ما من شكّ‮ ‬في‮ ‬أنّ‮ ‬مكانة المرأة في‮ ‬المجتمع هي‮ ‬حجر الأساس الّذي‮ ‬تُبنى عليه العمارة الحضاريّة البشريّة‮. ‬لذا فإنّ‮ ‬مكانة المرأة العربيّة هي‮ ‬قضيّة في‮ ‬غاية الأهميّة،‮ ‬لما كان لهذه النّظرة المُحَقِّرة للنّساء من إسقاطات على مجمل التّطوّر البشري‮ ‬للمجتمعات العربيّة والإسلاميّة طوال القرون الماضية ولما سيكون لهذة النّظرة،‮ ‬لو بقيت على ما هي‮ ‬عليه،‮ ‬من تأثير في‮ ‬العقود،‮ ‬إن لم نقل القرون،‮ ‬الجائية‮. ‬
بالإضافة إلى أسباب قد تكون سياسيّة واقتصاديّة وأخرى كثيرة لهذا الوضع المزري،‮ ‬فإنّ‮ ‬أحد أهمّ‮ ‬المسبّبات للتّخلُّف العربي‮ ‬هو هذه النّظرة لمكانة المرأة الدّونيّة في‮ ‬المجتمع،‮ ‬أي‮ ‬في‮ ‬الحياة المتحضّرة لبني‮ ‬البشر‮. ‬إذ كلّما ارتفعت مكانة المرأة المجتمعيّة كلّما اندفعت المجتمعات قدمًا في‮ ‬ركب التّطوّر على جميع الأصعدة‮. ‬وبالعكس كلّما انخفضت مكانة المرأة في‮ ‬المجتمعات البشريّة كلّما تقوقعت هذه المجتمعات في‮ ‬شرنقة التّخلُّف الّتي‮ ‬تعزلها عن عالم الحياة المتنوّرة حتّى تتعفّن‮ ‬هذه المجتمعات وتتفسّخ فتذروها الرّياح وتلقي‮ ‬بها على‮ ‬قارعة الطّريق تدوسها الأقدام المسرعة في‮ ‬حركة ارتقائيّة حثيثة‮. ‬
غير أنّنا،‮ ‬وإذا ما نشدنا الوصول إلى تغيير لهذا الوضع المزري،‮ ‬لا‮ ‬يمكننا بأيّ‮ ‬حال أن نتجاهل الأسس الّتي‮ ‬انبنت عليها هذه النّظرة العربيّة المُحَقِّرَة للمرأة ومنذ فجر الحضارة العربيّة وحتّى عصرنا الحاضر‮. ‬ولهذا السّبب،‮ ‬نحن في‮ ‬أمسّ‮ ‬الحاجة إلى صياغة فكريّة جديدة تُؤسِّسُ‮ ‬لبناء مجتمعيّ‮ ‬جديد قد لا نستمتع به نحن في‮ ‬المستقبل القريب،‮ ‬غير أنّه قد‮ ‬يشكّل بيتًا آمنًا للأجيال العربيّة المستقبليّة‮. ‬
الصّياغة الفكريّة الجديدة الّتي‮ ‬نودّ‮ ‬الوصول إليها،‮ ‬يجب أن تنبني‮ ‬على ثورة في‮ ‬المفاهيم المؤسِّسَة لهذه المجتمعات العربيّة‮. ‬وهذه‮ ‬الثّورة‮ ‬يمكن أن نُجملها في‮ ‬مقولة واحدة ومقتضبة‮: ‬يجب نفض الأسس المجتمعيّة العربيّة رأسًا على عقب،‮ ‬وبدل البناء على أسس ذكوريّة للمجتمع،‮ ‬يجب أن تنبني‮ ‬المجتمعات العربيّة على أسس أنثويّة‮. ‬صحيح أنّ‮ ‬هذا التّحوّل ليس بالأمر السّهل،‮ ‬إلاّ‮ ‬أنّه هو الحلّ‮ ‬الأوحد لبناء‮ ‬مجتمع عربيّ‮ ‬سليم ومعافى‮. ‬ولهذا الغرض هنالك حاجة إلى علاج هذه العُقَد الذّكوريّة العربيّة بأدوات معرفيّة وسيكولوجيّة بعيدة الغور،‮ ‬كما أنّها بحاجة إلى أناة وعقول منفتحة من قبل الذّكور خاصّة‮. ‬
