سلوى اللوباني من القاهرة: من الصفحة الاولى للمجموعة الشعرية الثالثة للشاعر quot;محمد أبو زيدquot; تعلم بأن الحزن بانتظارك بين أبيات قصائده، فقد بدأ مجموعته الجديدة باللغة الفصحى quot;قوم جلوس حولهم ماءquot; الصادرة عن دار شرقيات بهذه الابيات ...حزين لأني لا أُبرئ الاكمه والابرص..ولا أحيي الموتى..لا أخبئ الديناصورات في حقيبتي من العواصف..ليس لي جيوب أربي فيها المطر ولا عيون أعيرها للعمي..ولا مقاعد فارغة أهديها للعاشقين..ليس لي حبيبة..ولا أصدقاء..ولا قصائد راقصة..محمد أبو زيد من الشعراء الشباب يعمل صحافياً في جريدة الشرق الاوسط، صدر له مجموعتين شعريتين quot;ثقب في الهواء بطول قامتيquot; وquot;نعناعة مريمquot;، أبو زيد يكتب قصيدة النثر التي يرفض البعض اعتبارها شعراً على حد تعبيره، والجدير بالذكر أنه كتب الشعر بأنواعه حيث بدأ صغيراً بكتابة القصيدة العمودية، ثم كتب القصيدة التفعيلية، ثم قصيدة النثر، وبالرغم من ذلك هو مبهور بشاعر العامية المصري quot;فؤاد حدادquot; وبشكل خاص بالشاعر السوري الراحل quot;محمد الماغوطquot; واللبناني quot;وديع سعادةquot;، والفلسطيني quot;محمود درويشquot; وغيرهم.

الحزن حالة جيل بأكمله:
وما يلفت النظر في ديوانه الجديد أنه يحمل كماً من الحزن والاستسلام...فهو لا يرى ما يبهج في الحياة...ويقول الحزن هو حالة جيل بأكمله، تتوالى عليه الهزائم النفسية، جيل بلاعمل، بلا مستقبل، بلا تحقق حقيقي، بلا حبيبة، بلا أصدقاء، جيل يهاجر لأنه أصبح بلا وطن، جيل يكتب في الوقت الذي انفض فيه الناس عن القراءة، جيل يكتب وكأنه يلهو، لأنه يدرك جيداً أن أحداً لن يقرأه!! فالقارئ لم يعد يفهمه.. ولا يرغب حتى في ذلك، وربما نجحت الأجيال السابقة في أن تفضه تماماً عن القراءة!! يعتبر أبو زيد أن جيل الشباب.. جيل مهزوم نفسياً، هزيمة أقسى من هزيمة جيل 67، ويوضح أن الحزن الذي في الديوان لا يتعامل معه كعدو، بل كصديق يستسلم له، فلم يعد يخافه، بل يلاعبه، ويضحك معه، ويجلس معه على المقهى، ويحتسي معه القهوة، يقول...الحزن أصبح تفصيلة عادية تماماً في حياتي، وفي قصائدي، أفكر كيف أتعامل معه، ما الذي يرضيه، ما الذي لا يجعله لايغضب مني، لا كيف أتخلص منه، لقد ألفته لدرجة أنني صرت أخاف انفضاضه عني!

