تقيم مؤسسة أكد للثقافة والفنون في هولاندا مهرجان الكاريكاتير العراقي الاول والذي إستضاف هذا العام خمسة من أهم فناني الكاريكاتير الذي برزوا من خلال عملهم في الصحافة العراقية والعربية داخل العراق وخارجة وهم كل من الفنان فيصل لعيبي المشرف على جريدة المجرشة الصادرة من لندن وهي جريدة كاريكاتورية عراقية ساخرة، والفنان منصور البكري الذي ظهرت موهبتة من خلال عمله في صحافة الاطفال العراقية في مطلع السبعينات من القرن الماضي وهو أيضا من المتميزين في رسم البورتية الكاريكاتوري، والفنان مؤيد نعمة والذي برز هو الاخر مطلع السبعينات كرسام كاريكاتير متميز يعتبر من المجددين في هذا الفن على مستوى العراق والوطن العربي، والفنان عبد الرحيم ياسر الذي عمل هو الاخر في صحافة الاطفال العراقية وبعد ذلك نشر العديد من أعمالة الكاريكاتورية الساخرة في الصحافة العراقية، والفنان كفاح محمود وهو من جيل الثمانينات من رسامي الكاريكاتير العراقيين والذي ظهرت أولى رسومة الكاريكاتورية أبان فترة الحرب العراقية الايرانية ( في مجلة الف باء البغدادية ) والتي ظهرت تاثيرات هذه الحرب المدمرة جليا في جميع أعمالة الكاريكاتورية بعد ذلك وكذلك إمتاز برسم الاشرطة الكاريكاتورية المسماة ب (السترب)، وكانت هذه المرة الاولى التي يظهر فيها هذا النوع من الفن ويستمر لاكثر من أربعة أعوام ثم ينتقل هذا السيناريو معة الى الاردن ليواصل نشره على صفحات الصحف الاردنية والتي سيعمل بها بعد ذلك. ضم المهرجان خمسون عملا كاريكاتوريا، تفاوتت الاعمال بين فن الكاريكاتير السياسي وفن البورترية الكاريكاتوري وتفاوتت المواد المستخدمة في تنفيذ الاعمال بين الاعمال المنفذة بالحبر الصيني والاخرى المنفذة على جهاز الكومبيوتر ومرورا بالاعمال المنفذة بالالوان المائية والكواش.
قام القائم باعمال السفارة العراقية في هولاندا بافتتاح المهرجان بعد وصلة موسيقية من التراث العراقي للفنان وعازف العود أنور أبو دراغ وعازف الايقاع المبدع ستار الساعدي.
أختتمت نشاطات اليوم الاول بمحاضرة قيمة للفنان فيصل لعيبي تحدث فيها عن فن الكتابة الساخرة في العراق وأهم الصحف والمجلات التي إهتمت بنشر هذا اللون الفني الذي ظهرت أولى بوادره في نهايات القرن الثامن عشر، صاحب المحاضرة عرض لاعمال رائد الكاريكاتير العراقي غازي عبدالله ومجموعة أخرى من الفنانين الذين ظهرت موهبتهم جليا في منافيهم الاجبارية خارج الوطن المبتلى بالدكتاتورية والحروب .
