ما زال الإنسان، في عقله الباطن، يؤمن بتعدد الآلهة، رغم اعتقاده، في عقله الواعي، أنه يؤمن بالإله الواحد في السماء. ففكرة الأديان بدأت بالتعددية التي كانت تناسب فهم الإنسان لآلية إدارة شؤون عالمه الذي يحتوي على مفارقات عديدة مثل الحر والبرد، النور والظلام، الحرب والسلام، الحب والكراهية، الخ. فوجود عدة آلهة، كل واحد منهم مسؤول عن ظاهرة طبيعية معينة أو عاطفة بعينها دون نقيضها، يعطي الإنسان صورة واضحة عن مسؤوليات الآلهة، وإلى أي إله يتوسل إذا أراد قضاء شئ معيّن. وعندما ظهرت فكرة التوحيد في زمن الفرعون أخناتون في مصر، لم يؤمن بها إلا عدد محدود من الناس جمعهم أخناتون في مدينة التوحيد " أخت أتن " (تل العمارنة) التي أنشأها خصيصاً لهم. ولم تدم فكرة التوحيد طويلاً في مصر إذ انتهت بموت الفرعون أخناتون ورجوع الناس إلى تعدد الآلهة.
ولأن التعددية مزروعة في العقل الباطن للبشر، حاول الكهنة الذين كتبوا القصص التوراتية أن يجعلوا من شخصية موسى الذي زعموا أنه قاد بني إسرائيل في خروجهم من مصر شخصية تملك مقدرات " ميتافيزيقية " تمثلت في انشطار البحر الأحمر لتسهيل عبور اليهود إلى أرض كنعان، وإنزال المن والسلوى من السماء، وانبثاق الماء من الصخرة التي لمسها موسى بعصاه. ولكن رغم كل هذه المعجزات، التي لو رأيتها أنا اليوم لآمنت بمن جاء بها، لم يؤمن بنو إسرائيل بموسى، وصنعوا لأنفسهم عجلاً من ذهب ليعبدوه. وحتى عندما رجع إليهم موسى وحطم العجل وأخذهم إلى طور سيناء حيث شاهدوا الإله ينزل من الغمام (حسب الميثولوجيا اليهودية) ليعطي موسى الألواح، لم يقتنعوا بفكرة الوحدانية. ورغم أن الإله أخذ ميثاقهم ألا يعبدوا غيره، تحايلوا على هذا الميثاق بأن أعطوا الإله الجديد عدة أسماء، يمثل كل اسم، في مخيلتهم، إلهاً آخراً. فسموا الإله " يهوه " ثم تغير الاسم إلى " أيل " ثم " إلوهم " ثم قالوا إن الإله من التقديس بمكان لا يسمح لشخص بالنطق باسمه، ولذلك اخترعوا اسماً جديداً له، فدعوه " أدوناي ". وكل هذه الأسماء ما هي إلا حيلة منهم للاحتفاظ بالتعددية. وعندما استقر بنو إسرائيل في أرض كنعان بدأ رجالهم الاختلاط بالقبائل الكنعانية التي تعبد الأصنام، فعبدوها معهم: " وَأَقَامَ إِسْرَائِيلُ فِي شِطِّيمَ وَابْتَدَأَ \لشَّعْبُ يَزْنُونَ مَعَ بَنَاتِ مُوآبَ. 2 فَدَعَوْنَ \لشَّعْبَ إِلى ذَبَائِحِ آلِهَتِهِنَّ فَأَكَل الشَّعْبُ وَسَجَدُوا لِآلِهَتِهِنَّ. 3 وَتَعَلقَ إِسْرَائِيلُ بِبَعْلِ فَغُورَ. فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلى إِسْرَائِيل." (سفر العدد، الإصحاح 25). وقد حاول إله إسرائيل الاحتياط من هذه التعددية فقال لهم: " 6 وَإِذَا أَغْوَاكَ سِرّاً أَخُوكَ ابْنُ أُمِّكَ أَوِ ابْنُكَ أَوِ ابْنَتُكَ أَوِ امْرَأَةُ حِضْنِكَ أَوْ صَاحِبُكَ الذِي مِثْلُ نَفْسِكَ قَائِلاً: نَذْهَبُ وَنَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرَى لمْ تَعْرِفْهَا أَنْتَ وَلا آبَاؤُكَ 7 مِنْ آلِهَةِ \لشُّعُوبِ الذِينَ حَوْلكَ القَرِيبِينَ مِنْكَ أَوِ البَعِيدِينَ عَنْكَ مِنْ أَقْصَاءِ الأَرْضِ إِلى أَقْصَائِهَا 8 فَلا تَرْضَ مِنْهُ وَلا تَسْمَعْ لهُ وَلا تُشْفِقْ عَيْنُكَ عَليْهِ وَلا تَرِقَّ لهُ وَلا تَسْتُرْهُ 9 بَل قَتْلاً تَقْتُلُهُ. يَدُكَ تَكُونُ عَليْهِ أَوَّلاً لِقَتْلِهِ ثُمَّ أَيْدِي جَمِيعِ \لشَّعْبِ أَخِيراً. 10 تَرْجُمُهُ بِالحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ لأَنَّهُ التَمَسَ أَنْ يُطَوِّحَكَ عَنِ الرَّبِّ إِلهِكَ الذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ \لعُبُودِيَّةِ." (سفر التثنية، الإصحاح 13). وكل هذه المحاولات لم تفلح. حتى الملك داود ارتد عن دينه في آخر أيامه. واستمر بنو إسرائيل يعبدون التعددية في عقلهم الباطن.
