أسامة العيسة من القدس: يقدم نذير رشيد، الذي شغل منصب مدير المخابرات الأردنية في فترة حرجة من تاريخ الأردن، وجهة نظره كشاهد على الحرب الأهلية بين فصائل المقاومة الفلسطينية والجيش الأردني فيما سميت أحداث أيلول الأسود عام 1970. وتجيء شهادة رشيد، النادرة بالنسبة لواحد من الطرف الذي كان يمثل السلطة في تلك الأحداث، خلال مذكراته التي صدرت عن دار الساقي بعنوان (حساب السرايا وحساب القرايا). وأهمية شهادة رشيد، بكونها تمثل الطرف الأردني الحاكم، الذي لم يقدم أي من أفراده شهادتهم على تلك الأحداث، ربما باستثناء ما كتبه الملك الأردني الراحل حسين بن طلال في مذكراته. ورغم أهمية شهادة رشيد، إلا أنها لا ترضي فضول المتابعين، فهو لا يقدم فيها وجهة نظرة نقدية للأحدث أو تقيما لتلك التجربة المؤلمة، وكذلك يختار بانتقائية أحداثا معينة ليسردها أو يعلق عليها، لإثبات وجهة نظر معينة، ولا يقلل ذلك من أهمية ما كتبه رشيد في كتابه الذي منع من التوزيع في الأردن، وفقا لبعض المصادر الصحافية.

غلاف الكتاب
وربما المثير في كتاب رشيد، هي تلك الأسرار الصغيرة، والمعلومات العابرة، التي يضمنها ثنايا كتابه، ويمكن أن تلقي ظلالا على بعض الأحداث. ومثل ذلك حديثه عن احمد داود الضابط في الجيش الأردني من اصل فلسطيني، الذي تم اختياره، لترؤس الحكومة العسكرية، التي تقرر أن تواجه فصائل المقاومة وتضع حدا للعمل الفدائي على الأراضي الأردنية.

ولا يتوسع رشيد كثيرا في الحديث عن داود (وهو من بلدة سلوان في القدس)، الذي ظل اختياره لغزا بالنسبة للبعض، ويؤكد انه تم اختياره، بعد أن اعتذر العديد من الضباط الأردنيين عن تولي تلك المسؤولية، وانه اختير بتنسيب من الشخصية الأردنية البارزة آنذاك وصفي التل. ولكن داود، الذي ظهر في تلك الفترة، كشخص تكال له اللعنات من الرأي العام الذي كان متعاطفا مع العمل الفدائي، ذهب إلى العاصمة الأردنية القاهرة للتفاوض لوضع حد للدم المسفوك بين الشعب الواحد في الأردن، إلا انه انشق طالبا اللجوء السياسي.

واعتبرت خطوة داود آنذاك، انتصارا، معنويا وإعلاميا على الأقل، لفصائل المقاومة، وطعنة للطرف الآخر، وقدمت لها عدة تفسيرات وأثارت اهتمام وسائل الإعلام، ولكن رشيد الذي لا يتوقف، في مذكراته عند تداعيات ذلك، يشير بشكل عابر، بان داود قدم استقالته من رئاسة الحكومة العسكرية، لأنه تلقى تهديدا جديا من ابنته الوحيدة التي تعيش في الكويت، بالبراءة العلنية منه، إن لم يتراجع، وهو ما فعله مكرها، وتحت ضغط ابنته التي يحبها.

ويعكس ذلك مدى التداخل الأهلي في الأحداث التي شهدها الأردن في تلك الأشهر العصيبة من عامي 1970 و1971، ويشير رشيد كثيرا إلى ما اعتبره اختراقا من فصائل المقاومة لأجهزة الحكومة الأردنية ومن بينها الجيش والمخابرات وحتى الحكومة العسكرية. ويتحدث رشيد، بشكل عابر أيضا، عن ابنة عمه وشقيقة زوجته خزامى رشيد، التي يقول بأنها تولت قيادة المقاومة في مدينة اربد، بعد رحيل قادة الفصائل الفلسطينية عنها، بينما كان هو المسؤول الأبرز في الطرف الآخر الحاكم.

