ما الذي أفعله في مدينة أنتِ لستِ فيها، حتى لو كانت نهاراته أليفة،ونهره يمشي في مجراه كتلميذ مهذب في طريقه إلى المدرسة؟
ما الذي افعله في مدينة، يفتشون في بواباتها عنكِ في قلبي كمنشور سري، ويمدون أيديهم إلى طفولتي المستقرة في أعمق نقطة من ذاتي؟
ما الذي أفعله في مدينة، حياتي فيها مرتبط بصك غفران أو إنصاف همجي لم يعد في قلبه مكان للحب؟
ما الذي أفعله في مدينة لا تنتظريني في غرف أحد فنادقها، تنتظريني بلهفة بعد سنوات الفراق القسري؟.. ما الذي أفعله في مدينة لا تطلين منها على وحدتي كقمر منير في الليل، وكشمس الضحى في ساحاتها وشوارعها؟
ما الذي افعله في مدينة جرفوا فيها كل أحلامي، وألقوا بقصيدتي الأولى في صندوق النفايات، مدينة ودعتني شابا، وتنتظر إيابي كهلا محطم الأحلام؟
ما الذي افعله في مدينة مات فيها الأصدقاء والشعراء، وأصبح فيها آخرون على مشارف النهاية؟
ما الذي افعله في مدينة ألبسوك فيها الحجاب، وغطوا نور عينيك الجميلتين بالظلام؟
ما الذي أفعله في مدينة يفتح فيها لي باب بيتي، غريب، لم أره ولم يرني، محتلا كل أركان الغرفة التي قبلتك فيها أول مرة، ونحن نرتعش من اللهفة، بعد لقاء شفتينا في لقاء فيه كل سذاجة القبلة الأولى، ظل فيه القلب يهفو وينبض وينظر إلى الحياة من خلف ستار وردي. غرفة تعاهدنا فيها على الوفاء، ورددنا لبعضنا بإخلاص وهمس وقبل quot; زوجتك نفسي..وأنا قبلت منكِ الزواج quot;؟
كيف أفهم هذا الغريب، أن أبي الطيب كان يجلس وحيدا في هذه الصالة ويستمع إلى أخبار العالم من الراديو؟
كيف افهمه أن شجرة التوت التي يقف تحتها، غرستها بيدي، واحتضنتك في ظلها، في باحة بيتنا في نهار تمنيت أن لا ينتهي أبدا؟
ماذا أفعل في مدينة، تمر من سمائها الطائرات بدل أسراب السنونو، وتمتليء شوارعها التي طالما ذرعناها معا، بالجثث، ويعشش في زواياها الخوف والموت؟
ماذا أفعل في مدينة تغتال الشعر والشعراء، والحب والمحبين، مدينة تمنع تجوال العشاق، وتمنع الرغبة واللهفة، مدينة تخاف فيها العصافير من البشر، والبشر من البشر؟
ما الذي افعله في مدينة أنتِ لست فيها؟

2/6/ 2006