القاهرة (رويترز) - أرجع كتاب صدر في مصر في الاونة الاخيرة دخول المطبعة إلى العالم العربي لسببين ديني وعسكري ليلحق العرب بتركيا التي عرفت الطباعة قبلهم بقرون وأن حرمت استخدام الطباعة على غير اليهود. وأشار الكتاب الذي أصدرته مكتبة الاسكندرية إلى أن تركيا سبقت دول المشرق إلى معرفة الطباعة ولكن سلاطين آل عثمان تصدوا لها في البداية خوفا من وقوع تحريف في الكتب الدينية وتفاديا لردود فعل العلماء المحافظين وكان اليهود المقيمون بالاستانة "أول من أدخل فن الطباعة الى تلك المدينة." وأضاف أنه في نهاية القرن الخامس عشر قدم إلى الاستانة أحد علماء اليهود ويدعى اسحق جرسون "وأحضر معه مطبعة وحروفا عبرية لينشر بها كتب الديانة اليهودية المخطوطة التي كان يصعب الحصول عليها لقلة الناسخين اليهود وارتفاع أسعار المخطوطات."
وقال إن السلطان "بايزيد الثاني خشي أن يستفيد رعاياه من الاختراع الجديد فما كان منه إلا أن أصدر في سنة 1485 أمرا يحرم على غير اليهود استخدام فن الطباعة. وكان لتلك المطبعة التي أحضرها جرسون أطيب الاثر في نشر الاداب العبرية وترقيتها... كبار رجال الطائفة اليهودية كان لهم نفوذ كبير عند أصحاب السلطان."
ويقع الكتاب في 185 صفحة من القطع الكبير ويضم فصولا عن اصدارات مطبعة بولاق وقواعد النشر الخاصة بها ونشأة الصحافة المصرية وتطور فنون الطباعة بمصر في القرن التاسع عشر اضافة إلى فجر الطباعة في أوروبا والشرق الاقصى والمشرق العربي.
كما يضم الكتاب صورا للوحة التذكارية التي علقت على باب مطبعة بولاق وتاريخ انشائها عام 1235 هجرية (1820 ميلادية) وغلاف بعض اصداراتها ومنها قاموس ايطالي عربي يعود الى عام 1822 وبعض الات التنضيد والصف وقوالب الطباعة الحجرية اضافة إلى صور لولاة مصر محمد علي وابراهيم باشا وعباس حلمي ومحمد سعيد والخديو اسماعيل. وقال الباحثان خالد عزب وأحمد منصور اللذان أعدا الكتاب ان نشأة المطبعة في لبنان ارتبطت "بالنزاع الديني الذي كان سائدا بين الكنيسة الغربية والكنيسة الشرقية حيث سعت الكنيسة الكاثوليكية الغربية منذ الثلث الاخير من القرن السادس عشر في ضم الكنيسة الشرقية إليها." وأشارا إلى أنه ابتداء من عام 1580 بدأت المطابع تنتشر في لبنان وفي مقدمتها مطبعة الراهبين اليسوعيين التي جهزت بالحروف العربية والسريانية "وتم طبع النص العربي من كتاب التعليم المسيحي في سنة 1580.
"وتعتبر المطبعة الامريكية ثاني المطابع التي أنشئت بمدينة بيروت ورابع مطبعة عرفتها لبنان (حيث) قرر المبشرون الامريكيون نقل مطبعتهم من مالطا إلى بيروت في سنة 1834. اهتم هؤلاء المبشرون بترجمة نشرات التبشير المكتوبة باللغة الانجليزية. وتبعتها نشرات باللغات الايطالية والارمينية والتركية وأرسلت نسخ منها إلى مصر وسوريا واليونان."
