في اللغة العربية هناك عدة معان لكلمة (غشيم) فهي مشتقة من فعل ثلاثي (غشم). وغشيم وغاشم وغشوم صفات مشتقة من هذا الفعل. فنقول مثلاً (النظام الغاشم) أي النظام الظالم والجائر. وفي اللهجة العراقية الدارجة نقصد بالغشيم الشخص البسيط البليد وقليل الخبرة والتجربة. فنقول (فلان غشيم) أي أنه لا يعرف شيئاً. وتصريحات وزير الداخلية العراقي، بيان صولاغ باقر جبر الزبيدي، الأخيرة في وصف وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل بأنه «بدوي على جمل»، لدليل واضح على أنه إنسان يحمل المعنيين لكلمة غشيم في نفس الوقت. فهو جائر لأنه جانب الحقيقة وأنكر واقع الوجود الإيراني ودوره التخريبي في العراق. كذلك هو غشيم بالمعنى العراقي للكلمة، أي قليل الخبرة، لأنه كوزير مسؤول كان عليه أن يترفع عن استخدام مثل هذه الكلمات الهابطة، خاصة وإنه نطق بها كممثل عن الدولة العراقية في مؤتمر صحفي وفي دولة أخرى وأمام الإعلام العالمي وضد وزير خارجية دولة مجاورة وشقيقة للعراق الجديد، علماً بأن تصريحاته تلك كانت تقع خارج صلاحيته كوزير للداخلية.
لقد وضع وزير الداخلية العراقي نفسه في موقف لا يحسد عليه ولا يمكن الدفاع عنه، حيث تصرف وكأنه شخص غير مسؤول يتحدث في مجالسه الخاصة وليس كسياسي كبير في حكومة خلفت حكومة البعث الفاشي التي سقطت بفضل القوات الأمريكية وليس بفضل الأحزاب الإسلامية والعلمانية العراقية. ولولا القوات الأمريكية والحليفة لكان صدام حسين مازال يحكم العراق وينشر في ربوعه المقابر الجماعية ولكان الوزير العراقي الهمام ما يزال في المنفى.
ليس بخاف على أحد أن العراق يمر الآن في مرحلة تاريخية عاصفة حيث الإرهاب وتصاعد موجة الجريمة المنظمة، فهو بأمس الحاجة إلى مساعدة العالم في مواجهة الإرهاب وبالأخص مساعدة دول الجوار. والحكومة السعودية وصحافتها لم تقصران في دعم العراق ضد الإرهاب.
لقد حذر وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل من خطر الانقسام الطائفي والتدخل الإيراني الفض والصريح في العراق. ومعظم الكتاب وأنا أحدهم، عراقيون وعرب وأجانب، كتبنا بهذا الخصوص وأشرنا إلى خطر التدخل الإيراني المتصاعد في الشأن العراقي. حتى أني ذكرت في مقالتي (من الذي يحكم العراق؟) وجود عدة حكومات في العراق إحداها حكومة إيرانية تديرها استخبارات إيران وحرس الثورة وجيش القدس، لها نفوذ في العراق أكثر من الحكومة العراقية الرسمية المنتخبة. فقد بات معروفاً لدى القاصي والداني أن من أهداف النظام الإيراني إفشال البناء الديمقراطي في العراق وإقامة حكم ولاية الفقيه الطائفي فيه. كذلك كتب الأستاذ عزيز الحاج مقالاً بعنوان (التصعيد الإيراني في العراق) ومثله الدكتور كاظم حبيب وآخرون. وهل قال الوزير السعودي أكثر من ذلك؟ وهل نسي الوزير العراقي الهمام أن معظم سكان العراق هم من العشائر والقبائل العربية التي نزحت إلى العراق من الجزيرة العربية وخاصة من نجد والحجاز في القرون الأربعة الأخيرة، وكانوا في الأصل بدواً يركبون الجمال؟
فالبداوة هي مرحلة من مراحل التطور، ومعظم الشعوب قد مرت بها خلال تطورها التاريخي. ولا نريد الدفاع عن السعودية في هذه المداخلة وربما نختلف معها في بعض من سياساتها، ولكن يجب أن نعترف أن من حق السعوديين أن يفتخروا أن حكومتهم استثمرت موارد بلادهم في البناء والتقدم الحضاري وقادتهم من البداوة وركوب الجمل إلى الحضارة وركوب طائرات البوينغ وعصر الإنترنت، بينما حكام العراق الذين ادعوا أنهم أحفاد حمورابي أعادوا شعبهم القهقرى إلى عهد البداوة وركوب الجمال. وما قيمة الماضي يا سيد بيان جبر إذا كان الحاضر مخجلاً وبهذا الوضع الكسيف الذي صار هم العراقي الوحيد في الداخل هو مغادرة عراق حمورابي بحثاً عن الكرامة والأمان، ووزارتك فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق هذين المطلبين؟ وما قيمة حضارة حمورابي صاحب أول قانون في التاريخ والعراق الآن ليس فيه حكم القانون وأنت في قمة هذه الحكومة؟ وهل الحزب الذي تنتمي إليه وأوصلك إلى الوزارة يؤمن حقاً بالديمقراطية والحداثة أم من أهم أهدافه إقامة حكم ولاية الفقيه، حكم يعيد المجتمع العراقي 14 قرناً إلى الوراء؟
من المؤسف أن وصل الصراع الطائفي في العراق إلى هذا المستوى المخزي. ومما لا شك فيه أن الأحزاب الإسلامية (الشيعية والسنية) هي التي غذت ومازالت تغذي هذه النزعة القاتلة وتعمل على تصعيدها. فهناك اصطفاف القوى والشخصيات حسب انتمائها الطائفي وليس حسب ولائها للعراق وخبرتها في خدمة الشعب وتطبيق مبدأ (الشخص المناسب في المكان المناسب). إن تصريحات الوزير العراقي تفتقر إلى أبسط أصول اللياقة والكياسة ولا تعبر عن ثقافة العراقيين وموقفهم. فأنا كعراقي أضم صوتي إلى تصريحات وزير الخارجية العراقي السيد هوشيار زيباري الذي ندد بتصريحات زميله بيان صولاغ جبر واعتبرها غير موفقة ولا تمثل السياسة العراقية.
لقد فشل الوزير بيان جبر في مهمته كمسؤول عن أمن المواطنين العراقيين حتى في حماية أخيه من الخطف، حيث تم خطفه قبل أيام وادعت ميليشيات (جيش المهدي) تحريره من جماعة الزرقاوي. والعملية كما أوضحها الكاتب العراقي السيد محمد هاشم، وهو من مدينة الثورة حيث اختطف منها أخ الوزير، أن جيش المهدي هم الذي اختطفوه ومن ثم أطلقوا سراحه وأرادوا بذلك إيصال رسالة إلى الوزير أنهم يستطيع ان يصلوه وعائلته متى ما شاءوا.
خلاصة القول، بغض النظر عن موقفنا من السعودية، إن تحذيرات وزير خارجية السعودية من الخطر الإيراني والانقسام الطائفي في العراق صحيحة وكان على السيد بيان جبر تجنب زج الحكومة العراقية في هذا المطب وفي هذا الوقت العصيب حيث يحتاج العراق إلى دعم الجميع لمساعدته للخروج من هذا النفق المظلم وليس إلى تصريحات غير مسؤولة.