فلو عدنا إلى الوراء،‮ ‬إلى حقبة جاهليّة العرب وإلى ما رسخ في‮ ‬الذّهن منها،‮ ‬فإنّ‮ ‬الوأد الجاهلي،‮ ‬كما‮ ‬يعرضه لنا القرطبي‮ ‬في‮ ‬تفسيره نجد‮ ‬أنّ‮ ‬العرب كانت تدفن البنات بعد ولادتهنّ‮ ‬أحياء لسببين‮: ‬الأوّل،‮ "‬مخافة الحاجة والإملاق وإمّا خوفًا من السّبي‮ ‬والاسترقاق‮". ‬ولعلّ‮ ‬مقولة‮ "‬خوف الحاجة والإملاق‮" ‬قد وضعت هنا فقط لمجرّد تسجيع الكلام لشغف العرب بهذه العادة اللّغويّة،‮ ‬إذ أنّ‮ ‬المرأة الجاهليّة كانت عضوًا نشطًا في‮ ‬منظومة الإنتاج الجاهليّة مثلها في‮ ‬ذلك مثل الرّجل،‮ ‬إن لم تكن مهمّتها تفوق مهمّته أصلاً‮. ‬أمّا الشّطر الثّاني‮ ‬من السّبب‮ ‬وهو‮ "‬خوف السّبي‮ ‬والاسترقاق‮"‬،‮ ‬فقد‮ ‬يكون هو الأقرب إلى الحقيقة بسبب تلك الذّهنيّة الذّكوريّة الّتي‮ ‬تخشى من فقدان السّيطرة على ماكينة التّفريخ هذه كما‮ ‬يراها الذّكر العربيّ،‮ ‬ولارتباط مُحرّك هذه الماكينة بالشّرف الذّكوري‮ ‬فحسب‮. ‬
غير أنّي‮ ‬أميل شخصيًّا إلى الأخذ بالسّبب الآخر الّذي‮ ‬يورده القرطبي‮ ‬تفسيرًا لهذه الظّاهرة،‮ ‬حيث‮ ‬يذكر القرطبي‮: "‬كانوا‮ ‬يقولون إنّ‮ ‬الملائكة بنات اللّه،‮ ‬فألحقوا البنات به‮«. ‬فإذا كان السّبب في‮ ‬ذلك هو إيمانهم بأنّ‮ ‬الملائكة بنات اللّه،‮ ‬ولذلك‮ ‬يلحقون البنات باللّه،‮ ‬فهذا‮ ‬يعني‮ ‬بالضّبط ما هو نقيض للنّظرة الدّونيّة للمرأة،‮ ‬إذ‮ ‬يُفهم من هذه الجملة أنّ‮ ‬النّظرة الجاهليّة إلى البنات هي‮ ‬نظرة تقديس لهنّ‮ ‬كما لو كانت البنات ملائكة،‮ ‬ولذلك فهم‮ ‬يلحقون البنات باللّه‮. ‬وبكلمات أخرى فهم‮ ‬يقدّمون البنات قرابين للّه،‮ ‬أي‮ ‬من خلال طقس دينيّ‮ ‬للتّقرُّب لآلهة الجاهليّة‮. ‬وهذا التّفسير أقربُ‮ ‬إلى الصّواب في‮ ‬نظري،‮ ‬إذ أنّه‮ ‬يندرج ضمن هذه الطّقسيّة الدّينيّة،‮ ‬أي‮ ‬تقريب الأبناء للآلهة،‮ ‬لدى كثير من الحضارات القديمة على اختلاف مشاربها ومواقعها،‮ ‬وفي‮ ‬أصقاع شتّى من أنحاء العالَم في‮ ‬العصور القديمة‮. ‬