اليوم الثاني للمهرجان كانت أولى نشاطاتة ندوة جمعت الفنانين الثلاثة الذين حضروا المهرجان بمناقشة وجها لوجه مع جمهور الحضور الذي أختلطت علية الاوراق بأختلاف المسميات وتعدد إختصاصات هذا الفن الجميل الذي لازال الكثير من القراء يخلطون بينه وبين النكتة والسخرية اللفظية ولا يميزون بين فن البورترية الكاريكاتوري وفن الكاريكاتير السياسي وفن الاشرطة الكاريكاتورية التي تعتمد في بنائها على سيناريو صغير جدا ومكثف وبين رسوم الاطفال التي ربما لاتشترك مع فن الكاريكاتير الا بالشكل ربما وحتى هذا تجده في رسوم الاطفال أعلى مستوى من ناحية التقنية والخطوط لكننا لايمكن أن ندرجه تحت مسمى كاريكاتير لان فن الكاريكاتير يعتمد في إنتاجه وبالدرجة الاساس على الفكرة وتأتي الخطوط والالوان بالدرجة الثانية والاخيرة . كان هناك أيضا إعتقاد بأن الكاريكاتير له جذور عربية أصيلة، وبأن العرب وكالعادة لهم الاسبقية في كل شي معتمدين على فن المزاح والتنكيت الذي ليس له علاقة بالصورة وربطة بالكاريكاتير هذا الفن الرائع الذي هو المرأة الحقيقية للمجتمع في البلاد المتحضرة التي تواجه نفسها كل يوم بكل صراحة وشفافية، في الوقت الذي تقال فيه النكتة بالخفاء وسرا وبعد أن تنتشر لا أحد يعلم من هو صاحب هذه النكتة أو تلك القفشة والى يوم يبعثون . كذلك فأن ثقافتنا العربية ثقافة كلام وشعر ولغة وحكي ولم تكن في يوم من الايام ثقافة صورة، وحتى في هذه اللغة لم نفلح تماما فمنذ خمسة عشر قرنا أو يزيد هناك الكثير من رجال الدين الافاضل الذين فسروا الحديث النبوي الشريف الذي مفاده بأن ( المصورون بالدرك الاسفل من النار ) فسرت كلمة المصورون خطأ وأسقطت هذه الكلمة على كل من يمارس أي عمل له علاقة بالرسم أو الصورة أو التشخيص التشكيلي في حين إن المتأمل قليلا للحديث يكتشف وببساطة بأن المراد بالمصورين هم صناع الالهه الذين يصنعون التماثيل ويعتاشون من بيعها على الناس على إنها الاله والعياذ بالله، ومع إن المبدأ الاسلامي دائما ما يركز على التيسير في الاحكام والقوانين الاسلامية لكن الذي يحصل هو العكس في أغلب الاحيان وخصوصا في كل ما له علاقة بالفن التشكيلي القائم على إعادة تصوير الواقع . فكيف يكون لنا أسبقية في إكتشاف فن كهذا مبني أساسا على الصورة وتحويرها وعلى والسخرية منها، إن كل هذه الاشياء طارءة وواردة على الثقافة العربية وظهور فنان كاريكاتير في بقعة ما في زمن ما من مساحة أمتنا العربية ظهور نشاز ووجود غير طبيعي لشخصية غير مرغوب بها في أغلب الاحيان . أسئلة كثيرة ونقاشات متداخلة وأفكار متشابكة تناثرت هنا وهناك وكان أخرها السؤال التقليدي الذي يطرح دائما عن كل ماهو جريً نوعاما في الدراما العربية أو الكاريكاتير، هل هذا النوع الممزوج بقليل من الجرأة والواقعية الحادة بعض الاحيان الغرض منه التنفيس أو النقد من أجل النقد، وكان الجواب أحيانا كان للتنفيس وخصوصا في زمن الحرب العراقية الايرانية التي إنطلقت خلالها وبشدة الشخصية الكاريكاتورية الشهيرة ( الدلالة ) تلك المرأة المسكينة التي تفترش الارض لتبيع وتشتري ما يتيسر لها من بعض البضائع البسيطة المدعومة من الحكومة أحيانا، حاول الاعلام الحكومي أن يشيع بين الناس بأن هذا الكائن المسكين المركون على قارعة الطريق هي من تسبب في إنهيار الاقتصاد الوطني وليست الحرب الغبية التي شنها النظام الارعن على إيران نيابة عن أمريكا في ثمانينات القرن الماضي .
تلا هذه الجلسة عرض سلايدات للفنان منصور البكري والتي تحدث فيها عن تجربتة الفنية مع رسوم الاطفال في الغربة، والكتب التي ساهم بتنفيذها في منفاه الاجباري في المانيا التي يقيم فيها منذ أكثر من عشرون عاما بعيدا عن وطنه وعن عالمه الذي أحبه في مجال صحافة الاطفال هذا التخصص النادر والخطير الذي دخله وهو لم يتجاوز السادسة عشر من عمره وبرع به كثيرا لما كان يمتلكه من خبرة ودراية في طريقة تنفيذه للسيناريوهات والتقنية العالية التي كان يمتلكها ورفاقة أنذاك .
