-1-
ما حدث بالأمس في الأردن من تفجير لثلاث فنادق وقتل أكثر من ستين بريئاً وجرح أكثر من 300 شفاهم الله، لم يكن بالأمر غير المتوقع في الأردن، كما أنه ليس بالأمر غير المتوقع في أي بلد عربي يكون فيه ما في الأردن من عناصر تشجع على الارهاب، التي تدعوا للانتحاريين بالجنة، وتطلق عليهم "المقاومة" الشريفة، وتطلق عليهم صفات التبجيل والتمجيد.
البركان الارهابي الذي انفجر في الأردن بالأمس، كان متوقعاً. بل تأخر وقوعه كثيراً نسبة لما يحصل في الصحافة الأردنية، وفي داخل النقابات الأردنية، وفي المساجد الأردنية، وفي أروقة الأحزاب الأردنية الدينية والقومية.

-2-
منذ فجر التاسع من نيسان 2003 وسقوط النظام البائد في العراق، وأقلام أردنية كثيرة في الصحافة الأردنية تمتدح الارهاب القائم بالعراق وتطلق عليه "المقاومة الشريفة"، وتكيل له المدائح شعراً ونثراً. ولم نقرأ في الإعلام الذي كان معظمه مشترى من
نظام صدام حسين بالكوبونات النفطية، والرواتب الشهرية، والسيارات الألمانية، والمنح الدراسية.. الخ كلمة حق كانت تقال في هذا الارهاب، وفي هذا الدمار الذي يلحق بالعراق في كل يوم. بل العكس من ذلك فقد عُرف الأردن بظاهرة لم توجد في أي بلد عربي، وهي ما أطلقنا عليه "أعراس الدم" التي كانت تقام خاصة في مدينة السلط للانتحاريين الارهابيين في العراق، الذين كانوا يعتبرون عرساناً يحتفل بعرسهم وتوزع فيها الحلوى، والتي كتبت عنها جريدة "الغد" الأردنية اليومية، وكانت فضيحة اعلامية أردنية كبرى.

-3-
ما حدث بالأمس في الأردن كان نتيجة لكل هذا، ولهذا التبجيل والتمجيد الديني الذي كان يتم من قبل أئمة المساجد الأردنية الذين كانوا يدعون للارهابيين في العراق وفلسطين بالجنة، ويثنوا عليهم ويبشرونهم بالحور العين وسلال التين. وإن كل من استمع إلى خطب الجمعة والدروس الدينية التي كانت تلقى في كثير من مساجد عمان وخاصة في الأحياء الشعبية، كان يدرك حجم الحشد والاشادة والإثارة والتأييد والدعم المعنوي للارهابيين الانتحاريين في العراق وفلسطين والسعودية.

-4-
ما حدث في الأردن بالأمس كان انفجاراً بركانياً ارهابياً نتيجة للنشاط الإعلامي الذي كانت تقوم به النقابات الأردنية التي تحولت إلى خلايا اعلامية للارهاب، ومنبراً عالياً للدعوة للارهاب، من خلال المؤتمرات والندوات والمظاهرات التي كانت تقوم بها النقابات التي يسيطر على معظمها الإخوان المسلمون، ويسيطر على الباقي منها حزب البعث. وهما الفئتان الرئيسيتان اللتان تدعمان العمليات الارهابية في العراق وفلسطين والسعودية، وتناصب الحداثة والديمقراطية والحرية العداء المستحكم.

-5-

لقد كان الأردن هدفاً رئيسياً للعمليات الارهابية منذ زمن طويل نتيجة للسببين الرئيسيين التاليين:
الأول، أن الأردن بحجمه الصغير وضعف امكاناته وقدراته كان أشجع بلد عربي في العالم العربي يقدم على السلام، ويركب مخاطره وأمواجه العاتية. ويتحدى بالسلام كبار المنطقة و"القوى العظمى" فيها. فهو الذي كان متحمساً لعقد اتفاقية للسلام بعد معاهدة السلام المصرية مباشرة في 1979، لولا نصيحة الحكماء. ولكنه عاد ووقع معاهدة سلام في 1994. وهو الذي سار بكل شجاعة إلى جانب كل دول عربية نشدت السلام من تحت الطاولة ومن فوق الطاولة.
وثانيا، أن الأردن وهو البلد الصغير والفقير والوحيد في العالم العربي (وهنا كانت الدولة وليس الشارع الأردني المعبأ بالقوى الدينية والبعثية) الذي وقف إلى جانب الشعب العراقي حين فتح مستشفياته وعياداته للجرحى من المواطنين والجنود ورجال الشرطة العراقية. وهو البلد الوحيد الشجاع الذي قام بتدريب رجال الجيش والشرطة العراقية لمساعدة الشعب العراقي على بناء مستقبله الجديد. وكان كل هذا في ظل معارضة الكثير من الأحزاب الدينية والبعثية التي كانت مشتراة من النظام البائد، وفي ظل معارضة النقابات المهنية التي كانت ترضع من الناقة الصدامية، وفي ظل معارضة الإعلام الأردني الذي كان يأكل من الكتف الصدامي.

-6-
كان الأردن بلداً مستقراً
برأي الكثيرين، ولكن هذا الاستقرار كان كاستقرار البركان الذي يمكن أن ينفجر في أية لحظة نتيجة لصفائح طبيعية تحركه تحت سطح الأرض. مثله في ذلك مثل أي قطر عربي. وكانت هذه الصفائح هي الأحزاب الدينية والبعثية والنقابات والمحرضون على القتل من كتبه الأعمدة الصحافية.
وفي الماضي استطاع الأردن أن يحول دون انفجار البركان، وأن يحبط محاولات ارهابية كثيرة بفضل جهازه الأمني القوي. وما حدث في الأردن البارحة من تفجيرات انتحارية ارهابية هي الأولى من نوعها في تاريخ الأردن ليست دليلا على عجز الأجهزة الأمنية وضعفها، فقد حصل أكبر من ذلك في امريكا وفي بريطانيا ويحصل الآن في فرنسا. فالعالم كله معرض لداء الارهاب الذي أصبح كأي وباء فتاك آخر يمكن أن يصيب أية أمة. والعبرة هنا بالوقاية والتي هي فتح الأعين العمياء عن الحق والقلوب الصماء عن الحق والألسن الخرساء عن الحق والعقول البلهاء، لكي تكتشف حقيقة المستقبل العربي الذي هو قطعاً ليس بالارهاب وليس بالانتحاريين، ولا يأتي عبر الأثير من جبال تورا بورا ومرتفعات كشمير.

-7-
لقد انتهز الإخوان المسلمون والبعثيون وزعماء النقابات من هذه الأحزاب وأئمة المساجد وأصحاب الصالونات السياسية وكثير من كتاب الأعمدة اليومية والأسبوعية في الصحافة الأردنية والعراقيون من فلول العهد البائد الذين يقيمون بالأردن هامش الحرية والديمقراطية المحدود، وراحوا كجبهة معارضة – كما يطلقون كذباً على أنفسهم – يقيمون المعابد والأصنام والأوثان للديكتاتورية والارهاب . واليوم يكتشف الشعب الأردني والشارع الأردني – إن كان لا يزال في وعيه – بأنه كان مخدوعاً، وبأنه دفع الثمن غالياً نتيجة لهذا الخداع، وبأن عليه أن يرفض دعوات الموت الانتحاري المجانية، ويعود إلى العقل، لكي لا يصبح الأردن منطقة منكوبة.