بيروت من جورج جحا (رويترز): قارىء رواية quot;الوخزquot; للكاتب العماني حسين العبري يجد نفسه مع بطل الرواية الطيب المستضعف الذي لا يعرف لم هو متهم ولا ما هي تهمته.. وسط عالم فيه الكثير من اجواء فرانز كافكا ويوسف الشاروني ورشيد الضعيف. ففي الرواية التي تجري احداثها او معظمها في مسقط اجواء من كافكا في quot;المحاكمةquot;. والمحاكمة كان لها تاثير كبير في quot;مطاردة منتصف الليلquot; للشاروني وتشابهت بعض اجوائها من حيث الشكل على الاقل مع بعض اجواء quot;ناحية البراءةquot; للكاتب اللبناني رشيد الضعيف. البطل مستهدف quot;مطاردquot; بشكل من الاشكال. واذا كان quot;الاصلquot; اي بطل كافكا بريئا ولا يعرف سببا quot;مباشراquot; لاستهدافه وعلى غرار ذلك نسج الشاروني.. فبطل الضعيف مختلف نتيجة اختلاف رؤية الكاتب.. فهو يتحول من بعض النواحي الى quot;شريكquot; لمضطهديه والى شخص يرى الامور من خلال منظار يعتقد انه يوفر له مهربا وخلاصا من وضع لا طاقة له على مواجهته فيختلق واقعا خاصا به غير الواقع الفعلي. وعلى وفرة العناصر الكافكاوية في رواية العبري فقد يشعر القارىء بتأثر الكاتب بتقنية الضعيف وفي بعض المجالات التفصيلية برؤيته بل بلغته الروائية من حيث تبريراته للذين يحققون معه وخلق او توهم جو من التعاطف معهم.
في رواية العبري سمات محلية ترتبط باحداث محلية ايضا فالرواية لا تبقى معلقة في الهواء فلا نعرف لها مكانا او بيئة معينة.. لكنها بنت احداث واوضاع فعلية بنى عليها الكاتب او على ما يشبهها. وقد جاءت رواية العبري في 226 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن دار quot;الانتشار العربيquot; في بيروت.

تبدأ الرواية على الصورة التالية quot;اكان صوت شرطي ام رجل امن.. لا ادري الا انه كان صوتا واضحا وغليظا.. quot;انتظرك اليوم في العاشرةquot;.quot; ويصف البطل الالم الذي يشعر به في اذنه اليمنى ليشمل اسنانه وكيف يعالجه بالمضاد الحيوي. يقول انه كان يوم سبت مضجرا. ويصف وصوله الى quot;المكانquot; والى ذلك الشعور بالغربة في اماكن مثله فيقول quot;وعلى بوابة المركز اوقفني شرطيان وظلا يتفحصان اوراقي الثبوتية... ثم انني واجهت رجل استقبال بدشداشة بيضاء فضفاضة واخبرته انهم اتصلوا بي وانني لا اعرف اذا كان هذا هو المكان المقصود ... ثم انه قادني من يدي وخرجنا من المبنى واتجهنا الى مبنى ببوابتين دائريتين وزجاج معتم.. وأسلمني هذا الرجل الضخم الى اخر يقف وحيدا على طاولة استقبال خشبية لامعة. كان كل شيء يبدو في محله ماعدا هذا الرجل الذي كان يشكل شيئا زائدا في هذا المبنى المعتنى به والمصقول بحذر. كان يبدو مستقيما ونزيها حتى انك لا تستطيع ان تخمن ما يمكن ان يدور في ذهنه. وانتابني انذاك احساس بالغرابة ما لبث ان حل محله احساس بالحيرة.. اذ ما الذي يمكن ان يكون عليه سلوك الواحد في مثل هذا المكان..quot;

