من يجرؤ على الإجابة

أعرف مسبقا وعن وعي كامل حساسية هذا السؤال في ظل العنف الذي يجتاح قطاع غزة مرة من قبل صواريخ ومتفجرات حماس، ومرات من قبل جيش الإحتلال الإسرائيلي، وأعرف أن الغوغائيين المتلفعين برداء الدين جاهزون لإلقاء الإتهامات التي تبدأ بالعمالة للموساد و لاتنتهي بتهمة الدفاع عن السلطة الفلسطينية. أعرف كل هذا فقد تعودت عليه كلما كتبت كلمة حق في وجه السلاطين الجائرين في الأنظمة العربية ومناطق السلطة الفلسطينية، وهم كثيرون وفي مقدمتهم مسؤولي حماس الذين يعتقدون لمجرد أنهم يضعون صفة (الإسلامية) ضمن إسم حركتهم، فهذا يعطيهم الحق في أن يكونوا فوق البشر وفوق الحقيقة..يكذبون و يكذبون ويريدوننا أن نصدق أكاذيبهم كما صدقوها هم... نحن نحترم شهداءكم وتضحيات المخلصين منكم..ولكن نرفض السكوت على أخطائكم التي تصل أحيانا حد الجرائم في حق الشعب الفلسطيني..ونعرف رأي الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني في تصرفاتكم، فنحن نعيش في أوسلو وغيرنا في العديد من العواصم الأوربية، ولكننا أبناء المخيمات وأهلنا مازالوا فيها ونسمع يوميا عبر الهاتف شكاويهم منكم وحجم الإرهاب الذي تفرضونه عليهم ونسمع شهادات العديد من عناصركم الذين هربوا طلبا للجوء الإنساني في أكثر من عاصمة أوربية، وكانت المفاجأة لنا ولمحققي وزارات العدل التي تدرس طلبات اللجوء، أنهم لم يهربوا خوفا من جيش الإحتلال ولكن خوفا من ظلمكم وإفتراءاتكم عليكم بتهم أبسطها التعامل مع الموساد، وقد منحوا اللجوء على هذا الأساس..ولعلمكم حياتنا في أوسلو والعواصم الأوربية لا ترقى إلى حد عشرين في المائة من حياة قياداتكم في بعض العواصم العربية حيث هم نزلاء دائمين في شيراتون الدوحة والقاهرة ودمشق وغيرها...لذلك فاقرأوا وردوا بحقائق وليس بشتائم، وإن كانت حقائقكم تنقض ما سنذكره فلدينا الجرأة على تبني حقائقكم وتعميمها على القراء، فلا عداوة شخصية بيننا وبين واحد منكم، فلم نتشرف بعد بلقاء واحد منكم والتعرف عليه...لذلك آمل أن تسمعوا وتعوا!!.

