
تهب الريح... في الزقاق
وأنا أفكر بزمن تتلقح فيه الأزهار
بالبراعم الهزيلة المقفرة الدم
بهذا الزمن المتعب المسلول
ويمر رجل من بين الأشجار المبتلة
رجل تشبه فروع عروقه الزرقاء
الأفاعي الميتة النافرة من بين كتفيه
ويكرر بصدقية المتقلبين
ذاك التهجي الدامي
سلاماً
سلاماً
. وأنا أفكر بزمن تتلقح فيه الأزهار
على عتبة فصل بارد
في مآتم المرايا
في عزاء التجارب الباهتة
وهذا الغروب المثرى بالصمت
كيف يمكن أن نعطي لذلك الرجل
الصبور
الوقور
الحائر
أمر الوقوف ؟
كيف يمكن أن يقال للرجل أنه ليس بحيّ
وأنه لم يكن حياً في أي وقت مضى ؟

تهب الريح.. في الزقاق
غربان الانزواء المنفردة
تحوم في بساتين الكسل المسنة
وكم وضيع هو ارتفاع السلم.
إنها حملت معها كل سذاجة القلب
إلى قصر القصص
و الآن
كيف سينهض شخص واحد للرقص
ويرمي ضفيرة طفولته
في المياه الجارية
ويسحق تحت قدميه
التفاحة التي جناها وشمّها ؟

يا صاحبي، يا صاحبي الوحيد
يا لها من غيوم سوداء تنتظر يوم ضيافة الشمس
كأن في مسير من تجسد الطيران ظهر ذلك الطائر في يوم
كأنها كانت من خطوط الخيال الخضراء
تلك الأوراق اليانعة المتنفسة في شهوة النسيم
كأن تلك الشعل البنفسجية المحترقة في الذهن
الصافي للنوافذ
لم تكن سوى تصور برئ للمصباح.


تهب الريح في الزقاق
هذا بدء الانهيار
حتى يوم انهارت يداك
كانت الريح تهب
ايتها النجوم العزيزة
ايتها النجوم الورقية العزيزة
حينما يعصف الكذب في السماء
كيف يمكن آنذاك اللجوء الى سور الأنبياءالمهشمي الرؤوس؟
نحن كموتى منذ ألوف السنين
نلتقي ببعضنا لآخر
وستحكم الشمس حينذاك على تفسخ اجسادنا

أشعر بالبرد
أشعر بالبرد وكأني لن أشعرأبدا بالدفء
ياصاحبي ياصاحبي الأوحد
ترى كم من السنين مضت على هذا الشراب؟
انظر:
أي وزن هنا للزمن
وكيف تمضغ الأسماك لحومي
فلماذا تحفظني دوما في قعر البحر؟

أشعر بالبرد ومشمئزة انا من اقراط الصدف
أشعر بالبرد وادرك
ان من بين جميع الأوهام الحمراء لزهرة شقائق وحشية
لن يبقى شئ
. سوى قطرات من الدم

سأهجر الخطوط
سأترك عد الارقام
وسألجأ من بين الاشكال الهندسية الضيقة
الى فضاءات حسية رحبة
عريانة انا
عريانة
عريانة
عريانة كالصمت في غمرة حديث الحب
وكل جراحي من العشق
من العشق من العشق من العشق
انقذت انا هذه الجزيرة الحائرة
من عنفوان المحيط
وتشظي الجبل كان سر ذلك الوجود المتناغم
إذولدت اشعة الشمس من اصغر ذراته.

سلاما أيها الليل البرئ
سلاما أيها الليل يامن تبدل أعين ذئاب الصحراء
الى حفر عظمية للايمان والثقة
وجوار روافدك تشم ارواح الصنوبرات
رائحة الفؤوس الرؤوفة.

قادمة أنا
من عالم مهمل للافكار والاحاديث والأصوات
من عالم يزفر بوقع خطى أقدام أناس
عندما يقبلونك
ينسجون في مخيلتهم حبل شنقك.

سلاما ايها الليل البرئ.

بين النافذة والرؤية
ثمة فاصلة
لماذا لم أنظر
كذاك الزمان الذي كان يمر فيه رجل من جنب الاشجار المبتلة
لماذا لم انظر؟
كأن أمي قد بكت في ذلك المساء
مساء بلغت فيه الألم وتشكلت النطفة
مساء غدوت فيه عروس سنابل الاكاسيا
وامتلأت اصفهان بدوي البلاط الازرق
وذاك الذي كان نصفي
عاد الى نطفتي
كنت أتامله في المرآة ناصعا وضاءا مثلها
ناداني فجأة
وصرت عروس سنابل الاكاسيا.


كأن امي قد بكت تلك الليلة
ياله من ضياء عابث تسلل الى المنفذ المغلق
لماذا لم أنظر؟
كل لحظات السعادة كانت تعلم ان يديك ستنهاران
وأنا لم انظر
الى ان فتحت نافذة الساعة
ودق الكناري الحزين أربع مرات
أربع مرات غنى
وصادفت إمراة صغيرة
ذات حدقتين شبيهتين باعشاش عنقاوات مهجورة
كانت تسير بفخذيها على نحو
كأنها تصطحب بكارة احلامي الهائلة
الى فراش الليل.