إنّ‮ ‬عدم الالتفات إلى هذا التّفسير الّذي‮ ‬أقدّمه هنا من قِبَل أهل العلم من العرب قديمًا وحديثًا مردُّهُ‮ ‬إلى تلك النّظرة الّتي‮ ‬تأسّست عليها الأيديولوجيّة الإسلاميّة والمتمثّلة بتجهيل الحقبة الّتي‮ ‬سبقت الدّعوة،‮ ‬أي‮ ‬بإضفاء صبغة الجاهليّة عليها‮. ‬وكلّ‮ ‬ذلك بغية رفع قيمة هذه الدّعوة الجديدة مقابل ما سبقها من حضارة عربيّة قديمة‮.‬
غير أنّ‮ ‬الإسلام الّذي‮ ‬قولب صورة الجاهليّة على مقاسه هو،‮ ‬في‮ ‬محاولة منه لوضع حدّ‮ ‬فاصل بين‮ "‬همجيّة‮" ‬موهومة للحقبة الجاهليّة من جهة‮ ‬وبين‮ "‬نور‮" ‬إسلامي‮ ‬من جهة أخرى،‮ ‬لم‮ ‬يأت سوى بشكل آخر من أشكال الاستعباد للمرأة‮. ‬بل‮ ‬يمكن أن نذهب أبعد من ذلك لنقول بأنّ‮ ‬الإسلام قد‮ ‬حطّ‮ ‬من قيمة المرأة قياسًا بما كانت عليه من قبل‮. ‬فبينما كانت الأنثى أقرب إلى كونها من جنس الملائكة الّتي‮ ‬تُلحق باللّه،‮ ‬كما ذكرنا‮ ‬سابقًا،‮ ‬تحوّلت مع الإسلام إلى مخلوق‮ ‬يُنظر إليه،‮ ‬من جهة،‮ ‬بصفته عورة،‮ ‬كما‮ ‬يقول الحنابلة‮. ‬إذ أنّّه حتّى الظّفر منها عورة‮ "‬فإذا خرجت من بيتها فلا تُبنْ‮ ‬منه شيئًا،‮ ‬ولا خفّها فإنّ‮ ‬الخفّ‮ ‬يصفُ‮ ‬القدمَ،‮ ‬وأحبّ‮ ‬إليّ‮ ‬أن تجعل لكُمّّها زرًّا عند‮ ‬يدها حتّى لا‮ ‬يبين منه شيئًا‮"‬،‮ ‬كما‮ ‬يقول الإمام أحمد،‮ ‬وكذا ابن قيّم وابن تيميّة،‮ ‬إذ أنّ‮ ‬المرأة كلّها عورة كما‮ ‬يقول الإمام القرطبي‮.‬أو وجوب الحجاب،‮ ‬لا لكون‮ ‬الوجه عورة،‮ ‬بل لأنّ‮ ‬الكشف هو مظنّة الفتنة،‮ ‬كما تقول الحنفيّة‮: "‬حرمة النّظر لخوف الفتنة،‮ ‬وخوف الفتنة في‮ ‬النّظر‮ ‬إلى وجهها،‮ ‬وعامّة محاسنها في‮ ‬وجهها أكثر منه إلى سائر الأعضاء‮"‬،‮ ‬كما‮ ‬يروي‮ ‬السّرخسي‮ ‬في‮ ‬المبسوط،‮ ‬وكذا تقول المالكيّة أيضًا‮. ‬بل وأكثر من ذلك،‮ ‬إذ أنّ‮ ‬النّووي‮ ‬الشّافعي‮ ‬يقول‮: ‬لا‮ ‬يجوز للمسلمة أن تكشف وجهها ونحوه من بدنها ليهوديّة أو نصرانيّة وغيرهما من الكافرات،‮ ‬إلاّ‮ ‬أن تكون الكافرة مملوكة لها‮". ‬وقد ذكر أنّ‮ ‬آية الحجاب قد