شوقي مسلماني من سدني: quot;لمعُ سرابquot; مجموعة شعريّة جديدة للشاعر السوري عابد اسماعيل بعد quot;ساعة رملquot; وقبلها quot;لن أكلّم العاصفةquot; وquot;باتّجاه متاه آخرquot; وquot;طواف الآفلquot; وبعد سلسلة كتب مترجمة تشمل مروحتها بورخس ونعّوم تشومسكي وولت ويتمان وأطروحة دكتوراه من جامعة نيويورك بعنوان quot;تخيّل صوفي أسمىquot;.
والشاعر اسماعيل عموماً لا يتوغّل في الشعر من ناحية ذاتيّة مغلقة على هموم خاصّة بل من ناحية مفتوحة على آمال وآلام وطنيّة عامّة في أساسها ومنها على توق إنساني عالمي ـ كوني ـ أممي لحياةٍ أسمى عنوانها الحريّة والنبل والكرامة.
ومجموعة لمع سراب (عن التلوين للتأليف والترجمة والنشر ـ دمشق) هي في الصدارة من هذا المنحى في عالم عربي ديدنه quot;الورود والزهور الذابلةquot; وهو الذي يمتدّ ـ ويا للمفارقة ـ بين الماء والماء أو من المحيط إلى الخليج. ويكرِّر الشاعر هذا الذبول في أكثر من موضع لئلاّ ينسى الآخر ذلك مثلما الذات وسط عجيج السراب أو الطلاءات الزائفة والأنوار المعلّبة في مصانع الإستلاب والتغريب عن الواقع. ومن التكرار قوله: quot;أنتَ المنتظر فوق هذا الجسر / حاملاً وردتك الذابلة في يدكquot;.
وكما نثر اسماعيل وكتاباته النقديّة هي معرفيّة مثقّفة مكتنزة كذلك شعره الذي يستحضر القديم والجديد زمنيّاً والحديث أبداً إبداعيّاً، فيقول إلماماً بالجسد والروح معاً، ويقول: quot;تلك الخطوات في خطواتك / أسرى ومنبوذون وقتلىquot; لأجل أنّه العصاب والجشع والعنصريّة والساديّة، ويقول بابلو نيرودا ولوركا وصموئيل بيكيت وامرئ القيس والنفري ومحمّد الماغوط ودانتي ونزار قبّاني وفيروز والحبّ مخاطِباً ومحاوِراً ومتمثِّلاً شعراً له في الهدم والإعمار، في التحديث، في الغد، في دحر الظلام والظلاميين والظالمين.
وهكذا فإنّ quot;لمع سرابquot; التي تقع في 156 صفحة ولها 82 صوتاً ـ قصيدة هي ليست في السراب أو له، وإن كان في الهواء نسيان وسجون وعذاب وانكسار، وإن كان سكوت وحذر، وquot;ضوء شحيح الإنارة على وشك الإنطفاءquot;، أو مشي خافت ضئيل، أو قوله أيضاً: quot;أنا شجرة الدفلى / التي اقتربتْ مِنَ الحزن / فاصفرّتْ أوراقهاquot;، كما ليست أيضاً في الغضب اليائس بجنوحها إلى تلك المفارقات عندما يكون القول: quot;نجيء من المقاهي / ملطّخين بالثورات / نجيء من الحريّة / مجروحين بالقيود / نجيء من الأسئلة / مطاردين بالشبهات / نجيء من القصائد / منهوشين بالبياض / نجيء من الأسلاف / محمولين على النعوشquot; فهي في المرمى الأخير على الحافّة ذاتها رفضاً وانتصاراً للفجر الآتي.
هنا خفقتان من خفقات قلب المجموعة:
1 ـ quot;على مدّ نظرنا أحذية / تمشي على الرصيف / لكنّنا لا نرى الأقدام / التي ترتدي الأحذية / نرى رُكباً مكسورة / في وضعيّة الإنحناء / نهزّ الدولة / لعلّنا نسمع الخطوات التي اختفت / نهزّ غرفة الإنعاش / لعلّنا نسمع الصرخة / ثمّ نهزّ المقبرة الجميلة / لنسمع رنين الأحلام / المدفونة هناك ...quot;.
2 ـ أنت شخص وراء طاولة / مؤلف من فنجان قهوة / وأحلام عابرة / كلّ الذين يمرّون على الرصيف / يلمعون تباعاً في عينيك / كلّ الذين يُساقون إلى حتفهم / تمشي خلفهم إلى المحطّة / تلتفتُ إلى ذاتك / تراها معكوسة في رغوة الفنجان / لا حدود لأحلامك / وأنت تجلس في عراء المقهى / مقيداً إلى نهار / يسودّ بالتدريج / كفنجانِ قهوةquot;.