القاهرة (رويترز) - قبل أيام من احتفال وزارة الثقافة المصرية بذكرى مرور أربعين عاما على رحيل الكاتب عباس محمود العقاد صدر لاكاديمي مصري كتاب يعيد في بعض فصوله تقديم العقاد مفكرا وشاعرا quot;عبقرياquot; كما يأسف للتجاهل الذي يجعل منه شخصا عابرا. ويرى عبد اللطيف عبد الحليم أستاذ الدراسات الادبية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة في كتابه (كتابات في النقد) أن ذكرى العقاد الذي كان مفكرا وناقدا بارزا في النصف الاول من القرن العشرين لا ترتبط بيوم مولده أو رحيله اذ quot;لا تزيده المناسبة العارضة الا توهجا... من آيات العقاد في الدعوة الى حرية الرأي أن خطأ الحرية خير من صواب التقليد والعبودية.quot;
وأضاف في الكتاب الذي صدر بالقاهرة عن الدار المصرية اللبنانية في 355 صفحة كبيرة القطع أن التاريخ الحديث لم يعرف أديبا أثار جدلا حول شخصه وأعماله مثل العقاد معتبرا ذلك quot;احدى دلائل العبقرية التي ظفر بها العقاد بأوفى نصيب.quot; ويعد عبد الحليم من أشهر محبي العقاد الذي تراجع حماس الاجيال التالية من المثقفين والادباء له ولكتاباته مقارنة بالاحتفاء الذي لايزال يحظى به طه حسين حيث ولدا معا عام 1889 وصعدا الى قمة الحياة الفكرية في توقيت متقارب. ويقول كثير من المتحفظين على بعض ما يمثله العقاد من أفكار انه لم يمتلك ما يعتبرونه فضيلة الشك وكان صدره يضيق بمخالفيه في الرأي وانه أورث هذا العناد الى أنجب تلاميذه سيد قطب المعروف بتحولاته الجذرية من النقد الادبي إلى التنظير quot;الاسلاميquot; لمجتمع جديد يختلف عما أطلق عليه مجتمع الجاهلية. وسجل قطب تصوره في أكثر من كتاب اخرها (معالم في الطريق) قبل اعدامه في أغسطس اب 1966 بتهمة محاولة قلب نظام الحكم.ويأخذ مثقفون مصريون على العقاد الذي حمل في شبابه لواء حركة التجديد في الشعر رفضه في شيخوخته محاولات تجديد شكل الشعر على أيدي جيل جديد فحين كان رئيسا للجنة الشعر كتب على احدى قصائد الشاعر المصري أحمد عبد المعطي حجازي quot;تحول الى لجنة النثر للاختصاصquot; بحجة أن القصيدة التي كانت تلتزم الوزن لم تكن مقفاة كما يريد.
وينظم المجلس الاعلى للثقافة بالقاهرة ندوة موسعة الاثنين القادم عن العقاد تستمر ثلاثة أيام يشارك فيها باحثون ونقاد وشعراء منهم حجازي وحسن طلب ويونان لبيب رزق وجابر عصفور وصلاح فضل وأنور مغيث وثناء أنس الوجود. كما تقام طوال أيام الندوة أمسيات شعرية تلقى فيها بعض قصائد العقاد.
وقال عبد الحليم في كتابه ان العقاد الذي وصفه بالشاعر العبقري أرسى دعائم النهضة الادبية quot;وحطم أصناما كثيرة في سبيل هذا الارساء ولم تغفر له تلك الاصنام انتهاكه لقداستها المزعومة.quot; وأشاد باحاطة العقاد بالتراث الانساني والثقافة العالمية التي وصفها بالغالبة قائلا إنه لم يقف منها موقف الذليل العاجز بل موقف المستوعب الناقد. وأشار إلى دور العقاد في التعريف باسبانيا quot;حين كان العالم العربي كله لا يكاد يعرف شيئا عن أدبها وفكرها. ولعل أول كتابته عن اسبانيا كان حديثه عن دكتاتورية (قائد الانقلاب العسكري عام 1923 الجنرال) بريمودي ريفيرا في كتابه quot;الحكم المطلق في القرن العشرينquot;. وأضاف أن العقاد أسهم في التعريف بالفكر الاسباني وتقديم عدد من رموز الادب الاسباني الحديث حتى أطلق عليه المستشرق الاسباني بدرو مارتينث اسم (بطريرك الادب العربي) وترجم للعقاد احدى القصائد.
ووصف اهتمام الاسبان بالعقاد بأنه سطحي وغير كاف مفسرا quot;هذا التجاهل والنفور بالعقاد ذاته. فمن عيوب العقاد أنه عظيم متفرد يشعر سواه بالضالة سواء كان عربيا أم أعجميا...العقاد عسير الفهم على الاعاجم.quot; وتابع عبد الحليم quot;للاسف ليس موقفنا في مصر والعالم العربي عامة.. وهو ابن هذا البلد.. بأفضل من موقف الاسبان منه حتى انه ليخيل الينا أحيانا أن العقاد لم يمر بهذه الامة.quot; وأخذ على بعض الاكاديميين quot;من ذوي العاهاتquot; كراهيتهم للعقاد الذي اعترف بأنه quot;فارس يثير الاعجاب والانصاف كما يثير البغض والاختلاف...نزعم أن العقاد لم يقرأ بعد قراءة صحيحة... شعره يحتاج إلى قراءة خاصة وإلى صبر على معالجته.quot;
وأشار إلى بعد نظر العقاد الذي كتب عن الزعيم النازي أدولف هتلر كتابا ثم ذهب إلى السودان حين بدا دخول الالمان مصر وشيكا خلال الحرب العالمية الثانية quot;وقد تنبأ بسقوط هتلر وبسقوط الشيوعية وهما في أوج ازدهارهما وضرب موعدا للثانية بستين حولا لم يمض كثير منها حتى سقطت...وكان نابليون قبلهما في نظره مهرجا بالنسبة إلى بعض العلماء مثل (لويس) باستور لان عينه كانت موكلة بجوهر الانسان قبل أي شيء اخر.quot;
وحث عبد الحليم على الانتباه إلى العقاد في اطار حركات التجديد في الفكر الاسلامي قائلا إنه وازن بين العقل والنقل كما quot;هاجم أعداء الاسلام ممثلين في المستشرقين...وحارب الجمود في الدين (الاسلامي) وأصلى (جماعة) الاخوان المسلمين نارا من حممه وأطلقوا عليه الرصاص في داره. رأينا أثر الرصاصة في نافذة البيت.quot;