وظلم ذوي القربى..

احتج الأدباء والكتاب العراقيين على القرار القاضي بتجميد عضوية اتحادهم على الساحة العربية، ولقد جاء البيان شديد اللهجة، ولم يترك لمن يوصفون بـ/الأدباء العرب/ فسحة للتحرك، ولقد ذهب العراقيون بعيدا في نزال المشرفين على المكتب الدائم لاتحاد الكتبة العرب حين أعلنوها صريحة بأن هناك /أطرافا/ تعمل على تهميش العراق، وتراهن على إبعاده من الساحة العربية، لاسباب سياسية محض، لا علاقة لها بالظروف الاستثنائية التي جعلت تجميد عضوية الاتحاد العراقي أمرا موضوعيا..
بيان الاتحاد العراقي اختار طرح /مشكلته/ بطريقة هادئة للغاية، ولكن القارئ يسمع بين سطورها كثيرا من الصرخات التي تنطلق من القلوب العراقية وقد آذاها الزمن بالاحتلال والإرهاب، ولم يكفّ فابتلاها بـ/النكران/ العربي الذي اجتمع عليه المكتب الدائم بسرت الليبية، وزكاه بمواصلة تجميد العمل العراقي..
ولأننا نريد أن نأخذ الأمر مأخذ الجدّ، ينبغي أن نشير في البداية إلى أن الاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب ليس غير هيكل خال من الروح، وهو لا يؤثر ولا يتأثر، لذلك نرى أن الإخوان في العراق لم يخسروا شيئا ذا بال بتجميد عضويتهم، فالاتحاد العربي عديم الفاعلية، لا تكاد تجد له وجودا في الشارع العربي، ولقد أصيب بالنكسات المتراكمة حتى انتكس بمؤتمر الجزائر الأخير الذي اخترع منصب الرئيس إرضاء للاتحاد المضيف، وخداعا لمضمون الديمقراطية التي أرغمت على التكيف مع واقع الحال كي تحتفظ بـ "علي عقلة عرسان" أمينا عاما، ولا نستبعد أن تتوصل /ديمقراطية الكتاب العرب/ إلى اختراع وسيلة تجعل من عرسان الأمين العام الأوحد في الدنيا والآخرة..
هذا ما نعرف عن اتحاد الكتاب العرب، قدمناه حتى يطمئن الكتبة في العراق إلى أنهم لم يضيعوا شيئا كبيرا بتجميد عضويتهم، ولكن ينبغي أن ننظر في الأمر كما هو واقعه لا كما نتصور له أن يكون، لذلك وددنا أن نعبر عن استغرابنا من موقف المجتمعين بـ/سرت/ الذين يظنون أنهم يمتلكون مفاتيح الأرض ليقرروا وحدهم أن يمنعوا الاتحاد الفلاني عن النشاط، ويجمدوا الاتحاد العلاني عن العضوية، فالسائد هو أن الناس المحترمين يتخذون القرارات الفردية فيما هو فردي، أما ما هو عضوية اتحاد كامل يعبر عن شعب عربي أكبر من الشعوب جميعا تاريخا وحضارة، فكان ينبغي أن يطرح على جمعية عامة على الأقل، وتستشار فيه الاتحادات الأعضاء بأضعف الإيمان، لأن المفترض هو أن اتحاد الكتبة العرب يتعامل مع أدباء ومثقفين وأساتذة جامعات يمكن اللجوء إليهم وقت الحاجة، والاستعانة بهم والتدرع بآرائهم أو التذرع بأسبابهم، أما أن يجتمع نفر ممن لم ينتخبهم أحد، ولم يعرفهم أحد، ولم يتصل بهم أحد ليفصلوا في أمر أكبر من قدراتهم وذكائهم الخارق، فاسمحوا لنا أن نقول بأن الثقافة لا يمكنها أن تجد لنفسها مساكن في مثل رؤوس هؤلاء..
