من أمستردام - صالح حسن فارس: شهدت مدينة أمستردام على مدار أربعة اسابيع متتالية مهرجان هولندا العالمي للفنون(Holland Festival) وقد تجدد لقاء الجمهور في هذه الدورة مع وجوه جديدة واسماء لامعة وعروض متنوعة كما تضمن أعمالاً فنية مختلفة وعلى قاعات مسرحية عديدة. وكانت مفاجأة هذا الموسم، قطعة فنية نادرة مزينة أصوات الموسيقى والرقص والاغاني الشعبية اليابانية، تأملها الحضور بدهشة وبهجة، وتركت في نفوسهم المتعة وروعة الاداء في عرض من عروض المسرح الياباني (الكابوكي) على قاعة مسرح (سخاوبورخ) في أمستردام.
والكابوكي مفردة يابانية تعني: التمثيل الغنائي الراقص:
ك: الغناء
بو: الرقص
كي: التمثيل
وقد تأسس هذا الشكل المسرحي كردة فعل تجاه مسرح البلاط (النو)، ويستلهم مسرح الكابوكي مواضيعه من التاريخ والاسطورة والحياة اليومية ويرتدي الممثلون أزياءً مزركشه فخمة. ويعتبر نوعا من أنواع المسرح الشعبي القليدي الكلاسيكي، منذ أربعة قرون، وتعتمد عروضه على الموسقى والرقص وتقنيات الميم. العرض الذي شارك هذا العام كان من تقديم الفنان الياباني الشهير (ابيزو السادس).
بدأ افتتاح العرض بمشهد موسيقي تنقلنا أجوائه إلى ليلة من حياة عائلة يابانية اذ تصدح الاغاني الشعبية عبر اداء فني يؤديه الممثلون وهم يتبادلون أدوار الغناء فيما يستقر الموسيقيون بأماكنهم على جانبين المسرح.
المرأة الاولى،

لون المطر الازق، لونها
حزنه، حزنها
جماله، جمالها
المطر الأزرق،
(دنُ ومطر ازرق)
فهم لا يستطيعان النوم معاً،
ليس هناك وقتٌ كافٍ للنوم،
النوم مع المطر الأزرق
ذراعاه هما وسادة رأسي
الضباب يغطي المساء.
أغادر على مضض.
البجع يحلق صوب البيتquot;.

هكذا يُفتتح العمل بهذا اللحن الشاعري الشفاف الذي تفاعل معه الجمهور،ولم يهتم كثيراً بالحكاية التي هي معروفة ً لديه بل كان متفاعلاً مع طريقة التقديم والإداء المميزة.
والعمل مكون من قسمين: الاول بعنوان (متحف فوجي) والثاني بعنوان (كاسان). يروي هذا العمل قصة مثيرة وجميلة من قصص الساموراي حول الحب ، الهجر، الخيانة، الجريمة والثأر.
المسرح الكابوكي المعاصر يدور حول (الجمال والشكل) تقنياته مثيرة بايحاءات مسرحية وأزياء براقة وملونة ومؤثرات هائلة. ومن المثير أن جميع الممثلين في هذا الشكل المسرحي من الرجال ويلعبون أدوار النساء !! ويُفترض بهم تأدية أدوار النساء في حياتهم اليومية العادية أيضا، مما يجعلهم مرغوبين جداً في عالم الدعارة مما تسبب بخلق مشكلة اجتماعية أستدعت سن قانون بحصر هذا العمل على البالغين عام 1653 مع فرض حلق الشعر عليهم.
ينحدر أشهر ممثلي هذا المسرح من سلالة (ايجي كاوه) بما فيهم النجم المسرحي (ابيزو السادس) البالغ من العمر 28 عامأ، ويتعلم ابناء الاسر هذه المهنة منذ الصغر.
ينطلق الكابوكي من القناعة بأن الكلمات قاصرة عن الوصول إلى المعنى الجوهري للفعل فيتعلم الممثلون فنّ التقليد (المحاكاة) بتكرار الفعل جيلاً بعد جيل مما بلور تقاليد خاصة لهذا الشكل المسرحي وحسب الدكتور كمال الدين فان حركة الجسد عند الممثلين تلعب دوراً هاماً في عرض الكابوكي، اما الأزياء، تصفيف الشعر، دهان الوجه فكلها أشياء زخرفية معاونة للعرض. الاهم هو الرقص واللغة القديمة في الحوار المسرحي والمغامرات وقصص الحب في الموضوع الدرامي. وبذلك لاتنقل المعرفة عبر المهارة والإحتراف والتدريب بل عبر الموروث العائلي أيضاً فالممثل في هذا المسرح هو الرابط بين الماضي والحاضر. في الحياة اليومية اليابانية التي تتصف بهيمنة التكنولوجيا والعلوم الحديثة يعتبر هذا الشكل المسرحي واحة للهدوء يستعيد من خلاله الإنسان الياباني ذاته وجذوره الموغلة بالقدم. واذا كان الكابوكي يقدم في الازمنة الغابرة على ضفاف الأنهار وفي رحاب الطبيعة فقد استطاع ان يثبت جدارته كواحد من الفنون المهمة في حياة الانسان الياباني المعاصر موظفاً الكثير من تقنيات الحياة الحديثة لصالحه.
ختاماً أستطاع الممثل الياباني أن يقدم في مهرجان أمستردام عملاً مسرحياً أنيقاً وباهراً وبلغة شاعرية جميلة مع موسيقى وحكاية واقعية رومانسية.. وقد اثبت المسرح الشرقي أهميته للجمهور الهولندي عبر مسرح الكابوكي الذي جذب جمهوراً غفيراً في العمل الذي يعتبر من أفضل العروض الشرقية التي شهدتها الاراضي المنخفضة هذا العام، وقد ذكرت جريدة (Volks Krant) الهولندية أن عدد الحضور في هذا المهرجان زاد عن واحد وخمسين الف مشاهد، وكان العرض الياباني من بين أفضل عروض المهرجان.