كتاب يوم الأحد quot;لويس عوض في الميزانquot;
تحرير العقل من الخرافة والفرد من التسلط والقهر

سلوى اللوباني من القاهرة: سواء إختلفتَ أو إتفقتَ مع أفكار د. لويس عوض وآرائه لا يسعك إلا أن تحترمه لجرأته في طرح أفكاره التي كانت دائمًا جديدة وصادمة ومثيرة للجدل... وللغضب أيضًا، مما سبب له الكثير من المتاعب والصعوبات في حياته... وبالرغم من ذلك فقد أنتج أكثر من 50 كتابًا في النقد والإبداع ما بين التأليف والترجمة. وبعضها نماذج فنية من الشعر والرواية والمسرح. يضاف إلى ذلك العشرات من المحاضرات في الجامعات والمؤسسات الثقافية العربية والعالمية. كان يهدف في كتاباته إلى تحرير العقل من الخرافة وتحرير الفرد من التسلط والقهر كما قال أ. نسيم مجلي في دراسته quot;لويس عوض ومعاركه الأدبيةquot;. أمّا أ. رجاء النقاش في كتابه الصادر حديثًا عن دار الشروق quot;لويس عوض في الميزانquot; فقال: quot;لا أعرف كاتبًا عربيًا بعد جيل طه حسين والعقاد أثار من الضجة حول شخصه وأدبه مثل لويس عوض.... إستمر يحمل القلم 60 عامًا، قضاها كلها في البحث والدراسة والتعبير والتفكير... فهو لا يكتب كتابات هامشية متحفظة حذرة... بل يكتب بصراحة وجرأة سواء أدى ذلك الى غضب الناس أو رضاهم... فالمهم عنده أن يعبر عن رأيه وأن يكتب ما يؤمن به. وقد نتج عن ذلك أنه عانى كثيرًا وكسب عداوات لا حصر لهاquot;.

لويس عوض
مفكر ومؤلف مصري، بدأ حياته الأدبية شاعرًا كما ذكر النقاش في كتابه، فقد كتب قصيدة وهو في العشرين من عمره بعنوان quot; السَحَرquot;، نشرها في مجلة أبوللو في عددها الأخير عام 1934 وهي أول مجلة عربية متخصصة في الشعر. حصل على ليسانس الآداب قسم اللغة الإنكليزية وعلى ماجستير الأدب الإنجليزي من جامعة كامبريدج ودكتوراة في الأدب من جامعة بريستن عام 1953. عمل مدرسًا مساعدًا للأدب الإنكليزي وأستاذًا مساعدًا في قسم اللغة الإنكليزية ثم رئيسًا للقسم في جامعة القاهرة، وقام بالإشراف على القسم الأدبي في جريدة الجمهورية عام 1953. كما عمل في إدارة المؤتمرات في منظمة الأمم المتحدة في الخمسينات، وانضم إلى هيئة تحرير صحيفة الأهرام عام 1983. مفكر عقلاني، باحث عن الحقيقة، لذلك كانت لأفكاره وآرائه أصداء واسعة، فكتبت عنه مجموعة من الكتب ومنها quot;ملامح من المشروع الثقافي للويس عوضquot;، quot;لويس عوض ونقد العرض المسرحيquot;، quot;لويس عوض وشاعرية اليوتquot;، quot;لويس عوض ناقدًا سياسيًاquot;، quot;لويس عوض أديبًاquot;.

معاركه الفكرية
تضمن كتاب النقاش وكذلك دراسة مجلي الكثير من معارك لويس عوض الفكرية... ومنها معركته حول كتابه quot;مقدمة في فقه اللغة العربيةquot;، الذي حاول من خلاله إثبات أن الأمة العربية حديثة الظهور نسبيًا وأن اللغة العربية هي أحد فروع الشجرة التي خرجت منها مجموعة اللغات الهند-أوروبية. فيقول مجلي :quot;أتهم بأنه هدف إلى تزوير العربية والتهجم على الاسلام من خلال كتابه لذلك تم سحبه من السوق المصري بعد نشرهquot;. وصودر الكتاب بناءً على مذكرة من لجنة البحوث في الأزهر. وأيضاً معركته مع أ. محمود شاكر حول أبحاثه عن الشاعر أبي العلاء المعري بعنوان quot; على هامش الغفرانquot; التي نشرها في جريدة الأهرام عام 1964 وفسرت أنها تشكيك في أصالة الثقافة العربية وتحامل على المعري فقام بالرد محمود شاكر من خلال مقالات نشرت في مجلة الرسالة قال فيها إن ما جاء في مقالات لويس عوض وهم وخلط تاريخي وتحريف في الإستشهاد بشعر أبي العلاء المعري وعدم تمحيص الروايات التاريخية.