وجاء في الكتاب أن الطباعة دخلت سوريا على أيدي رجال الدين وكانت حلب "أول مدينة سورية عرفت فن الطباعة." وفي مصر ظهرت الطباعة مع دخول الحملة الفرنسية (1798 - 1801) حيث كان نابليون بونابرت "يؤمن بقوة المطبعة...لم يكن وجود المطبعة على نفس سفينة القائد العام (للحملة) أمرا وليد الصدفة. أمر بأن تعمل وهي في البحر لتطبع النداء الموجه الى شعب مصر."
وأشار الكتاب الى أن بونابرت ابتداء من يناير كانون الثاني 1799 شدد "الرقابة الصارمة على المطبعة بحيث لا تصدر عنها مطبوعات بغير علم القيادة العامة أو تذيع ما من شأنه أن يمس النظام أو يسيء إلى الرأي العام الفرنسي أو المصري...وكانت المطبعة دائما ملازمة لمعسكرات الجيش." وقال ان محمد علي الذي حكم مصر بين عامي 1805 و1848 فكر في ادخال الطباعة منذ عام 1815 "حينما بدأ يفكر في انشاء جيش نظامي يحكم به سلطته على البلاد إذ كان لابد لهذا الجيش من كتب يتعلم فيها أصول الحرب وأنواع الاسلحة المختلفة فما كان من محمد علي إلا أن أصدر أوامره بانشاء مطبعة بولاق في عام 1820 لطباعة ما يلزم من كتب قوانين وتعليمات.
"تاريخ المطبعة ارتبط منذ بدايته بتاريخ الجيش المصري...لم تنشأ مطبعة بولاق مستقلة بذاتها وانما كانت جزءا من مشروع كبير كان يرمي إلى خلق مدنية مصرية جديدة تقوم على القوة والسيادة والعلم الحديث."
وقال عزب ومنصور ان مطبعة بولاق ليست مجرد الات للطباعة بل أنها "رمز حي على مرحلة فاصلة في تاريخ مصر وشاهد صدق على ذلك التحول الكبير الذي بدأت معه مصر مرحلة جديدة نحو النهوض. كانت السبب الرئيسي في ذلك التحول الكبير الذي حدث وخرجت مصر من عصور مظلمة إلى نور المعرفة والحرية والوعي وكان كل ذلك بسبب مطبعة بولاق التي قدمت للمصريين زادا كانوا في حاجة إليه. قدمت اليهم المعرفة الواسعة في وعاء جديد عليهم وهو الكتاب المطبوع." وأضافا في تمهيد الكتاب أن المطبعة أيقظت العقل المصري وأصبحت "مثل عصا سحرية أدت الى خلق طبقات اجتماعية جديدة. أصبح العلم بفضلها مشاعا. وأهم دور قامت به أن ألغت الاحتكار الفكري."
وقال مدير مكتبة الاسكندرية اسماعيل سراج الدين في مقدمة الكتاب إن الوعي العام لدى المصريين اختلف ونما في النصف الثاني من القرن التاسع عشر مع ظهور الصحافة كاحدى ثمرات المطابع الخاصة التي يعود الفضل في وجودها إلى مطبعة بولاق التي "نشأت أول الامر لخدمة المشروع الحربي لمحمد علي".
وأشار إلى حدوث ما اعتبره طفرة في تاريخ مصر العلمي والمعرفية مع انشاء مطبعة بولاق التي أعادت إلى الاذهان دور ورق البردي الذي سجلت عليه الذاكرة العلمية والتاريخية والدينية.
وكان البردي الذي يعد من أقدم أنواع الورق يصنع في مصر الفرعونية من لبابة نبات المستنقعات في أحراش الدلتا واشتهر آنذاك بفضل مهارة المصريين في صنعه.
وأضاف سراج الدين أن اختراع الورق سهل تداول المعارف نظرا لرخص سعره عن البردي ثم جاءت الطباعة لتخرج المعارف والافكار من النطاق المحدود إلى عالم أكثر اتساعا "فالاف النسخ التي طبعت من الكتب بعد التوصل إلى الطباعة حولت العلم إلى شيء مختلف يدخل البيوت ويؤثر في كافة مناحي الحياة اليومية للانسان."