في 7 سبتمبر القادم سيتوجه المصريون إلى صناديق الانتخابات لأختيار رئيسهم بطريقة الاقتراع الحر المباشر لأول مرة في التاريخ المصري الممتد لالآف السنين، صحيح أن الانتخابات هذه المرة شكلية وتبدو محسوبة ومحسومة مقدما، ولكن دور المصريين ونضالهم هو الذي سيحدد استمرار هذا الاجراء الشكلي أو تحويله إلى منافسة حقيقية في المستقبل القريب.
في هذه اللحظة المفصلية في التاريخ المصري يطرح تساؤل عن المرشح الذي يؤيده الأقباط وسوف يصوتون له في هذا الاقتراع. في تصوري أن الإجابة ليست بهذه البساطة والمباشرة ، فهناك ما يمكن اعتباره محددات ومعايير ستحدد اختيار الأقباط في هذه الانتخابات، وسوف أطرح هنا عشرة محددات أعتقد إنها ستحكم او المفروض ان تحكم سلوك القبطي تجاه هذا المرشح أو ذاك.

أولا: الالتزام الحزبي
يتوزع الاقباط مثلهم مثل كل المصريين الذين يمارسون العمل السياسي على عضوية الأحزاب المصرية بمختلف اتجاهاتها، والكثير منهم مثل كل المصريين عازفون عن العمل السياسي والمشاركة السياسية، وبالطبع عضوية حزب ما أو تنظيم سياسي معين تفرض التزاما على أعضاءه تجاه مرشحهم، فها هو الوزير محمود محي الدين يعلن إنه إذا ترشح عمه خالد محي الدين أمام الرئيس مبارك فإنه سينتخب الرئيس مبارك، فلا القرابة ولا الدين هي المعايير الحاكمة للاختيارات السياسية في ظل المناخ السياسي السليم والمفتوح، وهذا ينطبق على الأقباط كما ينطبق على غيرهم. فرغم أن منير فخري عبد النور ويوسف بطرس غالي تجمعهما صلة قرابة إلا أن الأول بالطبع سيصوت لمرشح حزب الوفد، وهو يمثل لجنته البرلمانية في مجلس الشعب وهو وعائلته أعضاء فاعلون ومن مؤسسي الحزب.. في حين أن الوزير يوسف بطرس غالي بالطبع سوف يصوت للرئيس مبارك الذي ضمه إلى حكومات مختلفة وحقق الكثير من طموحاته في ظل رئاسة مبارك.. ومن غير المعقول أن يصوت جورج أسحق وأمين أسكندر وباقي أعضاء حركة "كفاية" من الأقباط للرئيس مبارك، فحركتهم قائمة أساسا على شعارات رفض التمديد والتوريث والفساد ، وبالمثل هناك أعضاء أقباط في حزب الغد سوف يصوتون لايمن نور بما في ذلك رجل دين قبطي في اللجنة العليا لحزب الغد أعلن على صفحات الجرائد أنه لن ينتخب مبارك وسينتخب أيمن نور وهذا حقه الدستورى كمواطن وعنده اسبابه وقناعاته التي جعلته ينضم إلى هذا الحزب، حتى مقاطعة الانتخابات هناك التزامات لدي بعض الأحزاب والحركات السياسة بمقاطعتها حسب توجهات هذا الحزب أو ذاك.

