فصلٌ غاياتُه ألف

مهداة إلي المستشرق STEPHAN GUTH

المقبرة:
وأغمضتُ عيني فما كان لي أن أرى، وما كان لي أن أفتش عن أحرف داميات تغطين بالصمت أو بالثرى، ذاك يُدعى الظلام وما كان إلا الظلال التي طاوعتني وجاءت تودّع مالا يكون، وأُدنيتُ منها وألفيتُ أني تحولت للطين نبتا، وأُدخلت في الساق حتى تطاول هذا النبات المسربل بالشوك علِّي أقاوم تلك الحجارة أو أقتفي ظلها.ويخرج نبتي ثمارا فأبصر هذا المدى، ها أنا وردة أستطيع الغناء كأني قريبٌ من الأرض، سيان عندي الذي كان أو ذاك من كُنته، ولم أدر كم عُمر هذا النبات وقد حوصل الماءُ فيه الفناءَ فأَخرجُ "هُو"...ويبقى "أنا"
"غاية"

تفسير:

لاشيء هنالك موجودٌ إلا الواجد
فتواجدْ حتى توجَد إن شاء
واخلع عنك الأسماء فكل الأسماء مزيفةٌ..
مَن منا سمَّى نفسه؟
وادخلْ في الحضرة كي تحضر حين يراد وجودك فيها
لا تلتمس الأعذار
فموتك هذا عذرٌ ليس بمقبول
إن كنا نحن نريدك ميْتا عشت
الموت وجود
ووجودك لا يوجد إلا عند موات الموت


رجع:
" أهذا أنا " أم " هو " ؟، وكان الظلام يخيط الجماجم بالأرض، يربط هذي العيون بشتى السلاسل، من جاء بي؟ تذكرت أني "أنا" _وأن البكاء الذي كان من أجل أن..هو الطين يلتف حولي ويبني له سرمدا فاخلع الآن كل الوجود وكن سيدا، أنت صرت بقاء الفناء وما أنت إلا فناء البقاء ؛ وذاك الوجود ابتلاء فمن كان أو سيكون؟ سيان عندي زمان السؤال ومعنى الجواب ولكن قلبي يؤكد أن المدى صار سُؤْلا وأن الورى أسئلة؟
ألست سؤالا ؟...بلي..لا " "غاية"

تفسير

وأيقنتُ أني هنا
وأن الذين بجنبي كانوا..
تذكرت ما دار في القبر!
ملاكان جاءا فمن يسألان
أَأُسألُ أم تُسألون
وما كان لي من حياة
لماذا - إذن - مُرسَلون؟!
وأُجلست، أبصرتهم قادمين
يشقون صدري ويخرج قلبي
يقولون: هذا عجيبٌ: أميْتٌ..وقلب يئن؟!
كفاك العذاب الذي قد بنى كهفه في الفؤاد،
فليس هناك سؤالٌ لمن قلبه قد تعذب فينا فنَم واطمئن
فماذا يقال وقد جاءت الزلزلة؟!

الزلزلة

رجع:
" تتحول تلك النخلة شباكا ويصير الشباك فتاةً، تسألني عما إن كان فؤادي يهواها أو أني ؟ تتلاقى أسراب الدود المنبطح المترامي فوق الجثث الموؤُودة إذ سُئلت! وتشكل أسرابا من أمعاء، وصدورٍ حرَّى ؛ نصطفّ صفوفا يقتطف الواحد منا تلو الآخر ما يعنيه ولكن لم يختلط الحابل بالنابل بل يفترقان ويصطف الحكام صفوفا يفقأ كل منهم عين الآخر ؛ تتدلى ؛ لكنَّ الأرض تعيد الأعين ثانيةً إذ يفصل ربك بين الأشياء فلا يتلاقي اثنان ولو قد كانا من قبل التقيا واختلطا وامتزجا وانتهيا ولذلك تتبارى الأرض مع الحكام ولن يصطلحا " !!" غاية "


تفسير

ولاشيء يدعي السكون
أما للسكون صدي ؟
وقد كنت طينا فكن...
لذا ينبت الطين أطراف هذي الرؤى
وتهتز أوراق تلك الغصون فتنمو العيون، الأصابع والمشيمة.
فتغدو الأراضي رياحا
سأرقب هذي السماء ولكنها قد غدت جثة هامدة
تهشم وجه السماء
وتنـزف حزنا كثيفا،
أهرول علِّي..
فتخبرني إنها الزلزلة !

