ماذا تكمن وراء تلك الطاقة الابداعية للشاعر اتراه حدوده الفكرية الانهائية للابحار في عالم الخيال الممزوج بالواقعية والانية وهموم اليوم واللحظة وتطلعات الغد؟
انا لا اعرف الرجل الشاعر حسين حبش* الا من خلال تلك الكلمات التي خطها قريحته الابداعية في كلمات شعرية وكلما اصدر كتابا اهداه لي ليس لمعرفة بيننا بل لتقدير يولية لي ولكتاباتي جعله يبحث ويفتش عن عنواني الى ان وجدني قبل اكثر من ثلاث اعوام فارسل لي باقة من الورد غرق فيه الشاعر حتى القاع لينهش اشلاء الكلمات ويعصرها جاعلا من رحيقها شعرا يترجم كل تلك الاحاسيس الانسانية الخالدة التي ما برحت تنخر شغاف افئدتنا وتسموا بارواحنا الى العلى متحورين متوحدين وشاقين شرنقتنا الحيوانية المتوحشة متحولين الى بشر. لنرى ما يقول:

كنا اثنين
اثنين فقط
عبرنا بوابة مدينتنا
القديمة...
احدنا كان " جمشيد "
والاخر فينا كان " مم "
احدنا كان يبحث عن
بيت،
ووطن،
وحديقة.
والاخر فينا كان يبحث عن
امراة،
وشفاه،
وقبل.
لكن المدينة
طاردتنا
طاردتنا المدينة
بعيدا... بعيدا
بسياط من
رصاص.

ان الوطن حاضر وبكل معانيه ولكنه عند الشاعر يتحول الى امل وكانه يقول لنا انتم لديكم اوطانكم اما انا فاحلم وفي الواقع انه بذلك يترجم هموم شعب من اقدم شعوب الشرق عاني في وطنه وعاش اسيرا بعد ان توالى الطغاة والغزات قادمين من كل حد وصوب ناشرين الرعب والخراب في الشرق وعبر التاريخ وهذا ما يجعل ل "وطن" حسين معنى مجازي يقترب من حلم وواقع غير مرئي كما هو عليه بالنسبة للاخرين. ما كان يجب ان يكون عليه احلامه السجينة؟ وتلك الاحلام الواقعية تاخذنا الى التسائل المحق عن كل تلك العذابات التي لا تفارق مخيلة الشاعر اينما وجد ويورق نومه ويضيف الى خيالاته طاقة ابداعية خلابة.
اترانا نظلم الشاعر حين نطلب منه ان يكون ارضيا مرتبطا بواقع الثرى. اتراه لا يرى هو ما نراه نحن؟ فهو ببصيرته يكاد ان يكون في عالم غير العالم الذي الذي نحن نعيش فيه والشاعر اي كان وباي لغة كتب قارئي الكريم يتنبا كالقديسين بكل ما نحن لا نتمكن حتى من تصوره. لذا نرى ان الشعر يكاد ان يكون شاملا زمانيا ومكانيا وكيفيا. فلك ان تقرء الشعر وانت جالس في مركبة فضائية متجه صوب الشمس، التي كان الشاعر الاممي "ناظم حكمة " يدعونا لاحتلالها، وتجد في خلاياك احاسيس انسانية جميلة و"حسين" حين يعبر عبر نهر افروس الى الصوب الاخر شعرا تراه يغازل الزمن ويخلد الكلمات:

اذا كنتم تحبون
الشمس
فلا تطفئوا قناديلكم،
اما اذا كنتم تحبون
القمر
فاخرجوا
مثنى..
مثنى..
متابطين بعضكم
البعض.

الشمس في الوجدان الكوردي حالة مستمرة وخالدة وترجع الى الزمن الغابر الى ايام الحثين وشمسهم والاشورين وشمش و حورية النار الازلية عند العقائد القديمة كرمز للخلود والتجدد تحمل في طياتها كنه مادة الخير والشر ويكون بمجموعها ظاهرة تعاقب النور والظلام والتحول المستمر كرمز لتجدد الحياة وتوالي الايام. هكذا كان يرى "حسين" الهوى الانساني بسيطا ومجردا من كل ما هو ارضي زائل وهو جالس القرفصاء في مدينة "حلب " قبل اكثر عقد من الزمان.
سلاما ايها الشعراء وخلودا لشعركم وسلاما.

حسين حبش شاعر كوردي من سوريا من مواليد 1970 في قرية "شيخ الحديد" التابعة لقضاء "عفرين" يكتب بالعربية و لا يزال يقيم في المانيا باكورة اعماله الشعرية كانت : غرق في الورد من اصدارات : ازمنة للنشر والتوزيع عمان الاردن، 2002 وديوانه الشعري الثاني يحمل عنوان : هاربون عبر نهر افروس و من منشورات: سنابل للنشر والتوزيع جمهورية مصر العربية 2004،.