ثاينا: الرؤية الثاقبة العقلانية الموضوعية
المعيار الأساسي الذي يجب أن تتم على أساسه المفاضلة كما في ظل الانتخابات الديموقراطية هو المصالح والبرامج التى يقدمها كل مرشح. اختيار رئيس أو نظام معين هو الذي يحدد مستقبل الوضع المعيشي لك ولأودك، ويحدد برنامجه طريقة إدارته للبلاد. المفروض دراسة تحليلية موضوعية لتاريخ هؤلاء المرشحين وبرامجهم وماذا في جعبتهم ليقدموا من أجل حل هذه المشاكل المتراكمة؟ وهل قدموا وعودا من قبل ولم ينفذوها؟ وما هي الحلول المبتكرة التي يطرحوها للخروج من المأزق الراهن؟ وتاريخ المرشحين الشخصي ومدي نزاهتهم؟ ورؤيتهم للأخر وللعالم الخارجي؟ والعشرات من الأسئلة المهمة التي تطرحها على نفسك وتتقصي بناء عليها وتفاضل أي من الأشخاص القادر على تحقيق أحلامك ومصالحك ومصالح أولادك وشعبك وبلدك. وكل شخص يحدد من سيختار بناء على أجابات هذه الأسئلة وبناء على قناعاته الشخصية يقف وراء هذا المرشح أو ذاك، فطلعت السادات مثلا وهو ابن أخ السادات شريك مبارك في حرب اكتوبر والذي سلمه حكم مصر أعلن إنه لن ينتخب مبارك وسيصوت لايمن نور، وسعد الدين إبراهيم الذي كان يرغب في الترشيح ومنعته القيود التعجيزية فانسحب وأعلن إنه سيؤيد ايمن نور، و الأقباط مثلهم مثل غيرهم كل شخص له قناعاته وأهدافه وراء التصويت لفلان أو علان.

ثالثا: التفاعل السياسي
الشيء الضروري والأساسي هو أن يتفاعل الأقباط سياسيا مع حركة التغيير التي تحدث في مصر ويشاركوا فيها بفاعلية، فهي لحظات ستحدد مصير التاريخ المصري مستقبلا، وتاريخيا كان للاقباط دورا فاعلا في فترات التحولات الإيجابية في مصر، وإنكمشوا مع الانفاق المظلمة التي أدخلتنا فيها التيارات الدينية أو الأنظمة العسكرية، ولكن اللحظة الحالية هي إيجابية ، وتفاعل الأقباط معها أحد الضمانات حتى لا تنحرف عن إيجابيتها وتذهب إلى القوى الفاشية المتربصة والجاثمة على صدر مصر. يجب على الاقباط أن يشاركوا بكثافة في الانتخابات القادمة وكل الانتخابات على كافة المستويات، ونسبة الاقباط ووعيهم وتعليمهم ممكن أن ترجح كفة على أخرى ولنتذكر أن الاستفتاء على تعديل المادة "76" من الدستور المصري لم يصوت فيها سوي 3-4% من المصريين حسب تقرير نادى القضاة في مصر عن الدوائر التى راقبوها. وعموما نسبة أقبال المصريين على ممارسة حقهم الانتخابي متدنية للغاية مما يجعل التيارات الدينية الأكثر تنظيما تحصل على نسب مرتفعة ،وهذه فرصة الأقباط لتحديد مسار بلدهم مستقبلا بالأقبال الكثيف على الانتخابات والمشاركة فيها وتأدية الواجب الوطني الهام من آجل مستقبل آمن لهم ولأولادهم. على كل قبطى ان يصطحب معه اقاربه واصدقاءه، فالمشاركة فى التصويت تمثل حق اولى واساسى من حقوق المواطنة لا يجب اهماله او التفريط فيه.

رابعا: التوجه الإيدولوجي للمرشح
أحد المعايير الحاكمة لاختيارات الناخب هو التوجه الايدولوجي للمرشح، أشتراكي، رأسمالي، إسلامي، معاد للغرب، متعاون مع الغرب. فليس منطقيا أن يصوت رجل أعمال قبطي لحزب إشتراكي مثلا أو يصوت قومي عربي لحزب لا يؤمن بعروبة مصر أو بالعكس يصوت شخص يري العروبة كارثة على مصر لحزب كل شعاراته لا تتجاوز الوحدة العربية والقومية العربية. وفي كل الأحوال لا يصوت قبطي لشخص يؤمن بالأممية الإسلامية والأمة الإسلامية الواحدة والخلافة الاسلامية واعتبار مصر جزء من هذه الخلافة إلا إذا كان هذا القبطي إنتهازيا من الطراز الرخيص،فنحن لا نعرف إلا أمة واحدة هى الامة المصرية.