وquot;تأخرواquot; عن الموعد الذي اعطوه له فشعر بانهم يسعون الى التلاعب بنفسيته. يقول ان الانسان في مثل هذا الحال يحتاج quot;الى شاهد كي يحكيquot;. نجد البطل هنا وقد خلق شاهدا خياليا هو عمليا جمهوره المفترض لكنه جمهور لا يعكس ما يراه افراده فعلا بل يعكس نظرة المتهم الى نفسه اي الصورة التي يحب غالبا ان تكون له. يقول الشاهد الوهمي مثلا quot;لقد كان واثق القلب لم تخالجه ادنى رعشة. لقد حاولت عبثا ان اختلس النظر الى لمحة الخوف في وجهه. الى تعثر رجل... الى اصبع قلقة... كان ينعم بسلام الهي وهو ذاهب للتحقيق رغم ان المرض كان ينحته من الداخل.quot;

وجاء رجل الاستقبال بعد نصف ساعة وقاده الى غرفة اخرى وتركه وحيدا. ويصف لنا الاحداث في جو يختلط فيه الواقع بالحلم وبسمات من كابوس خفيف نسبيا كما تختلط الافكار والمثاليات الوطنية والانسانية بنقائضها. يقول quot;واكتشفت انذاك انني اجيد الصبر... واندلق في تصنع القوة... ها هم ويدخل رجل ويتلوه اخر وثالث... احدهم كمن يؤدي عملا فنيا فقد تاكد من الاضاءة ونظر الي بحدة. كان وجهه الابيض المتغضن يدل على رجل اشيب عرف كيف يعتني بنفسه وان عينيه تشهران حدة قاسية... اما الاخران فقد مضيا في طريقهما مباشرة وبحركات تكاد تكون مدروسة الى كرسييهما وجلسا بعد ان سلما علي بحرارة... ووجدتني اتبادل السلام والاخبار معهما. ان هذا ينغص فهو يجعل الفاصل بيننا غير دقيق ابدا فهم ليسوا هم ولست انا انا فهم زملاء اذن .. فاننا ابناء وطن واحد.quot;

يستغربون بابتسامات خبيثة قوله انه لا يعرف سبب المجيء به quot;الى هناquot; يقولون له بلسان احدهم quot;انت هنا بسبب التنظيم السري الذي كنت جزءا منه. نحن نعرف كل شيء عن هذا واننا هنا فقط لنقول لك اننا نعرف وان الامور واضحة لدينا لكننا مع هذا نحب ان نسمع منك ونريد اعترافك بهذا.quot; ومع انه لا علاقة له بالامر وان معرفته ببعض هؤلاء تعود الى نحو اربع عشرة سنة اي الى عهد الدراسة فقد استدرج الى التوقيع على اعتراف منه انه كان متدينا ولم يعد الدين يعني له شيئا لاحقا فادخل ذلك في سجله بما يمكن به ان يتهم في اي وقت لاحق بتهمتين متناقضتين.. التدين بتطرف والكفر.

وقد استدرج ايضا الى توريط اصدقاء ابرياء مثله. واكتشف بعد ذلك ان الذين كانوا موقوفين قد اطلق سراحهم وبقي quot;اعترافهquot; واعترافات اخرين سجلات quot;احتياطيةquot; للمستقبل. وفي فترة لاحقة وعلى رغم تاكيدهم له ان المسألة شكلية وان الامور انتهت فقد استدعي مع اخرين على اساس الاعتراف الذي يذكرنا بعنوان مسرحية عادل امام quot;شاهد ماشفش حاجة.quot; وتستمر الايام وفقا لما دونه عن يوم واحد منها اذ قال quot;الثلاثاء. وانه يوم اخر يتسرب في الدروب المؤدية الى الغصة التي للاجدوى.quot;
يقول شاهده المفترض الذي درج في الفترة الاخيرة على الاشارة اليه على انه ميت مع ان الرواية لم تقل ذلك فعلا quot;لقد كان رحمه الله شاهدا رائعا ووثق الاحداث بتحيز موضوعي وبرهافة حس وبكلمات لا تخلو الا من القبح الذي للحقيقة.quot;