نزلت بسبب‮ ‬غيرة الرّسول على عائشة،‮ ‬فقد روي‮ ‬عن مجاهد‮: "‬أنّ‮ ‬رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان‮ ‬يطعمُ‮ ‬ومعه بعض أصحابه،‮ ‬فأصابت‮ ‬يدُ‮ ‬رجلٍ‮ ‬منهم‮ ‬يدَ‮ ‬عائشة،‮ ‬فمره ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم،‮ ‬فنزلت آية الحجاب‮"‬،‮ ‬كما‮ ‬يذكر الطّبري‮ ‬في‮ ‬تفسيره‮. ‬وهذا الكلام‮ ‬يعني‮ ‬شيئًا واحدًا وهو أنّه لو أنّ‮ ‬يدَ‮ ‬ذلك الرّجل لم تمسّ‮ ‬يد عائشة لما كانت نزلت آية الحجاب‮ ‬أبدًا‮. ‬
فمهما حاول البعض من الإسلامويّين تلطيف الأمور بإخفاء النّصوص عن أعين النّاس،‮ ‬فليس أمام قارئ هذه النّصوص من سبيل سوى مواجهة الحقيقة،‮ ‬إذ أنّ‮ ‬المشكلة ليست في‮ ‬التّفسيرات،‮ ‬وإنّما هي‮ ‬في‮ ‬النّصوص المؤسِّسَة لهذه الأيديولوجيّة الذّكوريّة‮. ‬إنّ‮ ‬هذا التّعوير أو التّفتين أو شيطنة المرأة بصورة عامّة هو الّذي‮ ‬يُفضي‮ ‬إلى مبدأ الانتقاص من قدرها ومكانتها شرعًا‮. ‬وهو المبدأ الّذي‮ ‬لا زال مُتحكّمًا في‮ ‬الذّهنيّة العربيّة إلى عصرنا الحاضر‮. ‬إذن،‮ ‬ومن هذه النّاحية،‮ ‬يشكّل الإسلام في‮ ‬تصوّري‮ ‬تدهورًا ملحوظًا في‮ ‬مكانة المرأة الاجتماعيّة،‮ ‬حتّى قياسًا بما كانت عليه مكانتها في‮ ‬ما سبق من زمن،‮ ‬أي‮ ‬في‮ ‬فترة‮ "‬الجاهليّة‮"‬،‮ ‬كما‮ ‬يحلو للإسلامويّين وَسْمَ‮ ‬تلك الحقبة من الزّمن العربيّ‮.‬
مهما‮ ‬يكن من أمر،‮ ‬حتّى لو أمعنّا النّظر في‮ ‬طرفي‮ ‬صورة الأنثى،‮ ‬الطّرف الجاهلي‮ ‬منها بالإضافة إلى الطّرف الإسلامي،‮ ‬كما‮ ‬يُقدّمه لنا دارسو الحضارة العرب،‮ ‬إسلامويّين كانوا أو ذوي‮ ‬تصوّرات أخرى،‮ ‬لوصلنا إلى استنتاج لا مفرّ‮ ‬منه‮. ‬إنّه استنتاج‮ ‬يرى بأنّ‮ ‬النّظرة الذّكوريّة المتجذّرة في‮ ‬الذّهنيّة العربيّة والإسلاميّة تجاه المرأة،‮ ‬هي‮ ‬ما‮ ‬يدفع بالذّكر العربيّ‮ ‬إلى القيام بعمليّة‮ "‬قتل‮" ‬أو‮ "‬إعدام‮" ‬للأنثى على العموم وعلى عدّة أصعدة‮. ‬فكما‮ ‬يتّضح فإنّ‮ ‬الوجهين اللّذين قد‮ ‬يبدوان نقيضين للوهلة الأولى،‮ ‬وهما الوأد القبلي‮ ‬الجاهلي‮ ‬على خلفيّة الخوف‮ "‬من السّبي‮ ‬والاسترقاق‮" ‬من جهة،‮ ‬والنّظرة إلى المرأة بصفتها عورة أو درءًا للفتنة،‮ ‬كما‮ ‬يجمع على ذلك فقهاء الإسلام،‮ ‬ما هما‮ ‬إلاّ‮ ‬وجهين لعملة واحدة‮ ‬ينبعان من تلك العقدة الذّكوريّة العربيّة الّتي‮ ‬تربط الشّرف بالمرأة،‮ ‬وعلى وجه الخصوص بالجانب الجنسي‮ ‬فيها‮. ‬‮ ‬