خامسا: الاقباط والتيار الإسلامي
هناك إجماع قبطي على رفض التيارات الإسلامية وفي مقدمتهم الأخوان المسلمين، ومن ثم لا يصوت الأقباط لحزب إسلامي أوحزب متحالف مع التيار الإسلامي فكلاهما يتبني أجندة التيار الإسلامي ومن ثم هم ضد الدولة المدنية.
الأقباط لا يصوتون لحزب أو لشخص يري انه يجب تطبيق الشريعة الإسلامية أو القوانيين الإسلامية،فالتيار الاساسى من الاقباط يؤكد على حتمية الفصل التام بين الدين والدولة اسوة بباقى الدول المتقدمة والمتحضرة. الأقباط يرفضون فرض الشريعة الإسلامية واى شريعة دينية فهذا تقويض للدولة المدنية، ومن ثم كيف يصوت قبطي لحزب أجندته الأساسية هي تطبيق الشريعة الإسلامية؟ القبطي الذي يفعل هذا ليس قبطيا.
القبطي يرفض التصويت لحزب هو تمثيل لجماعة دينية عضويتها الأساسية قائمة على الدين، ومازالت تتبع طقوس سرية للمنضمين إليها.
الأقباط لا يصوتون لحزب يري أن حقوقهم الوطنية هي نوع من السماحة الإسلامية.
الأقباط لا يصوتون لحزب يؤمن بثوابت جامدة منذ خمسة عشر قرنا ويريدون فرضها على الدولة المعولمة.
الأقباط لا يصوتون لحزب يؤمن بالأغلبية الدينية وليست السياسية، فهناك فرق شاسع بين المفهومين، فالأغلبية السياسية متحركة ، ويمكن أن تتحول إلى أقلية فهذا حق اساسي للناخب أن يحولها لأغلبية أو أقلية، أما الأغلبية الدينية فهي تقسيم ديني على أساس عددي ومن ثم فهي أغلبية جامدة لا تتحرك وتبقي أغلبية إلا إذا تحول أهلها إلى الدين الآخر وهذا شبه مستحيل.
الأقباط لا يصوتون لجماعة تدين الإرهاب لفظيا وتشجع عليه فعليا، وترفض إدانة الأفكار الإرهابية. حتى الآن يرفض الأخوان المسلمون الأعتراف بأن كتابات أبو الأعلي المودودي وابن تيمية وسيد قطب وغيرهم من أئمة الإرهاب، هي الوقود الأساسي الذي يحرك الإرهاب الدولي.
ولهذا يرفض الاقباط اى شخص يمثل التيار الديني الإسلامي أو يتحالف مع التيار الإسلامي، وإذا حدث وتحالف مرشح ما مع الأخوان المسلمين فيجب على الأقباط بلا تردد عدم التصويت لهذا المرشح وحزبه.

سادسا: المعيار الوطني والمعيار القبطي
أحد الأمور الحاكمة للناخب القبطي تتعلق بأجندة المرشح الوطنية، وهو في هذا يشترك مع بقية المصريين في تقييم المرشح بناء على ما في جعبته من آجل البلد، ولكن هناك معيارا آخر يحكم السلوك القبطي ماذا يملك وسيقدم هذا المرشح أو ذاك بالنسبة لقضية المواطنة وحقوق الأقباط تحديدا؟. فالمعروف أن هناك إنتهاك جسيم لحقوق الأقباط في كافة مناحي الحياة مستمر منذ عقود وهذه الانتهاكات تؤثر على كل شئون الأقباط من العبادة إلى الوظائف إلى البيزنس، وهناك أفضلية بالطبع للمرشح الذي يولي هذا الملف عنايته ولديه ما يقدمه من حلول حقيقية لهذه المشاكل والإضطهادات الواقعة على الأقباط وهذا يقودنا إلى نقطة أخرى.