رجع:

" مشهد لا يرى مرتين..انتبه..القبور التي كنت أسمع صوت الأنين وصمت الغناء أراها تُفتح، وتمشي القبور لتصطاد ظلا ظليلا، وحتى الأباريق تغدو وجوهاً، وها نحن إنا عرايا وما أقبح العري لكنْ وُلدنا - كما قيل يوما _ عرايا ولا توتَ في الأرض إذا أنهم جَّمعوا النخل والخضر ؛ هذي وريقة توت غدت لي لسانا ؛ وهذي فراشة ضوء غدت لي شفاها، والجمجمة وريقات ثكلى قد طُبخت في قِدرٍ يتشكل من عينين، وأما النار فكانت من خشب قد غُذِّي من أكباد شتى لا أدري إن كانت فرحى لكني أوقن أن الفرح تَشَكّل زيتونا، والزيتون توالدَ فاكهةً والفاكهة احترقت أَبـَّـا، وضباب قد لف الناحية الشرقية لا الغربية، لا أدري لكن ما أتذكره هو أن ضبابا قد حمل العالم إن كان هنالك كونٌ ولذلك لا أقدر أن أشرح أين الشارح كان لأن كلامي هذا رجعٌ ؛ والرجع بعيد وكفى!!" "غاية"

تفسير

أتوقع أن كلامي هذا لا يحتاج لتفسير ؛
لكني أسمع صوتا يهتف بي
مَنْ ذاك القابع في بوتقة الصمت المذهول؟
-إني جئتُ أجبني أين سأمضي؟
(حين أنجو من الزلزلة)
-صهْ ولا تُلْقِ بالأسئلة!
السؤال اعتراض
أما جئتَ ؛ هل تستطيع الإياب؟
فماذا يفيد السؤال،
ومن يملك الأجوبة ؟!


ذكريات اليوم الأول بعد القيامة
فصل غايته باء:

الزمان:
كانت كل الأشياء تكوِّن لاشيء، وبعض الْـ لاشيء يكوّن كل الأشياء، فآهٍ لو كنا نتحكم في الإحساس فلا نبصر إلا ماكان جميلاً، لا نسمع إلا ما نرجو وإذا متنا لانُدفن في الأرض ولكن يتصاعد كل منا رأسا نحو الأعلى ليحلّق في الملكوت فتتلاقى الأجساد / الأرواح وتبني منتجعا للدهشة، إذ أذكر أني حين دُفنت تحسَّسني الموتى، من يدري ربَّ هنالك شيءٌ مدسوسٌ في كفني، آهٍ لو كنا نتحرك دون العسس فإني أصبحت أخاف القبر فمن يدري ماذا في القبر ؟ لذلك لم أنبس شفة حين رأيت جماجمهم تتسامر حولي، ورأيتُ صديقي أرسل تقريرا بِمداد عيونٍ فاتنةٍ قد قُبرت جنبي كتب علي رقعة كفني أني لا أسمع أوْ لا أتكلم (تلك رواية جمجمة أخري) كم خِفت بأن يتضارب هذا التقرير مع الآخر، لكنْ جاءت شفراتٌ فوق عظام شهيد فسّرها أحد الموتى إن التقرير يقول "فلان هذا فَطِنٌ لكنْ سكرات الموت تفتِّت ذرات العقل، ويوصي التقرير بتعميم الموت علي الأحياء ذوي الألبابْ"" غاية "

تفسير:
حين يُدك الجبل صريعا كن
حين يموت الجبل...
سيسأل عن قاتله ؟
وسيسأل قاتله عمن صنع المدية والخنجر ؟
عمن كان فكنت ؟
ولذلك أنصح من يقرأ هذي الصفحة أن لايقربها
قد تُغويه فيأكل من ثمر مرارتها...
ويموت !

رجع:
تتوقف كل الأزمان، ويحيا كل منا في " اللازمن " وما أحلي أن تُطوي الأزمان، فلا أمس ولا يوم، ولاباكر، كل الأشياء انصهرت، أما الأزمان فقد جُمعت في بوتقةِ "الآن"، لذلك لا تبصر شيئاً يتحرك أو لايتحرك إذ أن الحركة وقت والوقت توقّف، وسكون الحركة موتٌ والموت الآن يخر صريعاً، يتأمل كل منا نفس الذات المتأمِّلة ولا يلمح شيئا ؛ فنهرول نحو مرايا قد وُضعت لنحدّق فيها، لكن مرايانا لاتبصر شيئا، إذ تتساوى الأشياءُ لديها، ولذلك حين جريت لأبصر ذاتي انقسمت لذواتٍ شتي، نادتني إحداهن فما ردَّت أُخراي لأن الملأ تجمّع من ذاتي يتساءل: " مَن هذي الذات؟ " ولما ودَّ لساني أن ينطق خِفْتُ العسس المقبور بقبري، فأبَى كفني أن يصمت فتناثر ذرات بيضاء ملوثةً بدماءٍ من زمنٍ وأَسَرَّتْ أكفاني في أحزاني: "هذا وجهك فاصمتْ " وأعدَّت أكفاني صوت خناجرها وسمعت قتيلا يفجؤني بالصمت فألفيتُ بأني كنت القاتل والمقتول بلا أسباب"!!" غاية "