ثم ظهر في أرض كنعان التي كان يحتلها الرومان الذين أرهقوا أهلها بالضرائب، رجل شاب اسمه يسوع، من سلالة الملك داود. ثار هذا الرجل مع أتباعه ضد الرومان الذين تمكنوا منه وصلبوه. وزاد صلبه من عدد أتباعه الذين استمروا في ثورتهم ضد الرومان. وفي هذا الوقت ظهر بولس الطرسوسي Paul of Tarsus الذي كان قد تعلم في أورشليم القدس وتعاون مع الرومان في حربهم ضد أتباع يسوع الثائرين، ثم تغير بعد حُلم رآه وهو في طريقه إلى الشام، فأقام الديانة الجديدة باسم يسوع المسيح (Hyam M, The Myth-maker; Paul and the invention of Christianity, London 1986) وبنى بولس الديانة الجديدة على أسس ديانة " ميثرا " Mithra الهندوفارسية التي كانت تزعم أن الإله ميثرا (إله الشمس) ولد يوم 25 ديسمبر من امرأة عذراء، وحضر ولادته عدد من الرعاة الذين أحضروا له الهدايا وذبحوا حملاً ليكفروا به عن خطايا العالم. اتحد اليهود والرومان في محاربة هذه الديانة الجديدة التي تدعو إلى التوحيد. وانتشرت الديانة الجديدة خارج أرض كنعان بينما استمر الرومان في تعدديتهم. وعندما وصلت الديانة الجديدة إلى مصر، أرض التعددية الإلهية، بدأ أسقف الإسكندرية ونائبه " أثانيسيس " Athanasius بنشر فكرة التثليث (الأب والابن والروح القدس). ورغم معارضة القس آريوس لهذه الفكرة فقد أصبحت هي الطابع العام للمسيحية بعدما اعتنقها الإمبراطور قسطنطين الذي دفع مجمع نيقة في عام 325 ميلادية لاعتناق فكرة التثليث. وبهذا أصبحت المسيحية عند العامة ديانة توحيدية لكنها في نفس الوقت تشفي غليل العقل الباطن الذي يؤمن بالتعددية، رغم إصرار الأساقفة على أن فكرة التثليث لا تعني التعددية وإنما تعني إلهاً واحداً ذا ثلاثة أقانيم. وباعتناق أوربا للمسيحية أصبح البابا هو الإله الفعلي المعصوم عن الخطأ والذي يحيي ويميت، ويسجد الناس، حتى الملوك، عند قدميه. وتفرقت المسيحية فرقاً، لكل فريق إله مختلف. فنجد من يعبد مريم العذراء ويعتقد بظهورها في أماكن مختلفة، وبنوا لها كنائس مختلفة The Church of Our Lady وأصبحوا يتبركون بتماثيلها ويذرفون عندها الدموع ويقدمون لها الهدايا. وهناك كنيسة " المورمون " وكنيسة Jehova’s Witness وكنائس أخرى كثيرة لكل منها قديسون يتبركون بهم ويعتقدون في أنهم يمكن أن يكونوا واسطتهم إلى الإله الأكبر.
