quot;قليلُكِ ... لا كثيرهُنّquot;

الشاعر يحيى السماوي في ترحال مستمرّ، في عالم الشعر، فكلّما ظنّ أنّه بلغ نهاية المطاف، فإذا به يجد نفسه كأنّما عليه أن يستمرّ بعد، ولا غرابة، فلا نهاية للقول ولا نهاية للبحث ولا نهاية حتى للنهاية ذاتها، فمن quot;عيناكِ دنياquot; فـ quot;قصائد في زمن السبي والبكاءquot; فـ quot;قلبي على وطنيquot; فـ quot;جرح باتّساع الوطنquot; حتى quot;الإختيارquot; فـ quot;عيناك لي وطن ومنفىquot; فـ quot;رباعيّاتquot; فـ quot;هذه خيمتي فأين الوطنquot; فـ quot;أطبقتُ أجفاني عليكquot; حتى quot;الأفق نافذتيquot; فـ quot;نقوش على جذع نخلةquot; فـ quot;زنابق بريّةquot; حتى الأخير quot;قليلكِ لي ... لا كثيرهنّquot;، ولا أخير.والديوان الجديد للشاعر السماوي يقع في 126 صفحة من القطع الوسط، والغلاف بريشة الفنّان طه الصبّان، والتنضيد لشهيد بركات، والإخراج لسليم فيلي، والبدء هو quot;بسم الله الرحمن الرحيمquot; كأنّما طلباً للبركة أو كأنّما رسالة عساها تصل فيما هي سبَقَ ووصلتْ.
ويلاحظ القارئ للديوان الجديد أن الشاعر السماوي كلّما ينكسر في دنيا كلّها أوهام، لا تظهر إلاّ لتختفي، ولا تدنو إلاّ لتبتعد، ولا تُشرِق إلاّ ليكون غروب، والغناء للحبيبة هو هو الغناء للوطن الأمّ، ودائماً لا تقبض اليد إلاّ على ريح، ولا ترى العين إلاّ السراب، والأذن لا تسمع سوى الصمت، ذلك على رغم سموّ المشاعر ونقاء القلب، ولكن كيف للآمال أن تتحقّق والرمل هو السائد. وفيما الجرح متّسِع فالضمّادات هي بالصداقات، بالأديب الشيخ عبد العزيز التويجري quot;فتى التسعين ... لا أغراهُ جاهٌ \ ولا الحسبُ المضيء ... ولا اكتسابُ \ تنادمُهُ الفيافي حين يغفو \ وإذْ يصحو يسامرُهُ السحابُquot;، وبالأديب عبد المقصود خوجة الذي قال له قُبيل رحيل: quot;إليكَ عن الوهم ... ما الفائدهْ \ من الأمّةِ الواحدهْ \ لساناً ... \ وأمّا الخطى؟ \ فاختلافُ السبيلْquot;، وبالشاعر أحمد الصالح الذي كلّه quot;صبٌّ ولا كالآخرينَ: ضلوعُهُ \ نخلٌ ... وأمّا قلبُهُ فشعوبُquot;، وبالشاعرة والروائيّة الأستراليّة إيفا ساليز التي quot;سلّتْ على ليل الطواغيت \ حسامَ صُبحِها ...quot;. ومن الضمّادات أسلاف يحضرون عطراً في ثنايا القصائد، ومنهم quot;إبن عذرةquot; قيس بن الملوّح، والأحمدان: أحمد بن الحسين الجعفي الكوفي quot;المتنبّيquot; وأحمد بن عبدالله التنّوخي quot;أبو العلاءquot;، وعروة بن الورد، والعامريّ وبثينة، وquot;الضلّيلquot; امرؤ القيس. ومن الضمّادات مطارح في البال كـ quot;القصيمquot; وquot;المجمعةquot; وquot;بنْدَةquot;: quot;تمكّنتِ الصبابةُ من صبورٍ \ على ما ليس تحملهُ الجسومُ \ فأضحى يستغيثُ بطيفِ جفنٍ \ وقد مَطلتهُ فاتنةٌ ظلومُ \ رأى فيها quot;بندَةَquot; خلف سترٍ \ صباحاً تحتَ داجيةٍ يُقيمُ \ تبعثرَ جمعُهُ ... واحتارَ قلبٌ \ وغادرَ ثغرَهُ الصوتُ الرخيمُ \ ... \ فـ quot;بَنْدَةُquot; حين قابلها نعيمٌ \ وquot;بنْدَةُquot; حين فارقها جحيمُquot;.
وفي ترحاله كثيراً ما يتّكئ متعبَاً إلى جزالة اللغة والمفردات ذات الفضاءات البعيدة زمناً بالتحديد ومنها quot;هزارquot; وquot;صبابةquot; وquot;ترومquot; وquot;السلافةquot; وquot;الخميلةquot; وأخرى مثل quot;الهوادجquot; وquot;القوسquot; وquot;النبالquot; وquot;السيوفquot; مثلما يتّكئ إلى صور لم يعف رسمها مثل : quot;يحدثُ أن أسوقَ نحو بيتك \ النوقَ العصافير ... الغزلان ... \ والهوادجَ التي تئنُّ تحتها جمالي ...quot; أو quot; قلبي ـ وإنْ خذلتِهِ ـ لمّا يزلْ \ طفلاً بريء القوس والنبالquot; مثلما يسمو العشق عندما الحبيبة هي هند أو ليلى ويكون الوصال إذا الحبيبة هي quot;ماريّاquot;: quot;كنّا وحيدين بانتصاف الليلِ \ نلتحفُ الندى في الغابةِ الحجريّة الأشجارِquot;. غير أنّ الجهة هي دائماً جهة القلب.