سابعا: المفاوضات السياسية مع المرشحين
المفروض أن نشطاء الأقباط والشخصيات القبطية العامة أن تتفاوض مع المرشحين، فكل تأييد هو مشروط بماذا سيقدم لي هذا المرشح؟ وليس هناك تأييد مطلق فالسياسة في الأساسي قائمة على التفاوض والمساومات والمناورات والتحالفات المرنة المتحركة وانتهاز الفرص ومعرفة حركة التغيير والتاريخ والتجاوب معها.وليس فى هذا اى خطأ اخلاقى. فهذه هى السياسة .واضعف اوقات المرشح هى قبل الانتخابات وانتزاع منه بعض الوعود عبر التفاوض هو جزء اساسى من اى عمل سياسى يحدث ذلك فى كل النظم الديموقراطية، ولن نذهب بعيدا فهذا ما تقوم به جماعة الأخوان المسلمين، فهي في سباق مارثوني تتحالف مع من، وهي على أستعداد للتحالف مع الد خصومها وهو النظام القائم إذا وافق على مطالبها ودعم أجندتها الإسلامية المتطرفة، وقد تحالف الإسلاميون أكثر من مرة مع العسكر ربما أبرزها سيطرتهم على السودان لفترة طويلة مازالت أثارها السيئة باقية في التحالف الذى كان بين البشير – الترابي ، وقد تحالفوا مع حزب الوفد المصري عام 87 ودمروا ليبراليته من الداخل، وبعد ذلك تحالفوا مع حزب العمل وسيطروا عليه تماما، حتى أنحرف إلى أقصى درجات التطرف الديني وتم حله وإغلاق جريدته.فبالأولي على الأقباط، وهم لديهم أجندة مدنية تقدمية، أن يتفاوضوا مع المرشحين من آجل دعم الدولة المدنية وعدم ترك الساحة للمخربين وايضا تدعيم موقفهم فيما يتعلق بحقوقهم المهدرة.

ثامنا: عدم الخضوع لأي تأثيرات مسبقة
المفروض أن لا يتأثر الأقباط بالدعايات المكثفة لشخص دون الآخر أو يخضعوا لإي تأثير أي أن كان مصدر هذا التأثير، فليس لديهم مرشح أول وإنما كل المرشحين مصريين ومعيار التفاضل بينهم هو ما يملكه المرشح من كفاءات وما يحمله من رؤية للوطن وكذلك رؤيته لأوضاع الأقباط، فرؤية المرشح لمشاكل الأقباط هي من الأشياء المهمة ولكنها ليست المعيار الوحيد. على الأقباط أن يتابعوا الأحداث بدقة ولا يتخذون أحكاما مسبقة مع أو ضد مرشح ما إلا بناء على برنامجه وعلى حسابات عقلانية محضة.
وفي النهاية الضمير الوطني والأخلاقي يجب أن يكون مرشدا للقبطي قبل أن يدلي بصوته. والضمير هو الحاكم الأساسي فليس هناك تفويض لأحد بأن ينتخب نيابة عن الأقباط وكل قبطي مسئول عن صوته أمام ضميره.

تاسعا: الاهتداء بتجارب الشعوب والاقليات الأخرى
لن نمل من تكرار ، أن على الأقباط أن يدرسوا تجارب الشعوب والاقليات الأخرى، وهي تجارب ثرية وفيها الكثير من أوجه التشابه مع أوضاع الأقباط، وسوف أفرد مقالة خاصة مستقبلا عن الاستفادة من هذه التجارب المشابهة.

وأخيرا: الاختلاف موقف صحيح
لا يوجد في كل المرشحين العشرة شخص فذ يملك رؤية حقيقية لتقدم مصر، والمتنافسون على الرئاسة ليس هم أصلح الموجود في مصر ولكن القيود المتعسفة والتعجيزية هي التي جعلت هذه المنافسة مقيدة ومحدودة، ومن ثم فالأختلاف على تقييم هذه الشخصيات هو أمر طبيعي وصحي، فهم ليسوا إلهة وإنما بشر أخطاءهم أكثر من حسناتهم، إذن فمن الطبيعي أن تتوزع الأصوات القبطية على أكثر من مرشح حسب قناعات كل قبطى وحكمه على اهلية المرشح وكفاءته.
[email protected]