السؤال الذي ينبغي الاجابه عليه من السيد يحي أبو زكريا، لو أراد، هل الإسلام خارج النقد من المسلمين أم انه قابل للنقد؟ فهو بالقطع خاضع للنقد من قبل غير المسلمين. أما إذا كان السؤال عصيا علي الفهم لديه ومستعصيا عليه إجابته فلنعيد صياغة السؤال بشكل اكثر مرونه وبقدر اعلي من التساؤل: هل الإسلام جبر أم اختيار؟ والسؤال يمكن لمن يصعب عليه الامتثال لما يطرحه طبقا لاقوال الفاضل الأستاذ أبو زكريا في مقالته المعقدون من إسلامهم أن نصيغه بصورة ثالثة "إذا كن هناك من هو معقد بسبب إسلامه أفلا يحق له التخلص من عقده ومسبباتها أم أن التكفير وحد الردة سيجعل من أبو زكريا حارسا وخفيرا علي مستشفي الأمراض المعقدة ليبقي ليزداد عدد نزلائها كلما وردت إليهم الأخبار والأحداث عن الإسلام والمسلمين الغير معقدين وفي حالة من النشوة الإسلامية ويرتكبون كوارث ومصائب تجعل من الملائكة أيضا نزلاء في مستشفي أبو زكريا في الأجنحة الخمس نجوم.
وعودة الي سؤال الجبر والاختيار الأكثر سهولة وهو سؤال، علي كل حال، جبري وليس إختياري.
إذا كان الإسلام جبرا فقد هدمت كل المعابد وبات من حق د. كامل النجار وغيره أن ينقدوا ويفندوا فساده كدين حتي لا يقعوا ضحايا ما كان جبرا لان الإنسان حر بطبعه ولا يجوز ان يجبر علي شئ ما. أما إذا كان الإسلام اختيارا فان من حق الجميع نقده أيضا حتى يتسنى لنا كشف فضائل ما اخترناه ومن حق من رفضه أن يكشف مثالبه ليبرر رفضه. وهنا لا يصح لأي شخص مهما كانت توجهاته وعقائده الدينية أن يحزن او يغضب لأننا في معرض فحص عقلي لما لنا وما علينا اختياره قبل الوقوع في فخه او الاستمتاع بمحاسنه، خاصة إذا ما اعتبرنا اننا لسنا ممن اختار يوما ما دينه علي وجه الخصوص. فكلنا أجبرنا علي أن نكون مسلمين نتيجة عسف آبائنا وأهلينا بنا ونحن في طور الطفولة والصبا. فلا أحد، في العالم العربي المتخلف، يحب ان يري ابنه علي غير دينه ولا ابنته علي غير دين اهلها لا لسبب سوي جشع الاهل في اكتساب بعض الحسنات والقصور والحور العين وما لذ وطاب في جنة الخلد لتقديمهم مسلمون جدد في ذلك الطابور الطويل من المؤمنين. ببساطة فالإنجاب والتربية علي دين الآباء ليست سوي تجارة بالبشر مع الله بعد تحويلهم لعبيد له او تابعين للأهل واولي الامر. أليس هذا هو الحال في اعتي الدول الإسلامية حيث الخروج عن الطاعة جريمة لا تقل عن جريمة الكفر.

