كنت أنتظر أن يتحول المجلس الإسلامي الأعلى إلى حزب سياسي أسترالي، أو أن تعلن الجمعية الإسلامية في لاكمبا أنها تحولت إلى حزب يدافع عن المسلمين في هذه القارة البعيدة.
كنت أعتقد أن فكرة تأسيس حزب إسلامي ستأتي من أحد الإخوة العرب، بعد أن تكاثروا، وأصبح لهم ثقلهم في المجالات الإجتماعية والتربوية والسياسية، ولكن الفكرة جاءت من أحد المهاجرين الفيتناميين، فلا تتعجبوا!
أخونا كيرت كنيدي، وهذا اسمه، غايته من إنشاء الحزب هي تحضير جميع الأستراليين إلى العيش في ظل القانون الإسلامي الذي ينص عليه القرآن، أي أنه يريد تحقيق القوانين الواردة في القرآن، ضارباً عرض الحائط بالقوانين المدنية الراقية التي تتنعم بها أستراليا، والتي لولاها لما تمكن (كيرت) من التعبير بحرية عن معتقده، كما يفعل الآن.
يقول (كيرت) أن القوانين القرآنية لن تشكل قلقاً لأحد، وستنصف الجميع، لأن من يقرأ القرآن لن يجد فيه أشياء سلبية قد تؤثر على حياته أو ممتلكاته. وكأن السلبية ما وجدت إلا في الأديان الأخرى، أو في القوانين المدنية الأسترالية، ويجب تغييرها، نكاية بالتعايش الإجتماعي، والتسامح الديني، وكل ما أنتجت الديمقراطية من نعم إنسانية راقية، فاقت برحمتها جميع النعم التي قيل أن الله قد أنعم بها علينا.
والظاهر أن حزب أخينا (كيرت) ما زال طفلاً يحبو، إذ أنه يضم في عضويته ، على حد ادعائه، مئتي عضو لا غير، بما فيهم زوجته وأمه وأبوه وإخوته وأولاد حميه، ولكي يسجل الحزب فيدرالياً عليه أن يضم أكثر من 500 عضو، وهذا ما سوف يعجز عن إيجادهم، لأن لا أحد من المسلمين العرب ستنطوي عليهم الحيلة، وهم من شردتهم الأحزاب، والطائفية، والتلطي وراء دينهم الحنيف من أجل غايات وغايات سئموا منها ومن أصحابها.
ولأن (كيرت) يعلم أن ما ذكرته عن قرف المسلمين من الأحزاب الدينية هو الحقيقة بعينها، راح يخبرنا أن حزبه سيدافع عن الذين يؤمنون بالله، وكأن من يؤمن بالله هو المسلم فقط، وبحاجة إلى (كيرت) كي يدافع عنه، فأين مفتي المسلمين في أستراليا، وأين الجمعيات الرائدة التي ذكرت، لا بل أين الحكومات الأسترالية التي تحمي جميع مواطنيها دون استثناء؟
ولكي تدب الحمية فينا أكثر فأكثر، وننضم إلى حزبه، راح ينفث فينا سموم الطائفية فيقول: لنكن صريحين وواضحين، نحن نؤمن بالله ودينه، ونطيع القوانين التي في القرآن، ويحق لنا أن نعلن ذلك دون خوف. ومتى خاف المسلم الأسترالي من إعلان إيمانه بالله، وتمسكه بقرآنه، والحكومات الأسترالية تدفع الملايين من أجل أن يعرف كل إنسان دينه، وأن يتمسك به أكثر.
وكما قلت، فانضمام 500 عضو إلى حزب (كيرت) ليس سهلاً، لذلك أعلنها جهراً أن من حق غير المسلم أن ينضم للحزب البعيد عن فساد (الذين يرسلون الأغذية لمساعدة العراقيين، ثم يرسلون الجنود لقتل الأبرياء). أف.. لقد دخلت السياسة في الموضوع، وما دخلت السياسة شيئاً إلا أفسدته.. حتى الأحزاب الدينية.
الكلمة الوحيدة الصادقة التي نطق بها أخونا (كيرت)، هي أنه لا يضمن عدم دخول متطرفين إلى حزبه، رغم أنهم لن يجدوه مناسباً لهم، إذ أنه حزب ديمقراطي سلمي. وكيف سيكون سلمياً وهو سيفرض على جميع الأستراليين، مسيحيين وبوذيين ولا دينيين وغيرهم وغيرهم، ما يؤمن به فقط، وإلغاء كل ما تؤمن به جميع شرائح الشعب الأسترالي، المكون من طوائف، وإثنيات، ولغات، وأعراق، قد يعجز الحاسب الآلي عن تعدادها.
لا لن يصبح الإسلام حائطاً للتلطي وراءه، فالمسلمون المسلمون، أنى وجدوا، باتوا يدركون أن إسلامهم ما جاء إلا رحمة للعالمين، وهذه الرحمة لن تتحقق إلا بالتعايش واحترام قوانين الدول التي يعيشون بها، ويعتاشون منها، وهذا ما يحصل الآن في أستراليا، ففتش عن غيرها يا (كيرت)!

[email protected]