مسامير جاسم المطير 961

اطلعت على رسالة السيد القمني في جريدة إيلاف الالكتروني تحمل كلمات معبرة عن تيه المثقف المصري وسط أفعال الإرهاب الفكري التي تعج بها بعض ساحات الثقافة العربية ومنها الساحة المصرية التي تكتظ بالإرهابيين من "دعاة الإسلام السلفي" منذ أن استحال غدرهم بفرج فودة دما ضائعا في شارع الكبرياء الحر، ومنذ أن توغلوا في محاولة اغتيال الأدب بمحاولة قتل نجيب محفوظ بالسكاكين الجائعة لدماء المبدعين.
من يكشف لنا معيار الموقف الإنساني الذي اتخذه السيد القمني ..؟
هل هو جبان كما كتب الدكتور شاكر النابلسي بمقالته ..؟
هل كان موقف السيد القمني محاولة جريئة لكشف النقاب عمن يكون هؤلاء الإسلاميون وكيف يتعاملون مع العناصر التنويرية في عصر الجهالة المقيت..؟
هل هو اكتشاف لمدى الظلم الذي يواجهه المثقفون في مصر كما في كل الدول العربية التي تتظاهر صحفها وأجهزتها الإعلامية بكلام ضيق عن الحرية والديمقراطية..؟
هل كان مضمون رسالة السيد القمني هو نداء تحذير لموجة الجليد المحيطة بموقف الحكومة المصرية التي لا تتحرك لحماية المواطن والمواطن المثقف بالذات..؟
أم كان الموقف القمني صرخة احتجاج كبرى ضد "الكائن الآخر"الذي لا يتقن غير رفع السيف ليذبح المحبرة والقلم الحر.
هل كانت رسالة القمني نفخا في زجاج الدولة حتى يتصدع على الأقل كي يعرف مسئولو ثقافة الدولة أو أمنها .. أم كان مضمون الرسالة يزمجر بالمرارة أكثر من زمجرة الخوف من سيـّاف جبانلا يمتشق الحوار سلاحا بل يمتشق السلاح والسكاكين حوارا..؟
هذه أسئلة تنحل أمامي وليس ثمة جواب يمكن بها أن يحافظ السيد القمني على يقظته أو على حياته أو على رؤيته المتنورة للحياة.
هل رجعت الألفية الثالثة إلى وراء .. إلى ما قبل ظهور المسيحية والى عهد الإغريق والى عهد القرون الوسطى المظلمة حين أتهم عدد من الفلاسفة والأدباء والمفكرين بالهرطقة والزندقة ومنهم الفيلسوف سقراط الذي حكموا عليه بالموت بشرب السم عام 399 قبل الميلاد بتهمة الزراية بآلهة أثينا وعقائدهم الدينية. ثم تبعه النحات فيدياس، والكاتب يوربيدس، والكاتب الفرنسي"فاليه" الذي اعدم بتهمة الإلحاد رغم انه لم يكن ملحدا، وحرق "جال جرويت" ومخطوطاته في جنيف بسويسرا بتهمة الإلحاد، وكذا صلب المسيح، ونفي أبو ذر الغفاري، وبالمعنى نفسه كان الحلاج ضحية.
ومثله ابن رشد الذي كان مقتنعا بفكرة وجود الله كمحرك أول للكون لكنه أنكر خلود الروح فصار رجال الدين هم الذين يشككون بأفعالهم أنفسهم في الدين وفي وجود الله كما هو حال بعض القوى الإسلامية السلفية المعاصرة التي تمارس القتل الجماعي في العراق وقبل ذلك في الجزائر مما يدفعهم إلى هستيريا تهديد امن المجتمع وسلامته كما تنبأ بذلك الفيلسوف الهولندي "بيير بايل" قبل أربعة قرون .
يبدو أن البلدان العربية والإسلامية كالجمهورية العربية المتحدة تعود بدعوى حكامها وحكوماتها كذبا وزورا بالحرية والديمقراطية بينما هي عائدة إلى العصور المظلمة القديمة فهي لا تحمي مفكري شعبها وفلاسفته وكتابه من أولئك القتلة الذين يسرحون ويمرحون باعتبارهم وحدهممن يمنح "شهادة حسن السلوك الديني" لأي مواطن ينحني أمامهم وأمام أحزابهم وتجمعاتهم السياسية. وكم كنت أتمنى على السيد القمني أن يفعل ما فعله في أكتوبر عام
1765 " السيد ليتش " بولاية ماساشوستس في أمريكا ح حين فك أزرار بنطلونه أمام القضاة والمحلفين واخرج قضيبه وبالَ على قرار اتهامه بالإلحاد. كان يجب على المثقفين المصريين مناصرة السيد القمني بالوقوف أمام الجامع الأزهر وأمام القصر الرئاسي ويحرقوا رسالة التهديد الموجهة للسيد القمني ويبولوا على رمادها ليكونوا نموذجا لموقف جليّ جسور ينفرد على صخرة الصلابة الفكرية وليعزل قوى الظلام المصري في عصر النور الوافر الذي يغطي العالم المتقدم حيث يقف رغيف الخبز إلى جانب نور الحرية.
بعين مترعة بالدهشة والحزن والألم أقول أن الأفكار لا تموت لان العقل لا يموت ، وأنني اعتبر رسالة السيد القمني بمثابة صرخة كبرى سوف لا ينضب لها عطاء من نور وتنوير وستكون هذه الصرخة الاحتجاجية في رحاب الرعب السلفي قادرة على فتح أبواب الحرية الدينية وقادرة على إدانة يد القمع الفوضوي الإسلامي مثلما ستكون قادرة على إدانة السلطة التي تتراكم فيها عفونة العصور المظلمة وكهوفها..! مع ذلك فالساقية تظل تدور طالما وجد إنسان وارض وماء. وسوف لن يموت نور السيد القمني مسموما.
إنها صرخة.. فتحسسوا صدوركم بأصابعكم أيها التنويريون العرب..!

بصرة لاهاي