منذ صدور القانون الأمريكي للحريات الدينية عام 98 وهناك لجنة من شخصيات أمريكية معتبرة تزور عدد من الدول من أجل أعداد التقرير السنوي للحريات الدينية في العالم،واللجنة تتكون من عشرة اعضاء من كبار المتخصصين فى هذا الشان بينهم عضو مسلم عينه الرئيس الامريكى هو د.خالد ابو الفضل، ومن ضمن هذه الدول التي تزورها اللجنة مصر، وتلتقي اللجنة في كل زيارة بعدد كبير من المسئولين الرسميين الدينيين والسياسيين وكذلك شخصيات عامة وبعض مراكز المجتمع المدني، بما في ذلك شخصيات من التي يقع عليها الاضطهاد أو التمييز الديني.
في كل مرة يثار تساؤل، خاصة فيما يتعلق بالأقباط، عن مدي مشروعية الالتقاء بأعضاء هذه اللجنة والتحدث إليهم بكل صراحة ووضوح أجلاء وإجلالا للحقيقة المدفونة في غمرة الأكاذيب التي تروجها الحكومة المصرية وعملائها وأعلامها الرسمي.
الالتقاء باللجنة في رأيى ليس فقط هو أمر مشروع تماما وإنما أيضا يشكل واجبا ضروريا لكل من يعاني من الاضطهاد أو التمييز الديني وإليكم أسبابي:
أولا: قبول الحكومة المصرية لهذه اللجنة والاستماع إليها والتحاور معها والسماح لأعضاء اللجنة بصفة رسمية بمقابلة من تريد التحدث إليه أو السفر إلى الأماكن المختلفة في مصر والتي تريد اللجنة أن تتأكد من أوضاع الحريات الدينية بها.وبالتالي من يلتقي بهذه اللجنة لا يعمل عملا تحت الأرض وإنما هو عمل مسموح به من الحكومة المصرية وفي وضوح النهار ويتناول قضايا وموضوعات هي قيد البحث والمناقشة بين الحكومتين.
ثانيا: هناك علاقة خاصة تربط بين الولايات المتحدة ومصر تعكسها حجم المعونات الضخمة التي تتلقاها مصر من واشنطن منذ أكثر من ربع قرن، وللعلم أكبر مكتب للمعونة الأمريكية في العالم بعد مكتب واشنطن هو مكتب القاهرة. وهناك مباحثات مكثفة تدور منذ عدة سنوات لتحويل المعونة إلى شراكة عبر اتفاقية للتجارة الحرة، ومن ضمن شروط الانضمام والقبول هو مستوي الديموقراطية وحقوق الإنسان والحريات الدينية في مصر، وهذا هو سبب تأخر توقيع هذه الاتفاقية إلى الآن، ومن ثم التأكد من مستوي الحريات الدينية الحقيقية في مصر يأتي ضمن هذه الاتفاقيات، وأي كذب فيما يتعلق بأوضاع الحريات الدينية وحقوق الإنسان، هو تستر على جرائم وخداع للذات قبل خداع الغير، والأمور أصبحت مكشوفة الآن بشكل واضح وكما قلت هذا هو سبب تأخر توقيع اتفاقية التجارة الحرة مع مصر.
ثالثا: هناك مشروعية للالتقاء باللجنة، تعكس مشروعية حقوق الإنسان ذاتها، فالدفاع عن الحريات ومقاومة الظلم والاضطهاد له مشروعية دولية خاصة تتجاوز حدود الدولة القومية، ومن ثم أي إجراء يدعم الحريات الدينية ويرفع الاضطهاد والتمييز الديني له مشروعيته الدولية الخاصة به سواء كان ذلك بالالتقاء باللجنة الأمريكية أو أي لجنة أخرى من أي مكان في العالم تبحث انتهاك الحريات والحقوق الأساسية للإنسان.
رابعا: قانون الحريات الدينية الأمريكي الذي صدر عام 98 مستمد في الأساس من الإعلا ن العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق والاتفاقيات الدولية المكملة له، وقد وقعت مصر على هذا الإعلان وهذه المواثيق ومن ثم فهي ملتزمة أمام المجتمع الدولي بمستوى الحريات والحقوق الوارد في الإعلان، واللجنة الأمريكية لا تبحث في أكثر من مدى مطابقة الواقع في مصر لهذه الحقوق الدولية.
خامسا: هناك وحدة للضمير الإنساني، فيما يتعلق بالحفاظ والدفاع عن مستوى معين من الحقوق والحريات، ومن ثم هذا لا يعتبر تدخلاً في شؤون الدول وإنما "تداخلا" أو "تقاطعا" وليس "تدخلا" ومنذ أيام صدر كتاب لتوماس فريدمان بعنوان The World is Flat أي أن العالم أصبح مسطحا ووحدة واحدة تتداخل وتتقاطع أجزاءه فيما يتعلق بأمور كثيرة من البيزنس إلى الثقافة إلى الحقوق والحريات ومن يتكلمون عن التدخل في شؤون الدول ومفهوم السيادة الوطنية هم يرددون أكليشهات قديمة وبائسة تدعم الاستعباد وتحاصر المواطن وتعزله عن حقوقه العالمية التي دفعت البشرية ثمنا باهظا حتى حصلت عليها. والغريب أن مصر التي يردد إعلامها ببغبغائية عن التدخل والسيادة هي نفسها تتدخل في شؤون عدد من الدول فيما يتعلق تحديداً بالحريات الدينية للمسلمين، وهذا حقها، ولكن الذي ليس من حقها أن تحلل لنفسها ما تحرمه على غيرها، فهذا سلوك فج وغير إنساني وغير مقبول.