ولندخل مباشرة في الموضوع الذي لا يعجب السيد ابو زكريا كما لا يعجبنا نحن ايضا؟
فاتهام د. النجار بعدم قراءة المصادر الإسلامية لمجرد أن حكمه جاء مخالفا لمزاج ابو زكريا فهو ما يجب علينا ان نتخلص منه في الاسلام حيث ان هذه الطريقة في صلب الاتهامات القرآنية لمن وقف منهم الاسلام موقفا معاديا. فاليهود اتهموا بانهم يخفون الحقيقة ولديهم كتاب مصدقا لما بين يديه. ( وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ {41} وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ {42} البقرة ) وكذلك ( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ {3} آل عمران).
فاتهام د. كامل بالجهل او نكران ما هو حق او عدم معرفته بكيفيه القراءه لهي سذاجة لا يجب ان نسوقها وكفي بنا اتهاما لبعضنا علي الطريقة العربية التي تفترض الاخر غير مؤهل للمعرفة انه من اصحاب الهوي. لكني سادخل منطقة شائكة تجعل ابو زطريا ممن تصطك اسنانهم اسماعه او قراءته لانه هو الذي جر شكلنا حيث يفضل التحليل الابستمولوجي كما جاء في حديثه " و هنا لابدّ من تحليل إبستمولوجي لظاهرة الإسلام فوبيا عربيّا..." افلا يجب ممارسة التحليل الابستمولوجي للنص القرآني ذاته قبل لن نطبقه علي من اتهمناهم بالمرضي واصحاب الصرع الديني.
فالمفردات الاسلامية المستخدمة في النص القرآني تعبر بوضوح لا لبس فيه عن الحياه البدوية الرعوية والقبلية. وهي حالة بدائية من ناحية التحليل الانثروبولوجي. مما يوحي بان النص خارج من الداخل وليس واردا من الخارج. فمنظومة القيم او العقوبات الجنائية او الاجراءات الادارية التي نص عليها القرآن لا تتفق واي مجتمع خارج ذلك النسق الاجتماعي في صحراء الجزيرة العربية. لهذا فان الديموقراطية، علي سبيل المثال لا الحصر، مازالت ممتنعة في بلاد الخليج، لا لسبب سوي ان العرف الاجتماعي لا يقبلها ولا يقبل الاختلاف او تناقض الاراء. والوضع المتدني للمراة في الاسلام وفي الحياة الاجتماعية العربية نموذج آخر رغم ان كل فقهاء الاسلام يقرون كذبا بان الاسلام اعطاها حقوقها غير منقوصة رغم ضرورة تغطيتها لان المسلم الذي هذبته قيم الاسلام لن يصبر عليها وهي بغير غطاء للشعر بل وربما يحدث ما لا تحمد عقباه ويسال علي جوانبه الدم لو انها قادت السيارة مثلا. فكيف يمكن شرح ان القرآن الذي هو صالح لكل زمان ومكان وانه سيصبح منطبقا علي معظم دول العالم بينما تراكيبها الاجتماعية والسياسية ارقي بكثير من ذلك الشكل القبلي في دول نشأة الاسلام والتي تسعد بتطبيق الشريعة الغراء؟ فالمسلم لن يصبر علي رؤية النساء الجميلات مع احتشامهن في الملبس والحديث لانه عقله الباطن مشغول بما هو وراء ذلك وكفي بالشكل مثيرا له. فماذا لو صدقت النوايا وتحدثت الغدد المحتقنة دوما عن اهدافها الخفية. الهذا يجب إخفاء النساء وان يقرن في بيوتهن خوفا من عدوان رجل مسلم يمشي في الأسواق ولا يجد من يحد من طاقته الجنسية شئ. وهل هذه هي العفة أم أن العفة هي وجود الجميع في مناخ طبيعي والاحتفاظ بدرجة عالية من الانضباط السلوكي؟
أما قصة أن الإسلام احدث نقلة نوعية وقياسية، حسب قول ابو زكريا، في مجتمعات الجزيرة ودول الجوار فهي كذبة صريحة يرددها كثيرين من الفقهاء واصحاب الفتاوي المضحكة، فالناس من غير العرب خارج الجزيرة العربية كانوا اكثر رقيا من العرب داخل الجزيرة. ولعل اضطرار الله للتحدث إلى الداخل دون الخارج يشي بان النص كان موجها للأكثر تخلفا وعليه فلم تكن هناك ايه حاجة لتسيير نبوة او رسالة لمن هم خارج الجزيرة. فالآخرين كانوا يملكون العلوم والمعارف واصحاب ثقافات لم توصف يوما بأنها جاهلية. هنا يمكن فهم لماذا تدهور حال هذه المجتمعات بعد أن تم غزوها بأهل الجاهلية ومعهم القرآن والإسلام. فما تم نقلة من الداخل إلى الخارج هو الجاهلية وليس الإسلام. لكون الإسلام معهم وما زالوا كما تري وما ليس في حاجة الي تفنيد. وإلا فكيف بالله يمكن ان يصبح المصري او اللبناني المؤمن يفتخر بشكل ببغائي بتخلصه من وأد البنات بينما نسائه في مجتمعاته كانت ضمن الملكات والامراء في تاريخه الاقدم من الاسلام.
