سلوى اللوباني من القاهرة: ساد الاعتقاد طويلاً أن الفكر المصري قد شابه الجمود والتخلف خلال القرن الثامن عشر، إلا أن كتاب quot;الفكر المصري في القرن الثامن عشر بين الجمود والتجديدquot;، للدكتور عبد الله العزباوي، صادر عن دار الشروق يرفض هذه الفكرة، وقد صدر الكتاب عن سلسلة التاريخ- الجانب الاخر- إعادة قراءة للتاريخ المصري برئاسة د. يونان لبيب رزق. ويناقش هذه الفكرة مؤلف الكتاب من خلال دراسة قام بها فقد استنتج بأن القرن لم يكن كله تخلفاً وجموداً، إضافة الى تتبعه تيار التجديد في الفكر المصري من خلال حركة التأليف في مصر في القرن الثامن عشر في العلوم النقلية، كالعلوم الدينية واللغوية والعلوم العقلية كالفلسفة والرياضيات والفلك والكيمياء والطب والجغرافيا. ويركز بشكل خاص على علم التاريخ. ويقول د. يونان لبيب في مقدمته للكتاب أن أهمية هذه الدراسة إنها تفسر السر في قبول عملية التحديث التي عرفتها مصر خلال النصف الاول من القرن التاسع عشر، وأن محمد علي مؤسس الدولة الحديثة في تلك البلاد لو لم يجد أرضاً قابلة لاستنبات الفكر الجديد لما نجحت محاولته في الجانب الثقافي على الاقل، الذي قام على بناء التعليم المدني الجديد والانفتاح على أوروبا، وإن كان الاساس الذي قامت عليه دولة نهضة محمد علي يختلف عن الاساس الذي قامت عليه نهضة الفكر المصري في القرن الثامن عشر، فقد كان أساس نهضة محمد علي يعتمد على العلوم العقلية، بينما كان أساس نهضة آواخر القرن الثامن عشر هو العلوم النقلية من علوم دينية ولغوية.

موضوعات الدراسة
وقد قسم المؤلف كتابه الى خمسة موضوعات، الموضوع الاول تناول دراسة حركة التأليف في مصر في القرن الثامن عشر في العلوم النقلية والعقلية، ففي العلوم النقلية تم تناول حركة التأليف في علوم القراءات والتفسير وعلوم الحديث، العلوم الفقهية من أصول للفقه والفقه على المذاهب الاربعة بالاضافة الى علم الفرائض والمواريث، ثم علوم اللغة من نحو وصرف وبلاغة ومعاجم، أما الموضوع الثاني فقد تناول فيه العلوم العقلية من فلسفة ورياضيات وفلك وكيمياء وعلوم طبية وتقويم البلدان quot; الجغرافياquot;، وفي الموضوع الثالث من الدراسة تناول المؤلف التاريخ والمؤرخين السابقين للجبرتي من أجناد وعلماء، والموضوع الرابع خصص للمؤرخ عبد الرحمن الجبرتي ومعاصيره من المؤرخين المصريين، والموضوع الخامس فقد خصص لتيار التجديد في الفكر المصري تم فيه تتبع تطور هذا التيار من خلال القرن الثامن عشر حتى بروزه بشكل واضح في آواخر القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر. والجدير بالذكر أن المؤلف هو أستاذ تاريخ متفرغ بكلية التربية جامعة الفيوم، ومن أهم مؤلفاته مقاومة العطار في الفرنسيس، الجبرتي وشيوخ القرن الثامن عشر، عمد ومشايخ القرى ودورهم في المجتمع المصري في القرن التاسع عشر، مفاوضات النحاس- هندرسون 1930، الشوام ودورهم في المجتمع المصري في القرنين الثامن والتاسع عشر، البدو ودورهم في الثورة العرابية، موقع محمد حسنين هيكل في كتابة المذكرات، وغيرها من الكتب.

الاتراك، المماليك والفرنسيين...
وخرج المؤلف في خاتمة الكتاب بنتائج عديدة منها أن هذا الفكر في النصف الاول من القرن الثامن عشر كان يغلب عليه الجمود والتقليد، فقد كانت المؤلفات في ذلك الوقت لا تخرج عن الشروح والحواشي والتقارير والملخصات دون الاتيان بالجديد، وثانياً أن الاتراك العثمانيين غير مسئولين عن هذا الضعف الذي ألم بالحركة الفكرية في العصر العثماني وحتى النصف الاول من القرن الثامن عشر، ذلك أن الفكر الاسلامي بوجه عام كان قد بدأ بالتدهور منذ القرن الرابع الهجري، وأن التعليم في القرن الثامن عشر لم يتدهور كما تصور بعض الباحثين بل أنه كان متقدماً وإن شابه الاهتمام بالدرجة الاولى بالعلوم النقلية، ودراسة الشروح والحواشي وإهمال المتون والاصول، وأن العلوم العقلية كالرياضيات والفلك والطب لم تختف من مصر في ذلك الوقت، فقد كانت هذه العلوم تدرس في بيوت المتخصصين فيها، كما وجد عدداً كبيراً من علماء المصريين يؤلفون فيها، وأن الامراء المماليك شاركوا في الحركة الفكرية في ذلك الوقت عن طريق حضور مجالس العلم وتأليف الكتب وخاصة في الرياضيات والفلك، كما لم تكن الحركة الفكرية في مصر في القرن الثامن عشر وقفاً على المصريين إنما شاركهم فيها العلماء المسلومن من كافة أنحاء العالم الاسلامي من الهند واليمن والمغرب وتركيا والشام، وأن العلماء المصريين شاركوا أيضاً في الحركات الفكرية في سائر أنحاء العالم الاسلامي فقد كانوا يسافرون الى بعض الدول ويقوموا بالقاء الدروس والتأليف فيها، واستنتج المؤلف بأن الاقباط واليهود كانت مشاركتهم في هذه الحركة الفكرية ضئيلة واقتصر دورهم في الفلك والتنجيم، وأن الاجانب لم يشاركوا في هذه الحركة لاهتمامهم بالتجارة آنذاك، كما كانت القيود التي تفرضها عليهم المجتمعات الاسلامية التي يعيشون فيها من حيث إندماجهم بالمجتمع مانعاً من المشاركة، كما أن التصوف كان منتشراً في مصر في ذلك الوقت كثيراً بين أفراد الشعب المصري، وقد انخرط العلماء تقريباً في الطرق الصوفية، وبدأت الحركة الفكرية تحرز تقدماً وتطوراً في آواخر القرن الثامن عشر بظهور مجموعة من العلماء الموسوعيين أمثال الجبرتي والدمنهوري، اضافة الى أن الحملة الفرنسية على مصر في آواخر القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر لم تكن هي السبب الذي أدى الى تطور الفكر المصري لان هذه النهضة بدأت تباشيرها منذ أوائل القرن الثامن عشر، وكل تأثير الحملة كان في إنها نبهت أذهان المصريين الى نمط جديد من الحضارة يختلف عن السائد في المجتمعات الشرقية ينبغي الاخذ به، وهذا ما تم على يد محمد علي الذي أرسل البعثات الى أوروبا وعمل على الاخذ بالحضارة الاوروبية.