بعد ذلك جاء دور المحاضرة الثانية في هذا المهرجان والتي تحدث فيها كاتب هذه السطور العبد الفقير الفنان كفاح محمود بشكل سريع وموثق بالصور عن تاريخ الكاريكاتير في العالم، وبعد ذلك تحدث عن اللبنة الاولى التي وضعت من قبل الفرنسي شارل فيليبون مؤسس أول صحيفة كاريكاتور في العالم والتي ظهرت أولى أعدادها العام 1830 وإعتمدت في هيكليتها على فن جديد لم يألفه القاري آنذاك وهو فن الرسوم الساخرة والذي سمي بعد ذلك بالكاريكاتير تيمنا بأسم الصحيفة التي بروزته وأطلقته للعالم وكانت هذه هي البداية الصحفية لفن الكاريكاتير الذي إرتبط بها بعد ذلك ولم نتصور أو نتخيل أن يكون هذا الفن في يوم من الايام بعيدا عن الصحافة أو تكون هناك صحافة بدونه ( الا في الصحافة العربية طبعا التي حجمت هذا الفن كثيرا حتى باتت تقضي عليه ) .
الحديث بعد ذلك تناول بداية الكاريكاتير في الصحافة العراقية والذي بدأ لاول مرة من خلال جريدة حبزبوز التي صدر العدد الاول منها في بغداد بتاريخ 29-9-1931 . ومع إن في تلك الفترة ظهرت أكثر من 300 صحيفة ومجلة الا إنها لم تفكر بنشر الكاريكاتير والسبب في ذلك هو تخلف المطابع العراقية آنذاك بالمقارنة بمثيلاتها الموجودة بتركيا وسوريا ولبنان ومصر، ولعدم وجود معامل للزنكوغراف يتم بواسطتها طباعة الصورة أو الكاريكاتير إن وجد .
كان ظهور أول كاريكاتير للرسام ( عبد الجبار محمود ) الذي لم يستمر طويلا بالعمل بعد ذلك، لكن الرائد الحقيقي لفن الكاريكاتير في العراق هو الفنان الخطاط ( غازي عبدالله ) والذي لقب بالخطاط لانه بالاضافة لكونه فنان كاريكاتير كان أيضا خطاطا ويمتلك محلا للخط في بغداد . هذا الفنان ظهر في منتصف الخمسينات من القرن الماضي وإستمر بالعمل حتى وفاته منتصف التسعينات مع توقفات كثيرة بين الحين والاخر مع كل تغيير أو مصيبة أوإنقلاب أو حرب كانت تحصل في العراق وهذا حال فنان الكاريكاتير العراقي المحكوم عليه بعدم الاستمرار وكثرة التوقفات وإضطراره للابتعاد عن بلده حماية لنفسه ولاهله بسبب الوضع السياسي الملتهب دائما والذي أدى الى توقف الكثير من الصحف والمجلات مع كل تغيير يحصل في البلد . إمتازت أعمال الفنان غازي بأنها كانت لها شخصية متفردة بالرسم والافكار ذات الطابع البغدادي الجميل والتي والتي سجل من خلالها تفاصيل التفاصيل عن حياة المواطن العراقي والازياء الشعبية الجميلة أنذاك بالاضافة الى الازقة والحارات والشوارع البغدادية وكل الخبايا التي لم تستطيع الكاميرا أن تسجلها، إستطاع هذا الفنان الرائد أن يركز عليها ويصورها بأسلوبة الكلاسيكي الشائع في تلك الفترة .
بعد ذلك وفي منتصف الستينات ظهر إثنين من رسامي الكاريكاتير في العراق، الاول عامر رشاد والثاني عادل شنتاف وقد تعرف عليهما القاري العراقي من خلال تناوبهم على العمل في جريدة الثورة . بعدها وفي نهاية الستينات ظهرت مجلتي الفكاهه والمتفرج، وهاتين المجلتين بدأت تنشر لمجموعة صغيرة من الشباب الجدد أمثال مؤيد نعمة وبسام فرج وغيرهم . بدأ بسام بعد ذلك بنشر صفحتي كاريكاتير إسبوعية في مجلة الف باء البغدادية، بينما برز مؤيد نعمة وبشكل يومي من خلال جريدة طريق الشعب وكانت المواضيع التي تناولها الاثنان كاريكاتيرات تمس حياة الانسان العراقي وتلقي الضوء على معاناته وهمومة اليومية.
