علق حضوره وتكريمه في ألمانيا
باموك يتخفى خوفاً من التهديدات بالقتل

مازن الراوي من برلين: كان من المنتظر أن يُحتفل بالكاتب التركي اورخان باموك الحائز على جائزة نوبل في الأدب احتفالاً استثنائيا في برلين وفي مدن ألمانية أخرى حيث سيمنح لقب الدكتوراه الفخرية من جامعة quot;برلين الحرةquot; ويسافر بعدها الى مدن ألمانية اخرى ليقدم عروضاً في قراءات مختلفة. ولكن فوجئ المنظمون بتعليق حضور باموك

عند تسلمه جائزة نوبل
إلى موعد لم يحدد، ولم يعرف السبب الحقيقي لذلك . وقد نشرت كافة الصحف تقريباً الخبر المؤسف، بينما تكهن العديد منها، ومن وسائل الإعلام الاخرى، بأن السبب الحقيقي يكمن في التهديدات التي تلقاها الكاتب، خاصة بعد اغتيال صديقه هرانت دينيك والملابسات التي رافقت الاغتيال والتهديدات التي وجهت إليه مقترنة باغتيال صديقه.
كانت العناوين البارزة في الصحف تقول: الكاتب التركي الحائز على نوبل الأدب أورخان باموك يعلق حضوره إلى ألمانيا. وتتساءل لماذا؟ وقد أجمعت معظم الصحف وهي تتكهن بأنه قد تلقى تهديدات جدية منذ اغتيال الصحافي الأرمني . وقالت: لقد وُضع اورخان تحت حماية الشرطة التركية، بينما قالت الشرطة الألمانية: لم تتوفر لديها أي معلومات بخصوص استهداف باموك في ألمانيا لدى وصوله.
لقد أصبح من الواضح إذا أن تعليق زيارته وخيبة أمل المضيفين الألمان جاء بسبب تهديدات جدية فقرر الكاتب التركي البقاء في اسطنبول محمياً في الوقت الحاضر إلى أن يجد له مكاناً آمناً.
ضمن برنامج الزيارة التي كان من المقررلها أن تبدأ يوم الجمعة ـ الثاني من هذا الشهر ـ شباط أن يكرم ويمنح لقب الدكتوراه الفخرية من جامعة quot; برلين الحرةquot; فضلا عن برنامج كثيف للقراءة وندوات ونقاشات غنية في كولونيا وهامبورغ وشتوتغارت. والواقع أن التهديدات التي تلقاها جاءت من قبل اليمين القومي المتطرف في تركيا.
وتبدو تلك التهديدات جادة إثر اغتيال الداعية والصحافي الأرمني هرانت دينيك حيث تمّ تهديده علانية وبكل وضوح من قبل الزمر المتطرفة. وفعلاً صرخ ياسين هـ . البالغ 26 عاما وهو أحد المتهمين، صرخ عندما اقتادته الشرطة إلى التحقيق بقوله: على هذا الأورخان باموك أن ينتبه إلى نفسه أيضاً.
قال باموك في زيارة لصحيفة quot; آغوسquot; التي عمل فيها الصحافي التركي الأرمني: quot; لقد جعل هذا الاغتيال حياتي جحيماًquot;. ويعكس تصريح باموك هذا، ليس فقط الحزن والغضب، بل يعكس الخوف أيضاً. ويعزي الكثيرون بأن quot; حذر واختفاء باموك له ما يبررهquot;.
والحقيقة أن باموك يتلقى منذ قرابة عامين تهديدات عديدة. وكان في شباط عام 2005 قد قال في لقاء معه نشرته صحيفة quot; تاغس آنتسايغرquot; السويسرية: لقد قتل في تركيا قرابة مليون أرمني وقرابة 30 ألف كردي ولكن لا يتجرأ أحد على التحدث بهذا الشأنquot;. وهو منذ ذلك الحين لا يشعر بالطمأنينة. وقد سيق للمحاكمة في العام 2006 بتهمة إهانة التراث التركي، وتوعده اليمين المتطرف بالانتقام لأنه تجرأ وأهان الشعب التركي. وكان باموك أيضاً قد تضامن، كاول كاتب من العالم الاسلامي مع الكاتب سلمان الكاتب سلمان رشدي عندما اُتهم بروايته quot; آيات شيطانية quot; بالتهجم علي النبي محمد وأفتت إيران بشرعية قتله ورصدت مبلغا لذلك.
في البداية ابتعد باموك وقضى أشهراً في الولايات المتحدة الأميركية، ثم ما لبث أن عاد إلى تركيا. وأراد من خلال عدد من اللقاءات أن يوضح موقفه ويعادل كفتي الميزان. لكنه بعد الحصول على جائزة نوبل اُتهم بأنه quot;لم يكن ليحوز على الجائزة إطلاقاً من دون إطلاق اتهاماته المغرضة ضد تركيا بالإبادة الجماعية للأرمنquot;.
لقدتأكد باغتيال صديقه هرانت دينك أن الخطر المحيط به جلي و مؤكد و قريب منه. وبهذا الصدد قالت صحيفة quot; حُريّت quot; واسعة الانتشار، لقد كان بمثابة تهديد، عندما عُرض شريط فيديو يظهر فيه صورة جثة الصحافي الأرمني ملقاة على إسفلت الشارع وقد لصق عليها، بطريقة الكولاج، صورة باموك وكتب عليها عبارة quot; خائن للوطن أصبح مليونيراً quot;.
هكذا فان باموك يصبح هدفاً للكراهية من قبل شريحة واسعة من الشباب في اسطنبول يعانون الفقر وانعدام التأهيل الثقافي وهم معبّأون بمشاعر متفجرة quot; دفاعاquot; عن الوطن والقومية على نحو خاطئ و متطرف وساذج يدفعهم الى اقتراف الجرائم.
عندما عاد باموك من القاهرة في الأسبوع الماضي، أحس بأنه مراقب ومحمي من قبل الشرطة مما جعله يتأكد من جدية التهديدات التي تهدد حياته. و كُشِف بالأمس أيضا بأن أحد أفراد قوى الأمن كان له ضلع كبير في اغتيال الصحافي هرانت. وقد قدم معلومات لوجستية لأولئك الذين نفذوا الاغتيال. بينما تكشفت حقائق مفادها ان قوى الأمن أغفلت قرابة 17 تحذيرا ولم تعبأ بمعلومات وتدقق فيها وتحقق في خطط الاغتيال، مما يطرح التساؤل بإمكان التماهل أو الخطأ في جهاز الأمن نفسه، وربما تواطؤ البعض في مثل هذه الأعمال. ولذلك تطالب بعض أجهزة الإعلام باستقالة مسؤولين كبار في أجهزة الأمن، وضمنهم مسؤول شرطة اسطنبول. وقد دعا رئيس الحكومة طيب اردوغان في بيان تلفزيوني الشعب التركي إلى التبصر والعقلانية.وقال: لا يمكن لأحد أن يتخفى تحت غطاء القومية والوطنية ويسمح لنفسه بممارسة العنف..
في العام 2006 وافق باموك على عرض جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأميركية لغرض التدريس.
وسوف يسكن هناك في شقة صغيرة أملاً بالهدوء وبالسلام. ويعتقد بأن الكاتب سيبتعد عن اسطنبول فترة من الزمن ربما في الولايات المتحدة أو في أي بلد آخر. ولا يعرف ما إذا سيعود إليها في خريف هذا العام بمناسبة صدور روايته الجديدة quot; متحف البراءةquot;.