قضايا كثيرة هي تاريخية بالاساس لا نجد لها سندا في منظومة القيم الاسلامية يمكن التعويل عليها للايمان بالاسلام بينما إذا وصلنا الي قانون العقوبات المسمي بالشريعة الإسلامية فهو ما لا يمكن تطبيقة لا لسبب سوي انها لا تصلح لانها وضعت لحالات خاصة للافلات من اتهام ما او تخلصا من حرج اجتماعي في ظرف محدد. إنها اسباب النزول يا استاذ ابو زكريا الذي بح قلم د. النجار في تبيانه. بل وان هناك تشريعات يحاول الاسلاميون تطبيقها وبعضها فعلا مطبق رغم عدم وجود نص صريح بذلك كما هو الحال في حالة الردة او الكفر بالاسلام. وهو تناقض فاضح لم يصل فيه المسلمون الي قرار حضاري يتناسب واخلاق العصر الليبرالي. وهنا يبزغ ثانية سؤال هل الاسلام جبر ام اختيار حتي يقتل من قرر اختيار دين آخر؟.
عودة الي التشريعات التي تعتبر مبررا في وقتها للخلاص من تهمة او من مازق اجتماعي فلا ينبغي ان تكون الحالات الخاصة معممة ويكون الخاص مصدرا للعام. بينما العكس هو الصحيح. بل ان الامر يكون اكثر غرابه لو اننا فحصنا النصوص في ضوء استخدامها الامثل بما يتفق ويرضي اصحابها وعندها يصبح الدال والمدلول ولنقل اللفظ والمعني في تطابق تام دون ادني شبهة للبس. لعل أبو زكريا يذكر طرق الزواج عند العرب قبل الإسلام، فاذا لم يكن علي علم بها فليرجع إلى سلسلة عالم المعرفة الكويتية او أبحاث جواد علي فيما قبل الإسلام. فما سمي زواجا بعد الاسلام ليس سوي ركام ما كان قائما قبله. فالتعدد والمتعة وملك اليمين هي ضمن تلك الأمور بينما كان الزواج ارقي في مصر القديمة مثلا حيث لا لبس فيه لانه ثنائي القطبية. أما إذا ذهبنا الي الطلاق فالحال افدح من الزواج كذلك الزنا حيث اعتمد شرعا تحت مسمي تعدد الزوجات علنا. بينما من يريد إطفاء شهوته سرا دون أي ضرر او اذي للآخرين عندها يبدأ النفاق العربي في التفتيش داخل الغرف بالتجسس والتحسس الممنوعين نصا وخلقا.
الحالة الاكثر فداحة هو ان تعاشر المرأة رجلا غير زوجها إذا ما اراد زوجها عودتها بعد الطلاق الثالث. ولا نعرف حقيقة ما الضرر في العودة اليه دون أن يتذوق عسيلتها رجل آخر حسب قول الحديث. فليطلق الرجل زوجته الف مرة ومن حقه ومن حقها ان يعود او تعود اليه دون تدخل عضو ذكري غريب في العلاقة بينهما مما يجعل العلاقة بعد العودة من احضان المحلل جحيما بين الاثنين. فلماذا لا يقول الاسلام ان العودة تصبح مستحيلة او يلغي تدخل ذكر آخر في تلك العلاقة. فهل النص هنا خالق للمشاكل ام ان المسلم اصبح كالمحتاس فيما لا ذنب له فيه.
اما في القول بالا تكتموا الشهاده فهو يدعوا في موضع آخر لكتم الشهادة إذا ما راي احد جريمة زنا ولم يكن هناك ثلاثة آخرون معه ليؤيدوا رايه كما في القول فآتوا باربعة شهداء. مثل هذه الحالات الخاصة التي كانت وقفا علي السيدة عائشة لتبرئتها من تهمة الافك الشهيرة كما جائت في سورة النور جعلت صدقية امر ليست مرهونه بالكيف إنما بالكم. فهل رؤية ثلاثة لواقعة ما يجعل الواقعة باطلة؟ وهو سؤال في المنطق قبل ان يكون سؤال في الايمان. لهذا قال ممن لم يتملك الايمان قلوبهم انه لو كان هناك اربعة شاهدوا الواقعة لكان علي النص القرآني ان يطلب خمسة لان المطلوب في هذه الحالة هو التبرئه علي وجه العجل وليس استشراف الحقيقة. فالنبوة كانت وما زالت لم تكتمل والاوامر لما علي المسلمين من اهل المدينة ان يتبعوه ما زالت في حاجة الي مزيد من النصوص. مثل تلك الحادثة هي حالة خاصة مرتبطة بوضع لا قبل لاحد ان يبرأ او يكذب لها. فعندما اتي ثلاثة شهود ليشهدوا بما رؤوه كانت الحاجة للخروج من المازق ملحة لاكتمال النبوة وغاية الوحي. ولماذا يجلد شخص، شخصين او ثلاثة لمجرد انه شهد بما راي بغض النظر هل هناك شهود آخرين من عدمه؟!!
فكيف يمكن ان تصبح مثل تلك الحالات كقانون عام تنطبق في كل حالة. امثلة كثيرة إذا ما اقمنا مراجعة للنصوص او مقارنة بين القانون الحالي الواسع والرحب وبين الشريعة الجامدة. لعل الأستاذ ابو زكريا يرضي قليلا ببعض من النقد لان النقد قد وصل الينا وفي عقر دارنا حسب قولة جحا في المثل الشهير المنسوب اليه.
فليس العديد من المسيحيين العرب هم ممن صبوا جام غضبهم على الإسلام السياسي، لكن المسلمين ايضا بدؤا في الضجر من كل هذا الغثاء الذي يلقي علينا باسم الاسلام. خاصة وإذا ما عقدنا مقارنه بين وضعنا قبل ان يظهر الاسلام السياسي وكيف بات الاسلام الحالي يزج بنا الي الخلف ونصبح ارهابيين وبين مجتمعات ليس لها في الاسلام من مأرب وغير مهتمة به، بل ونسعي نحن باسلامنا المعتدل او المتخلف للحاق بها.... إنها عتمة فكرية أبعد ما تكون عن الموضوعية و المنهجية

كاتب المقال باحث انثربولوجي

مواضيع ذات صلة:

يحيى أبو زكريا: المعقدّون من إسلامهم!

د. كامل النجار: من ينقد الإسلام ليس معقداً منه يا أبا زكريا

يحيى أبو زكريا: مغالطات كامل النجّار