لويس في الميزان
وبعيدًا عن التشهير والتكفير الذي ينال معظم المفكرين بسبب أفكارهم وآرائهم، يأتي كتاب quot;لويس عوض في الميزانquot; لرجاء النقاش بأسلوبه الموضوعي العلمي، ليناقش آراء مفكر بوزن لويس عوض. وهذا الكتاب هو مجموعة من الفصول النقدية لكتاب لويس عوض quot;أوراق العمرquot; الصادر عام 1989. وقد نشرها النقاش في مجلة المصور في سلسلة مقالات في العام نفسه. أي في حياة لويس عوض حيث توفي عام 1990. وبالرغم من إختلافه معه إلا أن ذلك لم يمنعه من الإعتراف بمكانة لويس عوض ودوره الكبير المؤثر في الفكر العربي الحديث. والكتاب لا يتناول كل آراء لويس ولا كل إنتاجه الفكري والأدبي... ولكنه يقتصر على الحوار النقدي مع لويس عوض في حدود آرائه التي طرحها في كتابه أوراق العمر.... وهي آراء سياسية وكانت في بعض الأحيان من أسباب الثورة عليه والتصدي له وخاصة من جانب بعض أصحاب الأقلام الذين لا يثقون بنوايا لويس عوض تجاه الثقافة العربية ولا يطمئنون إلى آرائه الفكرية المختلفة على حد تعبير النقاش. بينما كان أ. نسيم مجلي أكثر وضوحًا في رأيه وقال إن الكثير من المعارك التي كانت تشن ضد لويس عوض على أساس أنه يعمل ضد العروبة والإسلام لأنه مسيحي ولا يؤمن إلا بالقومية الفرعونية لمصر، أو لأنه يؤمن بالفكر الليبرالي العلماني الغربي ويحتقر كل ما هو عربي وشرقي مثل أستاذه سلامة موسى.


من متاعبه
ذكر النقاش العديد من المتاعب والصعوبات التي واجهت لويس عوض بسبب تعبيره عن أفكاره دون خوف أو تردد. فقد تعرض للطرد من عمله كإستاذ جامعي سنة 1954 حيث كان يعمل رئيسًا لقسم اللغة الإنكليزية ولم يصل إلى المنصب عن طريق علاقات أو صداقات مؤثرة بل وصل إليه عن طريق علمه وكفاءته العالية. وتعرض للطرد ضمن حملة تطهير الجامعة من الأساتذة اليساريين أو من إعتبرتهم الحكومة في ذلك الحين من أهل اليسار. وفي عام 1959 ألقي القبض عليه ضمن ما سمي في ذلك الحين بالحملة على الشيوعيين بالرغم من أنه لم يكن شيوعيًا بل كان مفكرًا حرًا وبقي في السجن سنتين عومل فيهما بأقسى أنواع المعاملة وأسوئها. ويستنكر النقاش من معاملة رجال ثورة 1959 لمفكرين أحرار كبار من أمثال لويس عوض ومحمد مندور وابراهيم ناجي، فقد كان ناجي ابراهيم ولويس عوض من كبار الأدباء والفنانين والمفكرين الذين مهدوا للثورة... ويقول الإختلاف بينهم وبين رجال الثورة إن المفكرين كانوا ديمقراطيين بينما رجال الثورة كانوا يظنون أنه من الأفضل أن يحكموا منفردين للتعجيل بالإصلاح. وأيضًا في أوائل السبعينات بدأت دوامة الإضطهاد والتعذيب من جديد. فقد فصل من عمله عام 1971 بناء على ما سمي في ذلك الحين باسم لجنة النظام في الإتحاد الإشتراكي التي كانت تعتمد على تقارير أمنية سرية.

أهمية أوراق العمر
وضح رجاء النقاش أهمية كتاب أوراق العمر قائلاً: quot;يثبت بأن لويس عوض ما زال يبذل جهدًا حتى وهو في الخامسة والسبعين وأن الهموم والزمن لم تهزم إرادته ولم تضعف قدرته على التعبير والتفكيرquot;. إضافة إلى أن كتابه يؤكد أن الكتابة العربية الجادة والصادقة لا تزال لها سوق وأنصار وأن الكاتب العربي الذي يملك المعرفة والتجربة والموهبة لا يزال يجد من يستمع إليه في حماس وتقدير. فقد نفذت الطبعة الأولى من كتاب أوراق العمر خلال أسابيع بعد صدوره عام 1989. وقد نجح من خلال كتابه وأثار الجدل والمناقشة لأنه من الكتب التي لا تحسب حسابًا لشيء سوى الحقيقة التي يؤمن بها صاحبها فيعلنها دون خوف أو حساب للتأييد أو المعارضة. كما يعتبر كتابًا فريدًا في أدب الإعترافات في ثقافتنا العربية فقد تناول فيه حياته الشخصية، والحياة العامة في مصر منذ أوائل القرن العشرين وحتى أوائل الأربعينات بعد عودته من بعثته في إنجلترا. فلم يخف شيئًا ولم يخجل من شيء. ومن الموضوعات التي تناولها النقاش في نقد آراء لويس عوض هي موقفه السلبي من الشاعر أحمد شوقي الذي يكاد يبلغ حد السخرية منه والإستهانة به. وأيضًا حديث لويس عوض عن أدبائنا ومفكرينا من الجيل الأول فقد إتهمهم بأنهم بدأوا حياتهم ثوارًا ثم إنتهوا إلى التخلي عن النزعة الثورية ومالوا إلى مصالحة المجتمع وإرضاء الناس والكتابة في الموضوعات الناجحة والرائجة وخاصة الموضوعات الدينية ومنهم quot;محمد حسين هيكلquot; فقد بدأ بثورة الأدب وجان جاك روسو وانتهى بحياة محمد وفي منزل الوحي. وquot;طه حسينquot; بدأ بحديث الأربعاء والشعر الجاهلي وإنتهى برباعيته الدينية على هامش السيرة والفتنة الكبرى. وهو نفس ما يفعله الآن -1986- في السنوات العشر الأخيرة توفيق الحكيم وزكي نجيب محمود وعبد الرحمن الشرقاوي أسبوعيًا على صفحات الأهرام بعد ماض من العلمانية والفكر المتحرر.