والحق أن الإخوان في العراق الأشم وعلى رأسهم الأستاذ فاضل ثامر لم يتركوا للأدباء العرب ما يتذرعون به، وقدموا تواريخ الانتخابات التي أجروها بحضور القاضي الشرعي، ورفعوا محاضرها لمسؤولي الاتحاد العربي، واتصلوا، وكثفوا اتصالاتهم، وأرسلوا بالمذكرات للأعضاء جميعا، وسلموا مذكرة بالأمر إلى عز الدين ميهوبي يدا بيد، بصفته رئيسا للاتحاد العربي، وكان الإخوان العراقيون يتلقون المواعيد الخلاب في كل مرّة دون أن يتحقق لهم ما يريدون، ليأتي اجتماع /سرت/ ويمسح الجهود العراقية كلها بجرّة قلم لا نظن أنها دون خلفيات سياسية كما يرى العراقيون، ولكننا نعتقد أن الخلفيات السياسية التي يشير إليها الاتحاد العراقي ليست بالحجم الذي يتصوره، لأننا يجب أن نضع في اعتبارنا في هذا المقام أننا لا نتعامل مع مثقفين عاديين، وإنما هم مثقفون من نوعية خاصة لم يسبق للتاريخ أن عرف أرذل منها، وسنعطي بيانا لما نقول..
لعل الأدباء والكتاب لاحظوا أن الإخوة في العراق ركزوا في دفاعهم عن حقهم في تفعيل عضوية اتحادهم بالحديث عن الانتخابات الشفافة التي أقاموها، وركزوا على سلوكهم الديمقراطي الذي انتهجوه فلم يصيبوا بالإقصاء أحدا، ولم يحاسبوا أيّ عضو لموقف سياسي وقفه مع هذا أو ذاك، ولم يفرق العراقيون بين متحزب وحرّ أو متأدلج ومتدين وملتح وأمرد، ولكنهم برهنوا أنهم جعلوا هاجسهم الوحيد تحقيق الحرية وتوطيد الديمقراطية، ورفعوا كل هذه الفضائل في مذكرات لمسؤولي الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، لتحصل المفاجأة في الأخير، ويتم إقرار مواصلة /التجميد/ فيأتي البيان العراقي، ويفيض بما في القلوب الجريحة من الظلم العربي، ولعل قارءنا الكريم يلاحظ هنا بأن الكتاب في العراق، والكتاب في المكتب الدائم للاتحاد /العروبي/ لا يعزفون على نفس الوتر، فما يراه العراقيون فضيلة يدافعون بها عن عضوية اتحادهم، إنما هو الممنوع والحرام في عرف القائمين على المكتب الدائم، وواضح أن اتحاد عز الدين ميهوبي لن يسمح للعراقيين بالمرور لأنهم ـ بالنسبة لبقية الأعراب ـ يمثلون النموذج السيء الذي يجب أن يزاح من طريق /ديمقراطية الخلاب/، لأنه يفسد عليها الجوّ العام، ولنا أن نتصور إن أصبح العراق فاعلا في المشهد الثقافي العربي، وما سيحدث حين يدعو العراقيون إلى انتخابات نزيهة ربما لا تسمح لعرسان بالعودة إلى موقعه، ولا تسمح لميهوبي أن يبقى ـ مثل ملكة بريطانيا ـ على عرش الكتاب، وهو لا يهش ولا ينشّ..
إننا نعتقد أن حق العراق في تفعيل المشهد الثقافي العربي لا يمكن أن يجمده أحد، والعراق الأشم قادر بأبنائه البررة على أن يكون المنارة الزاهرة للثقافة، فهو أصل الحضارة وهو موطنها، ولا يمكن أن تنال منه ألاعيب أولئك الذين يرفعون لافتات الثقافة، وما زال في قلوبهم بقية شوق إلى موائد صدام حسين العامرة، فيضطرهم الشوق إلى التعلق بأمل خافت تعود إليهم فيه أيام كانوا يتقوتون فيها بـ/الدم العراقي/ على موائد السلطة البائدة، ولعل تجميد عضوية اتحاد العراق ليس أكثر من ربح للوقت يظن بعضهم أن أملهم يتحقق فيه.. ولعل يكون للحديث بقية..

الجزائر