في مطلع السبعينات أيضا ظهرت مجموعة أخرى من الشباب المبدع برزوا من خلال عملهم في دار ثقافة الاطفال ومع إن البعض منهم رسم الكاريكاتير لكنهم لم يحترفوه كمهنة وإكتفوا برسم سيناريوهات الاطفال والقصص الرائعة التي أثرت في جيل كامل من الشباب الذي لم يجد مصدرا آخر لتعلم فن الرسم وطريقة التلوين بالالوان المائية الا من خلال ما كانوا ينشروه على صفحات مجلة مجلتي وجريدة المزمار.
في نهاية السبعينات ظهرت موهبة جديدة في الكاريكاتير على الساحة العراقية وهو الفنان رائد نوري الذي إمتازت أعماله بالتجديد والجرأة والبساطة، ولذلك أثر على أغلب فناني الكاريكاتير الذين ظهروا في فترة الثمانينات، أمثال الفنان خضير الحميري وأخيه شهاب الحميري وعبد الكريم سعدون والمرحوم عباس فاضل وكفاح محمود . بدأ رائد بالنشر في مجلة الف باء بعد هجرة فنانها الكبير الاستاذ بسام فرج الى هنغاريا وإستمر بالعمل حتى العام 1981 بداية الحرب العراقية الايرانية، مما إضطر هذا الاخر أن يهاجر الى أمريكا ولذلك حل محله الزملاء خضير الحميري وعباس فاضل وبعد عام واحد إنضم اليهم الفنان مؤيد نعمة ثم بعد عامين إنضممت لهم وشكلنا فريق عمل كاريكاتوري مكون من أربعة فنانين لكل منه إسلوبه والمساحة المخصصة له . فكان خضير وعباس يتناوبون على رسم صفحتي الكاريكاتير، أما مؤيد فكان يرسم زاويته الشهيرة طبق الاصل ونساء ورجال، أما أنا فاضطررت ولكي يكون لي مكان بينهم أن أرسم الاشرطة الكاريكاتورية والمسماة ب ( السترب ) وكانت هذه المرة الاولى التي ينشر فيها هذا النوع من الكاريكاتير في الصحافة العراقية وبشكل منتظم وإسبوعي، وعرفني القراء من خلال زاويتي الاسبوعية ( إسبوعيات حمدان ) التي كانت تتطرق كل إسبوع لظاهرة إجتماعية معينة من خلال بطل المسلسل حمدان ذلك الانسان العراقي البسيط المسحوق في قصة قصيرة جدا مكونة من أربعة لوحات .
ظهر بعد ذلك بعض الرسامين الذين لم يرسموا بشكل منتظم مثل شيرين الراوي وعبد الكريم بربن وعبد الحسين وحمودي عذاب والفنان هاني مظهر الذي ظهرت موهبته الكاريكاتورية من خلال عمله في جريدة القبس الكويتية في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات والذي كان يعمل سوية مع فنان الكاريكاتير الفلسطيني الشهيد ناجي العلي . وبعد ذلك أكمل مسيرته الكاريكاتورية بالعمل في جريدة الحياة ومجلة الوسط اللندنيتين .
وهناك فنانين أخرين لم تحملهم الذاكرة لانهم لم يعملوا بشكل يومي أو لاننا إنقطعنا عنهم بسبب مغادرتنا الوطن بعد الهجرة العراقية الثانية في بداية التسعينات . ولذلك فأنا مظطر للتوقف عند هذا الحد، وآمل في أن أكون قد وفقت في تسليط بعض الضوء على هذا الفن الجميل .
أما المهرجان فقد إختتم يومه الثاني بفلمين عن الفنان ناجي العلي الاول كان من إخراج محمد توفيق والثاني كان من إخراج قاسم عبد، سلط هذين الفلمين بعض الضوء على هذا المبدع الشهيد الذي قدم أغلى مايملك قربانا للحقيقةالتي صارت بضاعة غير مرغوب بها في هذا الزمان الاغبر.

[email protected]