ويكتب عن ذلك quot;ومن المفارقات الطريفة، ان خزامى رشيد، ابنة عمي وأخت زوجتي، تولت قيادة المقاومة في اربد، بعد انسحاب المنظمات وقادتها باتجاه سوريا، وكانت تفاوض الباهي الادغم وزير الخارجية التونسي، المكلف من الجامعة العربية بتنسيق المفاوضات، وكان يجتمع بي بوصفي من ممثلي الطرف الأردني، وقد لاحظ تشابه الأسماء، وازداد عجبه عندما عرف بأنها ابنة عميquot;.ويكشف رشيد وان لم يكن بشكل تفصيلي مفاجأة عن دور مفترض لسيدة لبنانية، في عملية اغتيال ثلاثة من قادة منظمة التحرير الفلسطينية الكبار في شارع فردان في بيروت عام 1973، والتي أطلق عليها إسرائيليا عدة أسماء من بينها عملية ربيع الشباب التي قادها إيهود باراك، رئيس الوزراء الإسرائيلي فيما بعد.

ويكتب رشيد، بشكل أراده عابرا وان كان لا يجب أن يؤخذ كذلك من رجل مخابرات محترف quot;..وقد علمت، وأثناء عملي سفيرا للملكة في المغرب، ان سيدة من كرام العائلات اللبنانية المعروفة، ومن أهم الداعمين للعمل الفدائي في الأردن، قدمت للإسرائيلي ايهود باراك وزملاءه المعلومات التي ساعدت في اغتيال قادة المنظمة الثلاثة: كمال عدوان، وأبو يوسف النجار، وكمال ناصر، الذين قتلوا في عملية واحدة في بيروت، وكانت كما روى لي مصدر مقرب منها، صديقة لابو يوسف النجارquot;.

فمن هي هذه السيدة التي يذكرها مدير المخابرات الأردني الأسبق، المطلع؟؟ وهل حقق أحد فعلا فيما حدث في ذلك اليوم من شهر نيسان (أبريل) في بيروت؟ وكانت له تداعيات محلية وإقليمية، وسرعت في الحرب الأهلية الطاحنة التي شهدها لبنان، بشهادة الأطراف المختلفة. وهل يصر الرأي العام العربي على حقه في الحصول على المعلومات عن أحداث تجري أمامه وعلى أرضه ويدفع ثمنها غاليا؟

وفي حديث عن محاولة انقلابية فاشلة بدعم من ليبيا، على الملك حسين، أوكل تنفيذها كما يقول لرافع الهنداوي، قائد المدرعات الأولى التي تحرس الديوان الملكي في قصر رغدان، يشير رشيد إلى دور لسيدة في تلك المحاولة دون أن يذكرها بالاسم أو يتوقف تفصيلا عن دورها في تلك المحاولة التي أحبطها رشيد، ويكتفي بالقول بأنها كانت زوجة لاحد كبار المسؤولين، وأنها من أحضرت الأموال اللازمة للانقلاب من ليبيا عن طريق دمشق.

ويتضمن كتاب رشيد الكثير من المعلومات التي قد تبدو مفاجأة، مثل تأكيده أن تهريب ياسر عرفات، زعيم المنظمات الفلسطينية أثناء أحداث أيلول، من الأردن بلباس خليجي إلى مصر، تم بمعرفة دائرة المخابرات الأردنية العامة، دون أن يتوقف كثيرا عن ذلك أو يفسر أو يقدم معلومات إضافية. وفي هذا المجال يشير مثلا، إلى دور سميح البطيخي، مدير المخابرات الأردنية عندما حاول الموساد الإسرائيلي اغتيال زعيم حركة حماس خالد مشعل في الأردن، في توفير الترياق ضد السم، الذي أعطي لمشعل لإنقاذ حياته.

وحسب ما روي من شهادات سابقة، ومن بينها ما ذكره إسرائيليون شاركوا في تلك المحاولة الفاشلة، بان الترياق الشافي احضر من إسرائيل بعد إصرار الملك حسين على ذلك، ولكن رشيد يقول بان ما اسماه نباهة البطيخي جعلته يصر على اخذ اسم الترياق من عملاء الموساد المقبوض عليهم، وتبين انه يباع في الصيدليات في الأردن، وهكذا تم توفيره لخالد مشعل بسرعة.