فخوف السّبي‮ ‬والاسترقاق الجاهلي‮ ‬ليس سوى خوف من استحواذ ذكوريّة‮ ‬غريبة على محرّك التّفريخ الّذي‮ ‬يسيطر عليه الرّجل العربي‮ ‬المنتمي‮ ‬إلى وحدة قبليّة تعمل بموجب منظومة من القيم الذّكوريّة‮. ‬والأمر هو ذاته فيما‮ ‬يتعلّق بالنّظرة التّعويريّة للمرأة في‮ ‬الإسلام‮. ‬صحيح أنّ‮ ‬الوأد الجسدي‮ ‬قد حُظر إسلاميًّا،‮ ‬غير أنّ‮ ‬هذا الوأد،‮ ‬كغيره من قيم الجاهليّة،‮ ‬قد استمرّ‮ ‬في‮ ‬الإسلام بصيغة أخرى،‮ ‬من خلال تحجيب المرأة في‮ ‬الفضاء العام،‮ ‬والاستحواذ بها داخل حدود البيت لكون المرأة كلّها عورة،‮ ‬أو كما روي‮ ‬عن ابن مسعود عن النّبي‮: "‬المرأة عورة فإذا‮ ‬خرجت استشرفها الشّيطان‮«. ‬ولذلك أيضًا فقد روى مسلم في‮ ‬كتاب النكاح من صحيحه أنّ‮ ‬النّبي‮ "‬رأى امرأةً‮ ‬فأتى امرأته زينب وهي‮ ‬تمعس منيئة لها،‮ ‬فقضى حاجته ثمّ‮ ‬خرج إلى أصحابه فقال‮: ‬إنّ‮ ‬المرأة تُقبل في‮ ‬صورة شيطان وتُدبر في‮ ‬صورة شيطان،‮ ‬فإذا أبصرَ‮ ‬أحدُكم امرأةً‮ ‬فليأْتِ‮ ‬أهلَهُ،‮ ‬فإنّ‮ ‬ذلك‮ ‬يردُّ‮ ‬ما في‮ ‬نفسه‮". ‬وبكلمات أخرى‮ ‬يردّ‮ ‬ما نفسه من شهوة مواقعتها‮. ‬لهذا السّبب أيضًا‮ ‬يقول النّبي‮ ‬كما روى البخاري‮ ‬في‮ ‬صحيحه‮: "‬اطّلعتُ‮ ‬في‮ ‬النّار فرأيتُ‮ ‬أكثر أهلهت النّساء‮". ‬
من هنا،‮ ‬فإنّ‮ ‬الوأد الجسدي‮ - ‬جاهليًّا‮ - ‬في‮ ‬التّراب،‮ ‬والوأد الجسدي‮ - ‬إسلاميًّا‮ - ‬في‮ ‬الحجاب‮ ‬يستمدّان شرعيّتهما من كون الشّرف الذّكوري‮ ‬العربي‮ ‬مرتبطًا بالمرأة ليس إلاّ‮. ‬وهذا الشّرف لو أمعنّا فيه النّظر لرأينا أنّه نابع من خارج ذات الذّكر العربي‮. ‬أي‮ ‬أنّ‮ ‬الذّكر‮ ‬العربي‮ ‬يعتزّ‮ ‬بالشّرف الّذي‮ ‬ليس من كُنهه هو كذات بشريّة مستقلّة‮. ‬ولهذا السّبب أيضًا،‮ ‬نرى أنّ‮ ‬الرّجل العربي‮ ‬قد‮ ‬يرتكب جريمة متمثّلة بقتل ابنته أو شقيقته أو أنثى قريبة منه تحت ما‮ ‬يسمّى بجرائم الشّرف‮. ‬وهو إنّما‮ ‬يفعل ذلك ليس في‮ ‬العالم العربي‮ ‬والإسلامي‮ ‬فحسب،‮ ‬وإنّما كثيرًا ما نقرأ عن ارتكاب هذه الجرائم في‮ ‬البلاد الأوروبيّة وغيرها‮. ‬أي‮ ‬أنّ‮ ‬هذه النّظرة تنتقل مع العربي‮ ‬في‮ ‬حلّه في‮ ‬بلاد العربان،‮ ‬وفي‮ ‬ترحاله إلى بلاد البيضان والسّودان‮.‬