تفسير

علمتني الحياةُ بأن انتصاف النهار دليلٌ لقُرْبِ الغروبِ
وأن الغروب انتهاء،
وأن اقتسام الفصول دليلٌ علي موتة اللحظة الفاصلة
علمتني الحياة بأن اقتناص الفريسة سهلٌ، غير أن انتقام الفريسة - يا صاحبي - ضربةٌ قاتلة !
أنت يسكنك الشعر والشاعر الآن قد علقته القصائد من مقلتيه بمشنقة الحاكم العادلة !
أنت تجهل معني الشروح فقد تثمر الأرض حين يجف الكلام،
فكم خبّأَ الشعرُ في راحتيها السطور التي قد غدت أحرفاً قاتلة !
كان قلبي هنالك قد سابقته القصيدة ثم انثنت قربهُ ثاكلة !!
علمتني الحياة: أنني ما تعلمتُ شيئا ؛ وأن حياتي قصة آتية !!


المكان:
رجــع:

هل كنتُ جنينا أو أني حين تخلقتُ تشكلتُ فكنتُ الشعر، وكان الشعر مراياي ومملكتي، لكن الحرف تجرد من معناه، فكان المعني من غير حروف، والحرف يلاطم موج الحرف فيسألني عن شاطئ تلك الكلمات ؟ فاسأله عن معناه ؟ يفكر، لكن الحرف يرى ما كان وما لم...وأنا مازال الموج يسامرني في الأرض، وفي خارطةٍ قد كُتبت بظلال الشيء، وكانت دائرةً في ملكوت الحرف، فآخذُ وجعي، أتكئ علي ظلي المتقطع والمسجى، فيقاوم ثِقَلي، لكني أتجول في النجم وأرسمه شعرا ونوارس قِدَدَا، وشياطين توالت في شكل ملاكٍ قد عصي فأُسقط من طور التكوين ؛ ولكن الشيطان تلقى من آمِره أن يبقى، أن يتزاوج "مَن تلك الأنثى" ؟ ليخلّفَ أبناءَ المردة إذْ يرقون السحر علي آنيةٍ ثكلى، ويُجاء بإبليس ليسجد في الأخرى، ماأحرى آدم لو شكر الرب وأعفي إبليس وعنه عفا...لكن القدر تقدر والأسباب "!!" غاية "

تفسير:

ذاك جواد الموت يحملق فيَّ ويرتعد
نتراقص
يمتقع الوجه ويخطو
يتأبطني
نتسامر حينا، نتبارز، نقتتلُ
فيقص حكايته
أتركه...
يتأملني
تتلاقى عينانا، نبتسم !!


رجع:
أين نكون ؟ وقد جمُعت طبقات الأرض براحة "كُن" أما فِعل "يكون" فكان وجوداً، نتداخل، نتمزق إربا، تتزاحف أحلام الموتى، تتدحرج، تتساقط، تتوالد وتكوِّن ظلاً، فيكون صراطاً يتعثر فيه الحلم، وينجو المشتاق لأن المشتاق مريدٌ، والجمجمة امتلأت مددا، آخذُ مددي، أفتله فيصير مدى، ويصير العالم محضَ سدي، نتناشد في الخلوة، نتجاذب جذبتنا العليا، نتآنس ناراً في البيد، لعلي آتيكم منها "أو أجد علي النار هدى " لكني أرجع من بعد غياب دون النار ودون الذات، فلا أجد الآن سواي يحلق في الملكوت، أحملق في "الذات" وما أحصي ذاتي عددا، فمتى ألقاه لأني أتسربل من شوق وعتاب، وأنا منذ وجودي ألزم ذاك الباب" "غاية"

تفسير
سيجيء زمانٌ ويقال:
- "إن قصيدته قد جاءتْ ما اكتملتْ "
-ذاك لأني حين ترجَّلْتْ
أبصرت أمامي الموتْ
ففتحتُ ذراعيَّ أعانقُه..فارتدَّ سريعاً..
وخطوتْ
حفرَ الموتُ الحفرةَ..
...فكبوتْ!!

[email protected]