لم تختار المرأة السعودية بقاءها معزولة عن الحياة إنما تم فرض ذلك النهج على طريقة (أمنا الغولة) التي كنا نسمع عنها في الأفلام المصرية عندما كنا صغاراً، وأمنا الغولة التي يتم تخويف المرأة السعودية بها هو (الرجل) الذي وصل الحال ببعضهن بالخوف من إلقاء السلام عليه ولو من خلف الباب أو حتى من خلال أسلاك الهاتف خوفاً من تحرك الشهوة ومن ثم وقوعها في المحظور والتي تذكرها بها الفتاوى يومياً باستدلالات من نصوص الكتاب والسنة التي احتكرت بعض الفئات تفسيره وتأويله لهم حتى أصبح من مسلمات الدين الإسلامي عدم الخوض في النصوص ممن هم ليسوا من أهل الاختصاص، وكأن العقل البشري قد خلقه الله مختصاً.
هذا الرجل الذي تخافه المرأة جاء إما مؤيداً ومنفذاً لخنق إنسانيتها وإما حاملاً طوق النجاة من بعيد شريطة أن تتقدم هي لتتعلق به، هذا بالضبط ما دار يوم أمس في أروقة مجلس الشورى عندما أصر الدكتور محمد آل زلفة على تقديم توصيته الخاصة بشأن قيادة المرأة للسيارة، تتبعت كغيري من الصحفيين هذا الحدث وقد أختلف عن البعض منهم بأن القضية تمسني شخصياً لأني امرأة من هذه الأرض، الذي يهمني في هذا الأمر هو تخوف بعض أعضاء مجلس الشورى الذين اتصلت بهم من التعليق على هذا الموضوع وكأنه (جريمة) بل إن بعضهم نصحني بأنه لا يجوز الحديث في هذا الأمر، في تلك اللحظة شعرت بالألم لنفسي ولكل امرأة فإلى هذا الحد وكأننا نتوسل للرجل العطف علينا، ولا أظن أن شعوري جاء مختلفاً عن شخص يمد يده للناس حاجة، فإلى متى وفريق النساء الرافض للخنق يقف منتظراً لرجل عطوف ؟؟

