سلوى اللوباني من القاهرة: صدرت رواية "ذهب مع الريح" عام 1936 للكاتبة "مارجريت ميتشيل" ونالت اعجاب القراء ونجحت نجاحا كبيراً لا تزال آثاره لغاية يومنا هذا، ولكن الكثير من الأدباء الامريكين اعتبروا الرواية من الادب النسائي، و أن جميع قرائها من النساء فقط، كما انهم اعتبروها من الروايات التي تخطت عادات وتقاليد المجتمع الامريكي في ذلك الوقت (الثلاثينات)، وكان مجرد ذكر اسم مؤلفة الرواية يثير الاستياء، فقصة الغرام بين سكارليت وريت باتلر قصة غرام رخيصة، بالاضافة الى أن "وليم فوكنر" لم يدرج اسم "مارجريت ميتشل" يوماً في اي قائمة من قوائم الادباء الامريكين، ولم يعبروا عن اي اهتمام بها، ولكن بالمقابل هناك العديد من النقاد المشهورين اعتبروها متساوية مع الاديب الروسي "تولستوي" في روايته الحرب والسلم، والجدير بالذكر أن "مرجريت ميتشيل" الكاتبة الأمريكية ولدت عام 1900 وتوفيت عام 1949، وقد تركت وراءها احدى أهم روايات القرن "ذهب مع الريح"، بغض النظر عن تجاهل بعض النقاد لقيمتها الادبية، فهناك من أنصفها واعتبرها من أفضل الروايات العالمية. سر النجاح:
تناول العديد من النقاد تحليل الرواية وأسباب نجاحها من خلال شخصياتها وأحداثها، فهي ليست رواية رومانسية خالصة بالرغم من المساحة الكبيرة التي احتلتها قصة االحب بين الشخصية الرئيسية "سكارليت" وبين "ريت باتلر"، وهي قصة حب مستحيل في مجتمع الجنوب الامريكي قبيل دخول الولايات المتحدة الامريكية في الحرب العالمية الثانية، بالرغم من تصريح مؤلفة الرواية انها لم تقصد أن تكون "سكارليت" بطلة، ولكن كان القصد تجسيد شخصية لامرأة من النادر ان نقول عنها شيئاً جيداً، كما أبدت أسفها أن الجميع يصفق لسكارليت وكأنها بطلة قومية، فهي بنظرها ليست قدوة لتحتذي بها النساء، وليست الفتاة الشاعرية وانما غلبت على شخصيتها المصالح، وعلى الجانب الاخر من تحليل الرواية يرى البعض ان شخصية "سكارليت" ليست سيئة بالمطلق فهناك جوانب حسنة في شخصيتها، فهي من ناحية تكره غريمتها ولكن ساعدتها بالبقاء على قيد الحياة، وظهرت سكارليت بالرواية لا تحب اخوتها ولكنها مع ذلك تعتني بهم، وكانت تتميز بالبخل والطمع ومع ذلك كانت تقدم المساعدات المالية لقريباتها، بالاضافة الى التزامها بكلمتها، فتجد نفسك أمام شخصية مركبة كانت تجمع صفات متناقضة، جمعت بين البراجماتية والشرف في آن واحد، فقد كان مفهوم الشرف سمة الجنوب الامريكي، وقد يكون هذا ما ميز هذه الشخصية وجذب الناس اليها، "سكارليت" جسدت حلم كثير من نساء الارض وهو التغلب على الرجال اكثر من مرة سواء في الاعمال او الحب، فقد أثبتت ان المرأة ليست ضعيفة الدماغ، جسدت قصة فتاة انانية تريد الارض ولكنها بالمقابل تفقد الحب، لنصل الى نتيجة أن هذه الشخصية المركبة القوية هي وراء نجاح الرواية، وينقلنا رأي آخر في تحليل مختلف يرى ان شخصية "ريت باتلر" ساعدت في نجاح الرواية من حيث ثباتها، فهو البطل العشيق الغني الجميل والمحظوظ الذي لا يتغير، من أول الرواية الى نهايتها، وهو بالطبع ما تتمناه جميع نساء العالم، ولكن أجمع النقاد أن من العوامل التي ساعدت على نجاح الرواية ايضاً انها تعبر عن أهم فترة من تاريخ امريكا وهي الحرب الاهلية، التي تعتبر من أسوأ الحروب في التاريخ وانتهت بهزيمة الولايات المتحدة، فتحتوي الرواية على وصف دقيق للحياة اليومية الاجتماعية في جنوب امريكا و الذي غلب عليه طابع الرق ( العبيد).

