تبكي وأنت تعاين انحدار الفن المهجري إلى القعر، بعد أن كاد يتبوّأ القمّة. كيف لا، وقد قدّمت أعمال فنيّة مهجريّة رائعة، لاقت التشجيع من الناس ومن الإعلام في آن واحد. وأصبحت ذات علامة فارقة في تاريخنا الفنّي المهجري في أستراليا.
أمّا الأن، فالحالة الفنيّة يرثى لها، تماماً كالحالة الأدبية، وبدأت تتقوقع على نفسها، لا خوفاً من عدم إقبال الناس عليها، بل خوفاً من المتعاملين في هذا الحقل!
والكلام الذي سأقوله قد ينطبق على الحالة الفنية في معظم الجوالي العربية المنتشرة في كل بقاع الأرض، خاصة وقد غاب عنها تشجيع الدول والمؤسسات الفنية والإعلامية والمرئية وما شابه، واحتضنتها حماسة الأفراد واندفاعهم لعمل شيء ما يثبت وجودهم كعرب في تلك البقعة من الأرض.
قد يتعجّب البعض من هذا الكلام، ولكن أكثرية العاملين في الحقل الفني سيوافقون على كل كلمة سأكتبها، هذا إذا بقي عند البعض منهم حب التغيير والإنتفاض والنهوض بعد كبوات كثيرة
عديدون هم الذين تحمّسوا لإنتاج أعمال مسرحيّة في هذا المقلب البعيد من الأرض، لا حبّاً بالإنتاج بل إثباتاً للوجود، ودعماً للتراث العربي العريق. ولكن سرعان ما ينقلب السحرعلى الساحر، ويدرك المنتج المسكين أن أمواله قد ذهبت في مهب الريح، وأن الرفاق الذين وثق بهم هم الذين غرّقوه في الديون والفائدة.
وكثيرون هم الذين سهروا الليالي من أجل أن تهبهم مخيلتهم نصّاً مسرحياً يشرف أسماءهم ويرفعها، فإذا بهم، لحظة العرض، يجدون أنفسهم أمام نص مسرحي لا علاقة لهم به، وتبدأ الانتقادات السلبية تنهمر على رأس المؤلف، دون أن يتمكّن من رد سهامها. وكيف يرد السهام وهو عاجز عن التصريح بما أصاب نصّه من تشويه، وتجعيد، ونكات ارتجالية سخيفة.
ومن منّا يجهل ما بين الممثلين من حساسيّات، جعلت البعض منهم يبتعد عن التمثيل مكرها، إذ أن كل واحد منهم لا يقبل إلا بلقب المرحوم فريد شوقي، وحش الشاشة، أو بلقب فاتن حمامة، سيدة الشاشة، وخذ على تنافس، وشتائم، وثرثرات عقيمة لا تجدي نفعاً.
كما لا ننسى كيف توزع البطاقات على الممثلين والممثلات بغية بيعها، وتسليم ثمنها للمنتج المسكين، وبعض عرض المسرحية يختفي الممثلون، وتتبخّر الأموال.. هكذا والله!
إذن هناك مشكلة.. ولكن من السهل حلّها إذا تضامن عشرة ممثلين فقط، وأقسموا أن ما يصيب الواحد منهم يصيب الكل. وأن ما يخسره الواحد منهم يتقاسمه الكل. وأن لا غدر ولا ثرثرات ولا تشاوف فيما بينهم.. فإذا وقع ممثل وقع الجميع، وإذا ارتفع ممثل ارتفع الجميع ..
عندئذ خذوا من هذه الفرقة المسرحيّة العجب العجاب.. وصدقوني إذا قلت أنها ستغزو العالـم العربي بأقل من ثلاث سنوات.. خاصة وقد أصبح عندنا بث تلفزيوني موجه للعالم العربي، بعد أن كنا نتلقى البث منه، ونتعم بمشاهدة برامجه.
مسرحنا الإغترابي بحاجة إلى نفض.. فلتبدأ مكانس الشرفاء قبل أن تركعهم وتركعنا الشيخوخة .
قديماً ردّ عليّ البعض، وقالوا كلاماً لـم أفهمه، ولن يفهمه أحد، لأن الواقع المر يقول عكس ما يقولون، ولأن الحقيقة كالشمس لا تحجبها ورقة، ولا تسوّدها خربشات قلـم،. فلو صاح مليون ديك، وقاقت مليون دجاجة، ستبقى الحقيقة هي الحقيقة إلى يوم الدينونة .

[email protected]