ينادونني في الشارع يا ميت:
الديوان مقسم الى 4 أجزاء الاول quot;كأننا والماء من حولناquot; والثاني quot;كم جناحاً لك يا ميرفتquot; quot;جثث قديمةquot; والرابع quot;سوف أهذيquot; كتب من خلالهم أبياته الشعرية عن المدينة وظلمها وحنينه للقرية وصورة العائلة وشجنه للحبيبة..وانكساره وحزنه على قيم الماضي والحاضر... وبدا ذلك في قصيدته quot;ينادونني في الشارع يا ميتquot;...سوف نكبر..ونصبح مثل الذين نأسى لهم الان...سنخاف على أولادنا.. وسيكرهون ذلك.. لن يقوم لنا أحد في الباص.. لن يساعدنا أحد في صعود السلم.. ولن يدعو لنا أحد بطول العمر.. ستختفي العصي.. ونسقط من دونها.. ستضحك المراهقات بعنف من صلعاتنا.. ويدفعنا الشباب لكي نكح.. حين يمر كعب عال، وعن هذه القصيدة يقول أبو زيد... كتبتها حين أكملت عامي الرابع والعشرين، قد لا يكون هذا حدثاً مفصلياً في العالم، لكنه كذلك بالنسبة لي، وجدتني فجأة في لحظة منفصلة عن العالم، استعدتني صغيراً، وبعد فترة من الزمن، لأكتشف أن العالم يزداد سوءاً، لذلك النص تتبادل مقاطعه الحديث بين صوتين، صوت يتحدث عن المستقبل، وصوت عن الماضي، لأكتشف في النهاية أنني ميت، وأن أربعة وعشرين عاماً أكثر مما يجب.

قوم جلوس حولهم ماء:
يرثي أبو زيد كل ما حوله في قصائده..ذاته طاغية على شعريته..ذات يائسة..هاربة من واقعها المؤلم، ففي قصيدة فستان حمل لسيدة شبه متزوجة يقول... لماذا أصبحنا قساة الى هذه الدرجة، لا نضحك لاشارات المرور..ننهر الفئران في أطباق الطعام..نركب المترو بلا رحمة..-وفي أبيات اخرى-.. كلما اكتسبت صديقاً...أجد دمي يلطخ الحائط..ويعرف أن البحر بلا قوارب نجاة..لم نعد بشراً بما يكفي.. سنصطدم في زحفنا بالدمامل والقيح.. سنأكل جثث الذين مازحونا..حتى التي غادرها زوجها..ستبدي كراهية مبيتة لفيروز..ستضحك من أظفارها حين يعود الورثة الى الشقة، وهذا الواقع الذي يرثيه الشاعر أبو زيد هو الواقع الذي يعيشه، وهو يستحق الرثاء والشفقة معاً على حد تعبيره، يقول.. الواقع أصبحت الكتابة فيه أختاً للعنقاء والرخ، فكيف تكتب!! ولمن تكتب!! ولماذا تكتب!! أسئلة موجعة بحق، الأصح قاتلة، الكتابة في هذا الواقع أصبحت بالنسبة لي بديلاً عن فعل الموت، حينما أصل إلى حافة اليأس الإحباط، أكتب قصيدة، هرباً بها، الكتابة إذن مهرب مناسب لذوات يائسة، كتابة قصيدة جديدة أيضاً أصبح معناها هزيمة جديدة، أما قصيدته quot;قوم جلوس حولهم ماءquot; يوضح بان القوم هم الذين يجلسون ينظرون في ذهول حولهم لا يعرفون ماذا بإمكانهم أن يفعلوا، هم الذين صمتوا حتى حاصرتهم المياه، وتكاد أن تغرقهم وهم لا يستطيعون أن يفعلوا شيئا، هم نحن، هم أيضاً الذين يجلسون يتأملون مصيرهم بهدوء وجنون غريب، لذلك تجده يرثي ذاته، يرثي الاصدقاء والحياة والاطفال، ويقول...أرثي حكايات لم أستطع كتابتها، قصص حب لم أعشها، أحلاماً أجهضت، قصائد لم تكتمل، أرثي مجتمعاً بالكامل يسقط، يسقط باستمرار، يسقط بإصرار غريب، كل ملامحه تضيع، أرثي عبد الناصر وعصره، الحلم الذي لم يكد يتبلور حتى فاجأته النكسة، ثم عصر الانفتاح، ثم الخصخصة، أرثي حلم وحدة عربية فشلت في أعوامها الأولى.

[email protected]