أبطال ذهبوا مع الريح:
نالت الرواية شهرة أوسع عندما ظهرت في فيلم طويل، في عام 1939 أنتجت هوليوود الفيلم الاسطورة "ذهب مع الريح" الذي أصبح فيما بعد علامة مهمة من علامات السينما العالمية، حتى عنوانه أصبح من الجمل المأثورة في تراثنا الانساني التي يستخدمها البعض بطريقة ساخرة للتعبير عن فقدان شئ، مدة الفيلم 4 ساعات تقريباً، وقد جلب خلال عشرة أعوام من بداية عرضه أكثر من 38 مليون دولار، وللفيلم أهمية خاصة كما هي أهمية الرواية، فهو احدى روائع السينما الخالدة الذي يؤرخ لتحرير العبيد في امريكا من خلال حبيبة امريكية جنوبية تواجه الخوف والفقر، كما يعتبر اول فيلم ناطق في السينما، بالاضافة الى أنه يعتبر من أهم الافلام الحائزة على جائزة اوسكار عن الحرب الاهلية الامريكية بين الشمال والجنوب، 65 عاماً مر على انتاج الفيلم وقد رحل جميع أبطاله باستثناء ممثلة واحدة وهي "اوليفيا دي هافيلاند"، تبلغ من العمر 88 عاماً، وقد انتقلت للعيش في باريس منذ عام 53 وتعيش في عالمها الخاص وما زالت تعيش بمخيلتها في عالم الثلاثينات الساحر، تعتبر حياتها العملية ناجحة مقابل حياتها العائلية فقد زار الموت والمرض عائلتها، توفي ابنها "بنيامين" من زوجها الاول في عام 1991، بمرض في القلب وكان يبلغ من العمر 42 عاماً، وابنتها "جيزيل" من زوجها الثاني الفرنسي، اصيبت بانهيار عصبي ادى الى مشاكل عصبية تعاني منها الى الان ولا تزال تحت العلاج، تعتبر اوليفيا ممثلة محترفة من الدرجة الاولى كما تميزت باحترام مواعيد العمل واتباع خطوات المخرجين بدقة، صرحت بانها شاهدت الفيلم 26 مرة وفي كل مرة تتأثر به أكثر، وبنظرها اقوى مشاهد الفيلم هو حريق اتلانتا، بالاضافة الى انها لم تحب شخصية "سكارليت" فهي شخصية مستفزة الى حد كبير، أما شخصية "ميلاني" التي قامت هي بدورها فكانت شخصية ناعمة محبة وسعيدة، بعد 4 سنوات من عرض الفيلم قتل الممثل "ليزلي هارود" الذي قام بدور الزوج البطل، اثر اصابة طائرة انجليزية من قبل القوات النازية اثناء الحرب العالمية الثانية، الممثل "كلارك جيبل" الذي قام بدور "ريت باتلر"، توفي اثناء تصويره فيلم عام 1960 فقد اصيب بنوبة قلبية، عام 1967 أصيبت الممثلة "فيفيان لي" بالسل الرئوي وتوفيت، وهي التي قامت بدور "سكارليت". حقائق لم تذهب مع الريح:
•حصل فيلم ذهب مع الريح على اكبر عدد من المشاهدين في تاريخ السينما، ولكن لم يندرج حالياً ضمن 200 فيلم الاولى بالنسبة للايرادات، وذلك يعود الى ثمن تذكرة السينما في امريكا عام 39 وهو ربع دولار، وعند عرض الفيلم ارتفع الى نصف دولار، مقارنة بسعر التذكرة حاليا وهو ما يقرب من 10 دولارات.
•أعيد عرض الفيلم في السينما الامريكية كل 5 سنوات على مدى ربع قرن، مما ساعد في زيادة ايراداته.
•بيع النص السينمائي للفيلم في مزاد بثمن يتراوح بين 10-15 الف دولار.
•عبارة "كلارك جيبل" الشهيرة في الفيلم "بصراحة يا عزيزتي أنا لا أهتم" حصلت على لقب أكثر العبارات السينمائية شهرة في التاريخ من قبل معهد السينما في قائمة ضمت 100 عبارة.
•حصل الفيلم على العديد من جوائز الاوسكار ووصل عددها الى 10 جوائز عام 1939، منها فوز مخرج الفيلم وكاتب السيناريو بجائزة الأوسكار، والجدير بالذكر أن "سيدني هوارد" أول كاتب سينمائي يفوز بالأوسكار بعد وفاته.
•تمكن كاتب سيناريو الفيلم "سيدني هوارد" من تلخيص الرواية بعدد صفحاتها الذي تجاوز الالف الى 200 صفحة مطبوعة على الآلة الكاتبة، دون أن تفقد الرواية الأصلية أهميتها أو اي من تفاصيلها.
•مخرج الفيلم "فيكتور فلمنج" كان خامس مخرج يتعاقب على الفيلم.
•رواية ذهب مع الريح احتوت على 1037 صفحة، تحولت الى فيلم سينمائي مدته 3 ساعات و42 دقيقة.

•ترجمت الرواية إلى ثلاثين لغة منها اللعة العربية.
•عند صدورها عام 1939 وصل حجم مبيعاتها الى 50 ألف نسخة في يوم واحد.
•بمناسبة مرور ربع قرن على صدور الرواية أصدرت الحكومة الامريكية طابعا تذكارياً.
•الكاتبة مارغريت ميتشيل توفيت وهي تبلغ من العمر 49 عاماً، وهي من بين القلائل الذين خلد اسمهم من عمل واحد فقط وهو ذهب مع الريح.

[email protected]