وقبل مجي الإسلام كان عرب الجزيرة يعتقدون بوجود إله في السماء، ولكن لبعده عنهم عقلياً وفعلياً، فقد عبدوا الأصنام المتعددة كوسيلة لتوصل ابتهالاتهم لإله السماء. وكانت كل قبيلة سعيدةً بصنمها. ثم جاء الإسلام ليعلن إلى العرب أن الله الواحد القهار خالق السماء والأرض لا يقبل أن يشترك معه أحد في السماء ولا في الأرض. وحطم محمد كل أصنام العرب، فأصبح التوحيد مفروضاً على الجميع. وكل من خالف التوحيد أصبح مرتداً يُقتل في الحال. ولكن رغم مظاهر التوحيد فقد ظلت التعددية تعشعش في العقل الباطن المسلم. وسواء عن قصد أو دون شعور واعي فقد جعل المسلمون من نبيهم إلهاً على الأرض، ينوب عن إله السماء، وألصقوا به صفاتٍ خارقة لقوانين الطبيعة. فجعلوه يصعد إلى السماء السابعة ويرجع في ليلة واحدة، فزادوا على ما قاله القرآن: " سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصي ". فلم تكن هذه الرحلة البسيطة من المدينة إلى القدس تكفي عقل المسلمين الباطن الذي يؤمن بالتعددية، فزادوا في الرحلة وجعلوه يصل إلى السماء ويجادل الله. وجعلوه يعلم الغيب رغم أنه يقول لهم في القرآن: " قل لا أقول لكم عندي خزائن الأرض ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن اتبع إلا ما يوحى إليّ قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون " (المائدة 50). ورغم أن النبي محمد قال لهم في القرآن: " إنما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليّ " فقد استمر المسلمون في تأليهه وجعلوه معصوماً عن الخطأ رغم أنه كبشر قد أخطأ عدة مرات. وزادوا أكثر وجعلوا كل فضلاته طاهرة يتبركون بها. فقد نقل الرافعي عن الفقيه الشافعي أبي جعفر الترمذي أن فضلات النبي طاهرة (شذرات الذهب للدمشقي، ج2، ص 221). ويقول ابن رشد القرطبي: " وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أصحابه يقتتلون على فضل وضوئه " (بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ج1، ص 20). ويقول ابن هشام عن زيارة المغيرة بن شعبة للنبي قبل أن يسلم: " فقام من عندِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رأى ما يصنع به أصحابُه،لا يتوضأ إلا ابتدروا وَضوءَه، ولا يبصق بصاقا إلا ابتدروه. ولا يسقط من شعره شيءٌ إلا أخذوه فرجع إلى قريش، فقال : يا معشر قريش، إنى قد جئت كِسْرَى في مُلكه، وقَيْصر في مُلكه والنَّجاشىَّ في مُلكه، وإنى والله ما رأيت مَلِكاً في قوم قط مثلَ محمد في أصحابه ". (السيرة النبوية لابن هشام، ج4، ص 282). فالنبي كان عند أصحابه أكثر من ملك. وعندما أراد عروة بن مسعود الثقفي أن يغدر بالنبي فيقتله، رأى ما كان أصحابه يفعلون: " ثم إن عروة جعلَ يَرْمُق أصحابَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم بعينيه، فواللهِ مَا تَنَخَّمَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم نُخامة إلا وقعت فى كفِّ رَجُلٍ منهم، فَدَلَكَ بها جِلدَه ووجهَه، وإذا أمرهم، ابتدروا أمرَه، وإذا توضأ، كادُوا يقتتِلُون على وضوئه، وإذا تكلَّم خفضوا أصواتهم عنده، وما يُحِدُّون إليه النظرَ تعظيماً له " (زاد المعاد لابن قيم الجوزية، ج3، ص 147). بل إن خادمته أم أيمن شربت بوله، كما يقول ابن الأثير: " وهي التي شربت بول النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال لها: "لا يَيْجَعُ بطنكِ أبداً".(أسد الغابة في تعريف الصحابة، باب الكنى من النساء).
وزادوا في تأليه النبي بأن جعلوا قوله أو فعله ينسخ الصريح من القرآن، مثل الآية الثانية من سورة النور: " والزانية والزاني فاجلدوا كل واحدٍ منهما مائة جلدة ". نسخوا هذه الآية الصريحة بقصة منسوبة إلى النبي أنه رجم رجلاً وامرأة من اليهود أتى بهما قومهما إلى النبي ليحكم فيهما لأنهما كانا قد زنيا. وليس هناك من سبب في الدنيا يجعل اليهود، الذين لم يصدقوا أن محمداً نبي، يأتون إلى محمد ليحكم على أحد منهم وعندهم التوراة التي قال عنها القرآن: " وكيف يحكموك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون بعد ذلك " (المائدة 43). فهذه المعاملة ليست تبجيلاً للنبي الإنسان الذي كانت مهمته إيصال رسالة الله إلى البشر، وإنما هي عبادة الإنسان للإله.
