الحكم على خبيرة التجميل الأسترالية شابيل كوربي بالسجن عشرين سنة، بسبب كمية من الماريوانا وجدت ضمن حقيبتها، هيّج الأستراليين ضد أندوسيا أكثر مما هيجتها تفجيرات بالي التي راح ضحيتها مئة شهيد من أبنائنا، والسبب في ذلك يعود إلى اعتقادهم الراسخ ببراءة شابيل كوربي، وبواجب عودتها إلى بلادها معززة مكرمة.
هنا، بدأت مجموعة كبيرة من الشعب الأسترالي الغاضب تلجأ إلى الاحتجاج السلمي، منها من أعلن مقاطعة السفر إلى جزيرة بالي، المستهدفة مرتين، ومنها من طالب بإعادة الأموال التي دفعوها لمتضرري السيىء الذكر (تسونامي)، وخاصة المليار دولار الذي تبرعت به حكومة جون هاورد لضحايا المد القاتل من أموال دافعي الضرائب، ومنها من توقّف نهائياً عن التبرع للصليب الأحمر أو للمؤسسات الخيرية الأسترالية إذا لم تعلن للناس أنها لن ترسل سنتاً واحداً إلى الشعب الأندونيسي.
وبما أن كل هذه المقاطعات لم تجدِ نفعاً، ولم تغيّر بنداً واحداً من حكم القاضي المسيحي الأندونيسي، لجأ بعض الجهلة إلى إرهاب آخر يخيف الحكومتين الأسترالية والأندونسية في آن واحد، الأولى، لأنها لم تقم بالواجب المطلوب منها تجاه ابنتها البريئة، والثانية، لأن الإجحاف آتٍ من فوق كفّة ميزان عدالتها، حسب اعتقادهم بالطبع، فقاموا بإرسال طرد يحتوي مسحوقاً بيولوجياً إلى السفارة الأندونسية في العاصمة كانبرا، فأرعبوا بذلك خمسين موظفاً لا ناقة ولا جمل لهم بحكم القاضي الأندونيسي ذاك، ولا بماريوانا شابيل كوربي.
والظاهر أن (إرهابيي) أستراليا لم يعجبهم وصف رئيس حكومتهم لما قاموا به بالعمل الإجرامي، ولا اعتذار وزير خارجيتهم ألكسندر دوانر من الشعب الأندونيسي على تصرفهم المشين، فأهدوا الأخير طرداً ثانياً، أقفل البرلمان، وأوقف عمله، واستنفر البوليس الأسترالي أشد استنفار، والويل، ثم الويل، لمن تقع عليه التهمة.
ولكي أرسم البسمة على شفاهكم، أحب أن أخبركم أن المسحوق المرسل إلى السفارة الأندوسية لم يكن ضاراً، وإن كان بيولوجياً!.. كما أن المسحوق المرسل إلى الوزير داونر أقرب ما يكون إلى الحليب المجفف، وبدلاً من أن يساعد (إرهابيو) أستراليا ابنة بلدهم شابيل كوربي عقدوا قضيتها ألف عقدة إضافية، وأضروا بالعلاقات المتحسنة، كي لا أقول الحسنة، بين أستراليا وأندونيسيا، وكان من الأفضل أن يجمعوا لها التبرعات، ويفتشوا عن محامين بارعين يعرفون من أين تؤكل الكتف، لا أن يرموا بلدهم في متاهات الخوف، ويعرضوا أنفسهم للمعاقبة الشديدة.
قد تكون شابيل كوربي بريئة، وقد يصدر الحكم من المحكمة الأندونيسية العليا ببراءتها، فتعود إلى وطنها محمولة على أكف محبّيها، ولكن، وفي نفس الوقت، سيدخل السجن أناس تلاعبوا بأعصابنا، عندما تلاعبوا بأمننا، وأساؤوا إلينا، قبل أن يسيئوا إلى جارتنا أندونيسيا، يوم صورت لهم مخيلتهم المريضة إرسال طردين مشبوهين إلى سفارة دولة صديقة، وإلى برلمان أستراليا المسالمة المضيافة.
لن نصبح إرهابيين كرمى لعينيّ أحد.. حتى ولو كانتا كعينيّ شابيل كوربي الساحرتين.. فما يحصل في العالمي العربي من تشويه وسحق للإنسانية، يدفعنا ويدفع شعوب العالم كافة للتمسك بإنسانيتها أكثر، وبديمقراطيتها أكثر، وبحرية تعبيرها أكثر، وبحماية مواطينيها من الموت الأسود أكثر فأكثر.

[email protected]