إنّ‮ ‬الرّجل العربي‮ ‬يقوم بارتكاب هذا النّوع من الجرائم،‮ ‬وأدًا جاهليًّا أو تحجيبًا وتعويرًا إسلاميًّا أو قتلاً‮ ‬على خلفيّات الشّرف في‮ ‬هذا العصر،‮ ‬لأنّه ترعرع على هذه الذّهنيّة الاستحواذيّة الذّكوريّة القبليّة في‮ ‬مراحل تطوّره الأولى‮. ‬وأغلب الظنّ‮ ‬أنّ‮ ‬هذه الذّهنيّة ليست سوى ذهنيّة‮ ‬غريزيّة هي‮ ‬من مخلّفات الحيوانيّة البشريّة في‮ ‬مراحل التّطوُّر البشريّة الأولى منذ عهد سحيق في‮ ‬الغابة‮. ‬في‮ ‬الحقيقة الرّجل العربي‮ ‬يريد الأنثى القريبة لنفسه‮ ‬غير أنّ‮ ‬التّابوات الصّارمة تحول دون ذلك،‮ ‬فيحوّل الأنثى القريبة إلى صلة الرّحم‮. ‬ولهذا‮ ‬السّبب أيضًا‮ ‬يعمد العرب على العموم إلى التّزاوج داخل القبيلة من أبناء العمومة والخؤولة‮. ‬وهم‮ ‬يفعلون ذلك من أجل الاستحواذ بماكينة التّفريخ ضمن حدود القبيلة ذاتها بغية تكثير الجينات الذّكوريّة الذّاتيّة في‮ ‬الطّبيعة البرّيّة الوحشيّة،‮ ‬أو لتكثير العدد القبلي‮ ‬لحاملي‮ ‬العصيّ،‮ ‬كما‮ ‬يُقال لدى العوام‮. ‬إذ أنّ‮ ‬كلّ‮ ‬ما هو خارج نطاق القبيلة ذاتها‮ ‬يُعتبر‮ ‬غريبًا‮ ‬يُهدّد الهيمنة على مناطق ومجالات النّفوذ في‮ ‬الطّبيعة البريّة‮. ‬
ليس من عجب إذن،‮ ‬أن نرى هذا الدّرك الّذي‮ ‬وصلت إليه أحوال العرب مقارنة بالشّعوب المتطوّرة في‮ ‬هذا العالم‮. ‬فالحضارة الذّكوريّة العربيّة لا زالت في‮ ‬مراحل أوليّة من التّطوُّر البشري،‮ ‬وهي‮ ‬بحاجة إلى نقلة نوعيّة‮. ‬ومن هنا أيضًا فإنّنا نُطلق دعوتنا الصّريحة هذه إلى‮ ‬قلب الأمور رأسًا على عقب،‮ ‬والعمل على بناء المجتمع العربي‮ ‬على أسس أنثويّة بدل الأسس الذّكوريّة الّتي‮ ‬لا تستطيع بأيّ‮ ‬حال أن ترتقي‮ ‬بالمجتمعات العربيّة،‮ ‬وفي‮ ‬حضارتنا العربيّة قديمًا وحديثًا ما‮ ‬يكفي‮ ‬من براهين على ما نرمي‮ ‬إليه‮.‬

فهل من سميع أو مجيب؟
[email protected]