هل سأمشط ضفائري في الريح ثانية
هل سأزرع الجنينات بنفسج، مرة اخرى؟
هل سأنصب الشمعدانات في سماء،خلف نافذة؟
هل سأرقص ثانية فوق الكؤوس؟
هل سيقودني جرس الباب الى انتظار الصدى
مرة اخرى؟

قلت لأمي لقد قضي الامر
قلت هذا مايحدث قبيل ان تفكري
علينا ان ننشر مواساة في الصحف.

انسان خاو
انسان خاو، مترع بالثقة
انظر!
كيف تنشد أسنانه أثناء المضغ
وكيف تتفرس عيناه حينما تحدقان
وكيف كان يمر من جنب الاشجار المبتلة
صبورا
وقورا
حائرا.

في الساعة الرابعة
لحظة نفور شرايينه الزرقاء، كافاع ميتة
مكررة بصدغيه المنقلبين ذاك التهجي الدامي
سلاما
سلاما.

ترى هل شممت،ذات مرة
تلك الجوريات الاربع الزرق؟

مضى الزمان
مضى الزمان وهوى الليل فوق أغصان أزهار الأكاسيا العارية

ينزلق الليل على زجاج النافذة
ويلفظ بلسانه البارد ذيول النهار الى أعماقه.

من أين آتية أنا
من أين آتية أنا
مضمخة هكذا برائحة الليل
مازال تراب مثواها طرياً
. أقصد مزار اليدين الخضراوين الشابتين
كم كنتَ عطوفاً يا صاحبي، يا صاحبي الأوحد
كم كنتَ حينما كنتَ تكذب
حينما كنت تغلق أحداق المرايا
وحينما تقتطف الثريات
من السيقان النحاسية
وكنتَ تصطحبني في الظلمة المستبدة إلى مرتع الحب
ليستقر ذاك البخار الدائخ المكمّل للهيب الظمأ
. علىأحراش النوم
وتلك النجوم الورقية
كانت تطوف حول اللانهايات.

لماذا قالوا للصوت، كلاماً
لماذا استضافوا النظر في بيت اللقاء
لماذا اقتادوا الحنان لحجب ضفائر البكارة؟
أنظر
كيف صلبتْ، هنا، علي أعمدة الوهم
روح من نطقت بالكلام
وعزفت بالنظر
وتخلّصت بالرأفة من شغب الموت
وكيف بقي على خدّها إثر أغصان كفك، الخمسة
. الشبيهة بأحرف الحقيقة الخمسة

ما الصمت.. ما الصمت.. ما الصمت يا صاحبي الأوحد؟
ما الصمت إلا أحاديث لم تقل
عاجزة أنا عن الكلام.. لكن لغة العصافير
لغة حياة الجُمل السارية لاحتفاء الطبيعة
لغة العصافير تعني: الربيع.. الأوراق.. الربيع
لغة العصافير تعني: النسيم.. الندى.. النسيم
. لغة العصافير تموت في المصانع

مَن هذه.. مَن هذه السائرة علي مسير الأبدية
صوب لحظة توحدٍ
من هذه التي تُملي ساعتها الأبدية
بمنطق الرياضيات ذي التفرقة والتفريق
من هذه التي لا تعتبر صياح الديكة
بداية قلب النهار
إنما بدء رائحة الإفطار
من هذه المتوجة بالعشق
المتفسخة بين فساتين العرائس؟

لن تسطع الشمس، إذن، في آن واحد
علي قُطبي اليأس
لقد فرغتَ من نداء البلاط الأزرق
ولكثرما مفعمة به أنا
. تراهم يصلون على صوتي

جثث سعيدة
جثث ضجرة
جثث صامتة متأصلة
جثث لطيفة، أنيقة، حسنة المأكل
في محطات الأوقات المقررة
في المدار القلق للأنوار المؤقتة
وشهوة شراء فواكه العبث الفاسدة
آه يا للأناس القلقين من الحوادث في التقاطعات
وهذا صوت صافرات الوقوف
في اللحظة التي يجب، يجب، يجب
رجلٌ يدهس تحت عجلات الزمن
رجلٌ يدهس تحت عجلات الزمن
. رجل، كان يمر من جنب الأشجار المبتلة

من أين آتية أنا؟

قلتُ لأمي: لقد انتهي قلتُ: يحدث دوماً قبيل ان تفكري
علينا أن ننشر مواساة في الصحف.

سلاما يا غربة العزلة
أسلمُكَ الغرفة
لان السحب الداكنة هي دائماً رسلُ آيات الطهارة الطرية
وفي استشهاد شمعةٍ،
ثمة سرّ منوّرٍ، تعرفه جيداً أطول وآخر شعلة

لنؤمن
لنؤمن ببداية فصل البرد
لنؤمن بخرائب بساتين التخيّل
بالمناجل المقلوبة العاطلة
وبالبذور الحبيسة
انظر، يا له من ثلج يهطل...

الحقيقة ربما، تلك اليدان اللتان دفنتا
تحت الهطول المتواصل للثلج
وفي سنة قادمة أخرى
حين يضطجع الربيع مع السماء وراء النافذة
سيفوران في جسدها
ستخضوضر االنوافير الخضر للسيقان الرشيقة
يا صاحبي.. يا صاحبي الأوحد
لنؤمن ببداية فصل البرد

*دي أو ديماه الشهر الأول من فصل الشتاء وفق التقويم الأيراني

محمد الأمين، شاعر ومترجم عراقي مقيم في هولندا
[email protected]