وليت المسلمين اكتفوا بذلك. فالقرآن يقول مخاطباً زوجة إبراهيم عندما بشرتها الملائكة بأنها سوف تلد صبياً: " قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد " (هود 73). فواضح هنا أن " أهل البيت " تعني زوجة إبراهيم. ثم قال القرآن كذلك مخاطباً زوجات النبي: " وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وأتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " (الأحزاب 33). وهنا كذلك الواضح من الآية أن أهل البيت هم أزواج النبي، ولكن فقهاء الشيعة زعموا أن أهل البيت هم علي بن أبي طالب و فاطمة بنت محمد وأولادهما وأحفادهما وأحفاد أحفادهما الذين أصبحوا أئمة معصومين عن الخطأ، وما زال الإمام الثاني عشر غائباً كل هذه السنين وسوف يرجع إلى الدنيا. وبعض غلاة الشيعة يألهون الخليفة علي بن أبي طالب. يقول الدكتور علي الوردي انه كان يتجول في زقاق من أزقة طهران فرأى على باب أحد المساجد عبارة تقول " قال الله تعالى: ولاية علي بن أبي طالب حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي " (مهزلة العقل البشري، ص 65). ويقول كذلك: " لو درسنا الثورات التي قامت في العراق في تلك الفترة لوجدنا في بعضها شيئاً كثيراً من الغلو. والظاهر أن أول من اتخذ العقائد الغالية سلاحاً له في ثورته هو المختار بن عبيد الثقفي. والمعروف أنه جاء بكرسي لأتباعه وقال لهم إنه كرسي علي، ولفه بالحرير وأقام له السدنة وأرسل حواليه الحمام يطير زاعماً أنها الملائكة. وأخذ الناس يتمسحون به تبركاً وحملوه أمام الجيش في المعارك " (نفس المصدر ص 64). وما مأساة جسر الأئمة التي راح ضحيتها أكثر من ألف شخص إلا برهانٌ علي أن الشيعة يتبركون بقبور أوليائهم أكثر مما كان يتبرك عرب ما قبل الإسلام بأصنامهم. ونفس الشئ ينطبق على المسلمين السنة. فلو ذهب القارئ إلى أي مجتمع ريفي في البلاد العربية أو الإسلامية لوجد أن الناس يتبركون بقبور أوليائهم ويقدمون لهم الهدايا ويطلبون منهم الشفاء وعودة المغترب أكثر مما يطلبون من الله. ولو طلبنا من غالبيتهم القسم بالله كذباً لأقسموا، ولكن لن يتجرأ أحدهم بالحلف بأحد الأولياء لأنهم يعتقدون أن عقاب الله يتأخر إلى يوم القيامة أما عقاب الولي يأتي سريعاً.
وحتى يبرر المسلمون لعقلهم الجماعي الواعي ما يفعله عقلهم الباطن من تعددية الآلهة، جعلوا الله في صورة رجل منهم وأعطوه صفات الرجل من غضب وفرح وضحك ومكر واستهزاء بالآخرين وجعلوا له وجهاً وأيادي وأرجل وساق. يقول ابن عساكر: " أن الله مستو على عرشه كما قال (^ الرحمن على العرش استوى) وأن له وجها كما قال (^ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) وأن له يدين بلا كيف كما قال (^ بل يداه مبسوطتان) وأن له عينين بلا كيف كما قال (^ تجري بأعيننا) وأن من زعم أن أسماء الله غيره كان ضالا وندين بأن الله يقلب القلوب بين أصبعين من أصابع الله عز وجل يضع السموات على أصبع والأرضين على أصبع. " (تاريخ دمشق، ج2، ص 304). ويقول ابن قيم الجوزية: " وَمِن هذا تفضيلُه سبحانه جنّةَ الفردوس على سائر الجنان، وتخصيصُها بأن جعل عرشه سقفَها، وفي بعض الآثار: ((إن اللّه سبحانه غرسها بيده، واختارها لِخيرته مِن خلقه)).(زاد المعاد، ج1، ص 10). وجعلوا لله سهماً وكنانة يصطاد بهما: " من أراد به خيرا أسكنه الشام وأعطاه نصيبه منها ومن أراد به شرا أخرج سهما من كنانته وهي معلقة وسط الشام فرماه بها فلم يسلم دنيا ولا آخرة. " (تاريخ دمشق لابن عساكر، ج1، ص 112). وجعلوا الله يقسم للنبي أنه لم يتخلى عنه. والقسم في حد ذاته يعني أن الله يمكن أن يكذب ولذلك أقسم للنبي ليؤكد له أنه لم يكذب. يقول ابن هشام في سيرته: " فجاءه جبريلُ بسورة الضحى، يُقسم له رُّبه، وهو الذي أكرمه بما أكرمه به، ما ودَّعه وما قَلاَه، فقال تعالى : { وَالضُّحَى(1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى(2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} (ابن هشام ج2، ص 84). وللتأكيد على أن الله يمكن أن يكذب، نجد المسلم إذا قرأ آية من القرآن يقول في نهايتها " صدق الله العظيم ". فإذا كان الله قد صدق في هذه الآية فلا بد أنه لم يصدق في غيرها، وإلا لما احتاج المسلم أن يقول بعد كل آية " صدق الله العظيم " لأن المفروض في الإله أن يكون صادقاً دائماً ولا يحتاج إلى شهادة عبده بأنه صدق. كل هذا يثبت أن الإنسان ما زال واقفاً عند تعددية الآلهة ولم يتخطاها.