هذا ما يجعلنا نمعن النظر في كثير من المشاهد اليومية التي نراها بدءاً من تعويد الفتاة على عدم ممارسة الطفولة وحبسها داخل كيس أسود يدعى (العباءة) وحتى حال معلماتها قبل الخروج أو الدخول من بوابة المدرسة، مرتعدة، خوفاً من أن يظهر شيئاً من أطرافها وخوفاً أيضاً من سقوط العباءة من على الرأس لتستقر على الكتفين فتعد من وجهة نظر منهجية وزارة التربية والتعليم (غير ملتزمة) ومن حق حارس المدرسة العجوز في ذلك الوقت أو حتى أي من الرجال المارة أن ينهرها ويأمرها بالحشمة بحكم السلطة الذكورية التي هي من حق أي شخص مدون في بطاقته الشخصية الجنس (ذكر) أما في الداخل فقد تعقد داعيات المدرسة اجتماعاً طارئاً – ولقب الداعيات يطلق على معلمات المواد الدينية رسمياً في مدارس البنات - للبت في أسلوب إرشادي مكثف لدعوة هذه المعلمة أو حتى الطالبة للعدول عن فسقها، وتشرع الداعيات في مشوار الدعوة إلى الله لكسب المثوبة والأجر صابرات على ما يلاقينه من وجم وغضب ردود فعل " المدعوة " قياساً من وجهة نظرهم على أجر الجهاد وما يتبعه من مشقة وتعب جميعها تعود إلى كونها في سبيل الله.
هذا لا يعد كونه مشهد من مئات المشاهد اليومية والتي تؤكد على أن المرأة السعودية لم تختار هذا العزل بمحض إرادتها حتى المتشددة منهن أو ما يطلق عليه – داعية – فهذه مصيبتها أعظم لأنها وقعت ضحية سهلة لتيار فكري استباح لنفسه الغلو والتشدد ليعيد تشكيل الدين الإسلامي بالصورة التي تتواءم ومصالحه، ومن هنا يلح الطرح في سؤال حول " عزل المرأة السعودية لمصلحة من ؟ " فجميع الثقافات تؤكد بضرورة الاستفادة من المرأة كمواطن قادر على بناء وطنه اقتصادياً وثقافياً وسياسياً واجتماعياً أيضاً، في ذلك أنا متأكدة من أن المناقضين لدعوة منح المرأة حق العيش الطبيعي سيقول بأن المرأة لدينا تشارك في كافة الميادين وخصوصاً بأننا هذه الأيام أصبحنا نسمع كثيراً مسمى – سيدة أعمال – والتسهيلات المتاحة لها، وأغلب الظن أن هذا المسمى لا زال صورياً وأبسط مثالاً على ذلك أن سيدة الأعمال ليس من حقها أن تسافر خارج البلاد لصقل خبرتها التجارية أو لحضور مؤتمر أو حتى لعقد صفقات بدون (محرم) وفي الأوساط المتطورة والتي تمنح المرأة حق السفر وحدها فإنه ليس من حقها أن تتجاوز كاونتر الجوزات بدون تلك البطاقة الصفراء التي تنص على موافقة رسمية من ولي أمرها بالسفر.
وإلى جانب كارثة سيدات الأعمال فإن كارثة الطبيبات لا تقل عنه، تحدثت ذات مرة إلى عدد من الطبيبات اللاتي يشعرن بالغبن والقهر جراء السياج الاجتماعية والقانونية التي تمنعها من حق ممارسة مهنتها بالشكل الحقيقي، تذكر لي إحداهن أن زميلها الطبيب يمنح له الحق الكامل لحضور مؤتمرات طبية دولية كما أن له الحق أيضاً لتطوير نفسه وتخصصه وإجراء البحوث في أي جامعة في العالم، بينما الطبيبة ليس من حقها ذلك، فالسفر ممنوع وعليها أن تبقى حتى سن التقاعد بشهادة التخرج فقط !! ولعل هذا ما يجعلنا نفرح بالأسماء الطبية النسائية المميزة رغم أنهن قلة تمكن من كسر القيد، وبعضهن سنحت لهن الظروف بمرافقة الزوج أو أي من أولياء أمرها المتعددين شرعاً للسفر إلى الخارج والذي لا يأتي غالباً تفضلاً من هذا الولي بل إنها الظروف التي تسببت في سفره من جهة عمله.

في ذات السياق مر علي أحد مشاهد فلم (الخضوع) للصومالية هيرشي علي – عضوة البرلمان الهولندي - والذي تسبب بمقتل مخرج الفلم الهولندي فان كوخ على يد أحد الإرهابيين الذين نصّبوا أنفسهم حماة للدين الإسلامي، هيرشي أعلنت تحررها من كل القيود التي تمنعها ممارسة الحياة التي خُلقت من أجلها، حتى وإن كان دينها الذي وجدت نفسها عليه دون أي اختيار منها، كانت تريد أن تُظهر في هذا الفلم إقصاء الإسلام للمرأة فخطت الآيات القرآنية على جسد امرأة عارية كصورة مجازية للاضطهاد والظلم، في الحقيقة لم تكن هيرشي مخطئة ولا مذنبة فيما صورته، بل إن التفاسير التي يخرج بها بعض العلماء هي صورة واضحة لصدق هيرشي في فلمها، ومن ثم يهب المدافعون السطحيون بقذائف حارقة نحو الفلم ومؤلفته بل وصل الأمر إلى إراقة الدماء وقتل المخرج ولازالت هيرشي مهددة بالقتل حتى اليوم والمؤكد أن الغضب الحقيقي كان نابعاً من كون الآيات مخطوطة على جسد (امرأة) ولو فرضنا أنها ظهرت على جسد رجل لما وصل الغضب لهذا الحد بحكم أنه أعلى منها درجة !!
وما دام وجه المرأة عورة، وما دامت الفتاوى تتطاير في كل صوب نحو تحريم خروج المرأة من البيت ومنهم من أظهر انفتاحاً وتسامحاً بل وتفضلاً على المرأة بقوله (إلا للضرورة) فهل حقاً هذه الصومالية أفترت؟

صحافية سعودية
[email protected]