صديقي تاجر أقمشة وألحفة وما شابه، يمتاز عن باقي التجّار بسرعة التصرّف والبديهة. ذات مرّة، اصطحبني معه لبيع لحاف واحد فقط لسيّدة عربية تعتقد أن اللـه، سبحانه وتعالى، لـم يخلق امرأة ذكيّة مثلها. وبعد أخذ ورد، وفلفشة ثلاثة ألحفة زرقاء وحمراء وذهبيّة، من نوعيّة واحدة، وسعر واحد، قالت :
ـ إنشاء اللـه تكون أسعارك أرخص من السوق ..
فتمتم صديقي، وهو يتطلّع بالألحفة:
ـ طبعاً.. طبعاً ..
ـ ما سعر اللحاف الأزرق؟
ـ سبعون دولاراً ..
ـ والأحمر؟

ـ مثله تماماً.. سبعون دولاراً .. فبدأت أم الذكاء تتأفف، وتنظر إلى اللحافين الأزرق والأحمر وتقول : ـ أنت تعرف، يا غليظ، أنني أحب الأشياء الغالية الثـمن، فلماذا جئتني بلحافين من نفس الفصيلة، والنوعية، والسعر؟!
ـ الألحفة العربية في أستراليا متشابهة تقريباً، لأن معملاً واحداً يصنعها، يملكه أحد المهاجرين اليونانيين ..
ـ يوناني.. ويشد ألحفة عربية؟.. ليس بإمكانك أن تضحك علي.. أنا أشطر إمرأة في هذه البلاد، أسست جمعية المرأة العربية في أستراليا..
ـ لقد نجحت هذه الجمعية كثيراً.. وفجأة اختفت من الوجود..
ـ لأن كل امرأة فيها تطمع بالرئاسة..
ـ أليس هذا من حقّهن؟
ـ الرئاسة من حقي أنا.. أنا وحدي.. فأين كنّ هؤلاء النساء عندما أسست الجمعية؟
ـ ألا تسمّين هذا استبداداً؟
ـ لو لم تكن في بيتي، لطردتك حالاً.. أنت تاجر وقح..
ـ أنا آسف.. لقد نسيت أننا عرب، وأن العربي لا يتخلى عن رئاسته إلا بانقلاب دموي أو بزيارة عزرائيل له..
ـ عزرائيل.. عزرائيل.. لقد بدأت تخيفني، أرجوك إحمل ألحفتك، وارجع لي مرة ثانية..
ـ أرجوك اسمعيني..
ـ لا أريد أن أسمعك.. أنا أشطر امرأة في هذه البلاد.. أنا أخت الرجال.. أنا أم الذكاء.. أنا ..
ـ يا أخت الرجال.. اللحاف الذهبي بانتظارك.. أتريدينني أن أفلشه أمامك؟
ـ طيّب، طيّب، ما سعر اللحاف الذهبي؟
هنا، تطلّع بي صديقي وهو يبتسم ابتسامة خفيّة، كي لا تنتبه لها أم الذكاء النادر، وقال :
ـ مئة دولار.. لا تنقص ولا تزيد ..
ـ العمى.. إنه أغلى بثلاثين دولاراً من الأزرق والأحمر ..
ـ أنت تعرفين، ولا شك، أن أسعار الذهب مرتفعة جداً في هذه الأيّام ..
ـ قصدك البترول؟
ـ البترول ذهب أسود أيضاً، وأسعاره لا تطاق.
فحدّقت أختنا بالألحفة الثلاثة مليّاً، كأنّها تطبع عليها نظرها، وراحت تشتم الذهب الأصفر والأسود والبورصة والأسهم التجاريّة والناريّة، وتقول :
ـ معك حق.. أسعار الذهب لا تطاق في هذه الأيّام.. ومع ذلك سأشتري اللحاف الذهبي .
فتمتم صديقي مرّة ثانية، وهو يبعد اللحافين الآخرين عن الذهبي المختار :

ـ مبروك يا مدام ..
وما أن غادرنا البيت، ودخلنا السيّارة، حتّى انفلشنا من كثرة الضحك، وصديقي يغنّي بأعلى صوته :
الستّ بتفهم يخزي العين
مأَكد في براسا عقلَين
عقل بيسوى جحش كبير
والتاني ما بيسوى بسين

[email protected]