هنا أجنحة من قصيدة بعنوان quot;يا صاحبيquot;:
... قد كان أقسمَ أن يموتَ على هوىً \ وإن استخفَّ بعشقِهِ المحبوبُ \ ضاقتْ به ـ قبل الديار ـ هواجسٌ \ وتقاذفتْهُ ملاجئٌ ودروبُ \ ما أنْ يُكحّلَ بالشروق جفونَه \ حتى يخيطَ المقلتين غروبُ \ يمشي به الوجعُ المذِلُّ ويرتعي \ دمَهُ اشتياقٌ أنْ يُطِلَّ حبيبُ \ تلهو بزورقهِ الرياحُ وتَستبي \ أيّامَهُ أنّى أقامَ خطوبُ \ quot;ليلاهquot; في حضن الغزاةِ سبيئة \ أما العشيرُ فسيفُهُ معضوبُ \ أجل ... البلادُ نجيبةٌ يا صاحبي \ والنخلُ والنهرُ الجريحُ نجيبُ \ لكنّ بعضَ quot;رؤوسناquot; يا صاحبي \ جُبِلَتْ على فسَدٍ فليسَ تثوبُ \ غرسوا بنا سلّ الشقاق فليلُنا \ متأبّدٌ ... وصباحنا معصوبُ \ بتْنا لفأس الطائفيّةِ محطباً \ فلكلّ حقلٍ quot;سادنٌquot; وquot;نقيبquot; \ عِلَلُ العراق كثيرةٌ ... وأضرّها \ أنّ الجهادَ quot;الذبحquot; وquot;التسليبُquot; \ وطنٌ ولكنْ للفجيعةِ ... ماؤه \ قيحٌ ... وأمّا خبزه فنحيبُ \ مسلولةٌ أنهارُهُ ... ومهيضةٌ \ أطيارُهُ ... ونخيلُهُ مصلوبُ \ quot;قومي همُو قتلوا أُميمَ أخيquot; ولا \ ذنبٌ سوى أنّ القتيلَ قريبُ \ أُكذوبةٌ تحريرنا يا صاحبي \ والشاهدان: الظلمُ والتعذيبُ \ أكذوبةٌ حريّة الإنسان في \ وطنٍ يسوسُ به الجميعَ quot;غريبُquot; \ مدنٌ تُبادُ بزعم أنّ quot;مُخرّباًquot; \ فيها ... وطبع quot;محرّريquot; التخريبُ \ وحشيّةٌ تندى لقسوةِ نابها \ خجَلاً ضباعُ قفارِه والذيبُ \ أكذوبةٌ أن يستحيل غزالةً \ ذئبٌ ... وحقلاً للأمان حروبُ \ مالي أبثّكَ يا نديمَ قريحتي \ شجَني وفيكَ من الهموم سُهوبُ \ هل نحن إلاّ أمّةٌ مغلوبةٌ \ رأتِ المشورةَ ما يقولُ مُريبُ؟ \ ما نفعُ توحيدِ اللسان لأمّةٍ \ إنْ لمْ توحِّدْ أذْرعٌ وقلوبُ؟ \ هي أمّةٌ أعداؤها منها ... متى \ طار الجناحُ وبعضُهُ معطوبُ؟ \ من أين يأتينا الأمانُ وquot;بعضناquot; \ لعدوِّنا والطامعينَ ربيبُ؟ \ ومدجّجٍ بالحقدِ ينخرُ قلبهُ \ ضَغَنٌ إذا قادَ الجموعَ لبيبُ \ حازَ العيوبَ جميعها فكأنّه \ مأوىً رأتْ فيه الكمالَ عيوبُ \ أعمى البصيرةِ فيه من خُيلائه \ مسٌّ ومن صدأ الظنون رسيبُ \ إنْ قامَ يخطبُ فهو quot;عنترةُquot; الفتي \ وquot;الحارسُ القوميّquot; وquot;الرعبوبُquot; \ أمّا إذا شهرَ الحسامَ عدوُهُ \ عندَ النِزالِ فإنّهُ quot;شيبوبُquot;! \ وهو quot;الأديبُ الفيلسوفُquot; وفكرُهُ \ فلسٌ بسوقِ حماقةٍ مضروبُ \ هل نحنُ إلاّ أمّةٌ مغلوبةٌ \ فإلى مَ يشكو العاشقُ المغلوبُ؟ \ لا بدّ من غرقِ السفين إذا انبرى \ لقيادها quot;المنبوذُquot; وquot;المجذوبُquot; \ يا quot;صالحاًquot; في الدنيين أرحمةٌ \ هذا الهوى؟ أم لعنةٌ وذنوبُ؟ \ أجفو نعيمَ المارقينَ وإنْ سعى \ لي منه صحنٌ بالقطافِ خضيبُ \ لو كنتُ خبّاً لاغترفتُ وإنّما \ كفّي ـ كقلبي ـ زاهدٌ وقشيبُ \ باقٍ على هذا الهوى ولو انّه \ سببٌ به عاشَ الشقاءَ تَروبُ \ ثلثا دمي ماءُ الفرات وثلثُهُ \ طينٌ بدمعِ المتعبينَ مذوبُ \ شكراً تقي العشقِ باسم صبابتي \ quot;والشكرُ موصولٌ بهِ quot;الترحيبُ.
[email protected]