سادسا: الحكومة المصرية لم تسمح للجنة الحريات الدينية بالتجول والالتقاء بمن تشاء فحسب وفقاً لاتفاقيات بين الحكومتين ن وإنما أيضا سمحت بوجود آلية دائمة طوال السنة في السفارة الأمريكية ترصد التجاوزات في الحريات الدينية، والتجول والالتقاء بمن تشاء للاستماع ورصد هذه التجاوزات، وبالتالي فمن حق أي شخص مصري يتعرض للاضطهاد الديني أن يلتقي بممثل تلك اللجنة الأمريكية في مصرطوال السنة، وهناك شخص مصري موجود في القسم السياسي في السفارة وظيفته تلقي مثل هذه الشكاوي ولا يشكل ذلك أي تجاوز، فهو مسموح به ومصرح به من قبل الحكومة المصرية ذاتها.
وأخيراً، هناك مشروعية قول الحقيقة ومقاومة الظلم، فظلم الإنسان لأخيه الإنسان يزعج العدالة الإلهية واعتداء صارخ على الحقوق الإلهية للإنسان، بكونه على صورة الله ومثاله. فالسكوت عن الظلم هو مشاركة بدرجة أو بأخرى في ترويجه، وقول الحق واجب وطني وإلهي وإنساني.
ما أود أن أقوله أن لجنة الحريات الدينية التي تزور مصر بشكل دورى تلتقي بكافة ألوان الطيف السياسي المصري، ويشتكي لها الأخوان المسلمون والشيعة والبهائيون فلماذا يترك كل هؤلاء ويتركز الحديث عن الأقباط وهم الأكثر تعرضا للظلم والاضطهاد والتمييز؟!!! من حق الأقباط أن يقدموا شكواهم لهذه اللجنة أو غيرها من اللجان الدولية ولا يعد ذلك أفتئاتا على وطنيتهم كما قلت، وإنما المطلوب فقط أن يقول الشخص الحقيقة بدون مبالغة أو زيادة أو نقصان إنما الحقيقة الفعلية وهي مؤلمة بالفعل ولا تحتاج إلى مبالغات. أما مسالة التدخل في شؤون مصر فهذا خطاب عديم القيمة وتخويفي، لأن هناك البعض من الأقباط يردد نرفض التدخل في شؤوننا عمال على بطال، لا أحد من أعضاء اللجنة يسأل عن التدخل أو عدم التدخل فهذه مسائل تتعلق بالحكومتين المصرية والأمريكية والاتفاقيات الموقعة بينهم، إنما ترصد اللجنة وقائع انتهاك الحريات الدينية لكي يخرج التقرير صحيحا ويعكس الوضع الحقيقي في مصر وغيرها من الدول، والمطلوب من أي قبطي يلتقي اللجنة أن يقول الحقيقة فقط، أما النتائج أو ماذا ستقول اللجنة أو الحكومة الأمريكية لمصر فهذا ليس من شأنك فهم لديهم من الأدوات والآليات القانونية التي يتعاملون بها مع هذه الانتهاكات وخاصة مع أصدقائهم، دورك الأول والأخير أن لا تتردد أو تجامل أو تتهاون أو تنتقص أو تداري أو تلون الحقيقية، قولها كما هي إرضاءً لضميرك الإنساني والوطني والأخلاقي والديني والباقي ليس من شأنك. هناك شخصيات قبطية أصحاب ضمائر ميتة متفقة مع الحكومة على تزوير الحقائق فهذه المقالة ليست لهم فهم قبضوا ثمن تسترهم وظلمهم ولن تجدي معهم ألف مقالة.
هذه المقالة للمترددين والذين يجزءون الحقائق أو يبرروا الأوضاع والتقليل من شأنها أو الذين يحول وضعهم الرسمي من التصريح بالحقيقة، إذا ترددت في قول الحقيقة لا تلتقي بأحد فهذا ظلم لشعبك ولضميرك الإنساني أولا، ولن يجبرك أحد على الالتقاء بأعضاء هذه اللجنة أو غيرها، وإنما إخفاء الحقيقة هو الظلم الأكبر الذي سيحاسبنا الله عليه.
وهناك نقطة أخرى حيث أرسل لي شاب يقول لي هل من الممكن أن يلتقي مجموعة من الشباب الأقباط بهذه اللجنة ؟
الإجابة نعم، بل ومرحب به حتى تكون هناك وجوها جديدة غير الوجوه التقليدية المعتادة، ولكن المهم إذا كان هناك فريق من الشباب يرغب في لقاء هذه اللجنة أن يكون على مستوى من الوعي اللائق والتخصص والفهم ويعرف ماذا يقول، ويجهز حقائق عن الأوضاع بإثباتات وبراهين وأعضاء اللجنة يسعدهم مقابلة مثل هذا الوفد الشبابي.
بقى ان اقول ان اللجنة لا تزور مصر كل سنة ولكن بشكل يحددوه هم حسب جدولهم، وقد زاروا مصر العام الماضى اما هذه السنة فوفقا لاتصال بهم فانهم ليس لديهم خطة لزيارة مصر هذا العام.
وأختم بما قاله مارتن لوثر كنج، أن المصيبة ليست في ظلم الأشرار وإنما في صمت الأخيار.

[email protected]