كنت وما زلت من أكثر المطالبين بحرية المرأة الشرقية، شرط أن لا تتنافى مع الآداب العامة، وأن لا تخدش الأعين والأسماع في آن واحد. والظاهر أن الكبت الجنسي عند المرأة في البلاد العربية المتزمتة، قد ألهب فيها نار الجنون والإنفلات متى انتقلت إلى البلدان الغربية، فراحت تتصرف كما يحلو لها، غير عابئة بسمعتها وسمعة عائلتها. وهذا ما حصل مع فنانة تشكيلية سورية خلعت ثيابها، من الحذاء حتى القبعة، وراحت تتمخطر في ساحة (واشنطن سكوير بارك)، أمام أعين الإعلاميين والناس، من أجل إيقاف رحى الحرب الدائرة في فلسطين والعراق. هكذا والله.
تصوروا أن عورة امرأة عربية ستوقف الحرب في فلسطين والعراق! وكأنها أول من ابتكر ثورة العري من أجل ألف سبب وسبب، دون أن يتوصل أصحابها إلى نتيجة مشرفة، غير السجن أو الشهرة الإعلامية، كالذي كسر مزراب العين تماماً.
قديماً، استعانت امرأة عربية بعورتها من أجل إيقاف حرب داحس والغبراء، فامتنعت أختنا (بهيسة) عن زوجها (عوف)، وأبت أن يضاجعها ما لم يدفع فدية القتلى من كلا الجانبين، ويوقف تلك الحرب المضحكة، وهكذا صار.
أعتقد أن فنانتنا العربية، إبنة الحسب والنسب، لم تفكّر بقضايانا العربية، ولا بإيقاف الحروب، ولا بدفع فدية قتلى الجانبين، بل بشهرتها فقط، وما أكثر طلاب وطالبات الشهرة في الغرب، خاصة أميركا حاضنة هوليوود، عاصمة السينما العالمية.
وكون فنانتنا التشكيلية من تشكيلة عربية، وسورية بالذات، فقد اهتم بها الإعلام الغربي اهتماماً بالغاً، ليس إكراماً لعينيها، بل نكاية بعقليتنا المتخلفة، وبأمتنا العربية التعيسة، التي تدعي ما ليس فيها، وتتحجج بتخلفها من أجل الحفاظ على أخلاق أجيالها الطالعة، وليثبت للعالم أجمع أن أغلى ما نملك، كعرب، أصبح تحت الأضواء، ومكشوفاً للجميع، فلماذا التستر بالعفة، والإدعاء الفارغ بأن المرأة العربية أفضل، من ناحية التربية والأخلاق، من المرأة الغربية؟!.
هدف التعري كان سامياً، ولكن الطريقة التي حدث بها جاءت مبتذلة وسخيفة ووقحة، لا تنفع معها كل التبريرات، وأن الشخص العاري لا يمكنه أن يحارب بدون أسلحة. مع العلم أن أقوى الأسلحة على الإطلاق هي مفاتن المرأة، فلا نابليون تغلب على جوزافينه، ولا عنترنا المغوار على عبلته.
صحيح أن هناك مسابح (بلاجات) للعراة، ونوادي أيضاً، ولكنني لم أسمع بأحد منهم سخّر الحدائق العامة لعورته إلا واعتقلته الشرطة، وحققت معه لساعات، وأخذت بصمات أصابعه العشر، وصورته كاللصوص والقتلة ومنتهكي حرمات الآخرين، وها هي حرمة أخرى قد انتهكت في واشطن دون أن تتوقف الحروب، أو تتحرر فلسطين أو العراق.
قضية فلسطين يحلها أبناء فلسطين، وها قد بدأوا بحلها، أما حرب العراق فلن توقفها عورة امرأة، ولا عوراتنا جميعاً، إذا لم يتفق الشعب العراقي على دستور رائد، ووطن رائد، ومستقبل رائد.
كفى متاجرة بقضايانا المصيرية، فلقد تعبنا من العروبة، والسياسة، والكذب، والطائفية، والعنصرية، والإرهاب.. والعري التشكيلي أيضاً.
أخاف أن يقال يوماً أن بعض نسائنا قد ضربهن جنون البقر.

[email protected]