إستكمل جيش الإحتلال الإسرائيلي إنسحابه من قطاع غزة ظهر يوم الإثنين الموافق الثاني عشر من سبتمبر الحالي، بدليل الأفراح والعرضات والدبكات والإستعراضات التي أقمتموها في كافة مدن وقرى ومخيمات القطاع، واستمر الهدوء كاملا حتى مساء الجمعة الموافق الثالث والعشرين من سبتمبر الحالي، وقمتم مساء هذا اليوم بتنظيم إستعراض عسكري ضخم في قرية جباليا شمال القطاع، وكنتم منتشين بالنصر وسط الهتافات والأسلحة وأعلامكم المرتفعة ماعدا علم فلسطين....وفجأة دوّى إنفجاركبير رهيب في إحدى سيارات عرضكم العسكري، فقتل عشرين فلسطينيا وجرح قرابة المائة، وقبل نقل الجرحى إلى المستشفيات بدأت تصريحاتكم الصاروخية تتهم الجيش الإسرائيلي بأنه أطلق صاروخا من مروحية كانت في سماء العرض العسكري...ثم تواترت الأنباء، فكذّبكم العديد من شهود العيان، وكذلك حركة فتح التي كان لها عناصر وعيون في العرض كذبتكم، ووزارة الداخلية الفلسطينية التي كان لها مراقبون ومشاهدون للعرض كذبتكم، ولما أدركتم أن عمر الكذب قصير، وأن الشعب الفلسطيني سينقم عليكم نتيجة وضع هذا الكم الهائل من المتفجرات في ساحة العرض، تفتق ذهن مفكريكم الإستراتيجيين عن أن أفضل وسيلة لتضييع معالم جريمتكم هي إضاعتها وسط جريمة مشابهة أو جرائم أكبر، فبدأتم حسب بياناتكم بإطلاق ما لا يقل عن ثلاثين صاروخا على منطقة سديروت الإسرائيلية، وأنتم تعرفون أن إسرائيل لن تقف صامته خاصة في ظل التحدي الذي واجهته حكومة شارون من اليمين الإسرائيلي الرافض لإنسحابه من القطاع بما فيهم وزير ماليته بينيامين نيتنياهو الذي إستقال إحتجاجا على الإنسحاب، ورغم ذلك أكملت حكومة شارون الإنسحاب بشجاعة وصلت حد التصدي بالقوة لبعض المستوطنين، وهذا ليس إدعاءا مني بدليل إحتفالاتكم وعروضكم العسكرية بالنصر المبين!!!. وبالطبع وكما هو متوقع بدأ الرد الإسرائيلي الذي يعيش القطاع والضفة تداعياته الخطيرة، ووسط هذه التداعيات ورغم هولها حققتم ما تريدون، فقد نسى الشعب جريمتكم في العرض العسكري ونسى عشرين قتيلا ومائة جريح، وبدأ الإنشغال بالرد الإسرائيلي الجارف وكيفية وقفه، بما فيها السلطة الفلسطينية، واحد فقط من وزراء هذه السلطة، تجرأ على قول الحقيقة، وهو صائب عريقات مسؤول ملف المفاوضات في السلطة الفلسطينية، إذ صرّح لصحيفة (دنيا الوطن) الإليكترونية الصادرة في مدينة غزة، يوم الأحد الموافق الخامس والعشرين من سبتمبر الحالي، حيث قال حرفيا: (إن أسباب التصعيد الإسرائيلي الجاري في الأراضي الفلسطينية يعود إلى تجاوز الفصائل للسلطة الفلسطينية والإستقواء عليها) وأوضح أنه (منذ أن أدركت هذه الفصائل ان السلطة الفلسطينية ضد نشوب حرب أهلية بدات الإستقواء عليها)، وطبعا من الواضح أنه يقصد من ضمن هذه التجاوزات هذه العروض العسكرية التي لا تكرس سلطة واحدة، ولا أمنا واحدا، بدليل كل هذه التجاوزات التي حصلت وتحصل يوميا ليس آخرها مجزرة العرض العسكري لحماس، فمسلسل الإغتيالات والقتل في الشوارع طال وزراءا وألوية ومحافظين من رجال السلطة. وعودة لمجزرة العرض العسكري، صرّح توفيق أبو خوصة الناطق بإسم وزارة الداخلية الفلسطينية لنفس الصحيفة الفلسطينية وفي نفس التاريخ : (إن لدى وزارة الداخلية أدلة قاطعة تؤكد أن الإنفجار الذي حصل خلال عرض عسكري لحركة حماس في مخيم جباليا قبل يومين، نجم عن خلل في المتفجرات التي عرضها أفراد من حركة حماس)، وأوضح (أن الشارع الفلسطيني يعلم حقيقة ماجرى في جباليا)، وبالتالي هل كان هناك ضرورة لإطلاق الصواريخ على مستعمرة إسرائيلية؟ النتيجة هي أن حماس أنست الجماهير المجزرة التي حصلت في عرضها العسكري، ولكنهم إنشغلوا بمجازر جديدة ردّ بها جيش الإحتلال الإسرائيلي!!

لذلك أعلن محمود الزهار عضو المكتب السياسي لحماس، فجأة مساء الأحد الماضي (أن حركته سوف توقف هجماتها الصاروخية التي تطلقها ضد إسرائيل). هكذا دون أن يوضح للشعب الفلسطيني ماذا حققت حركته من إطلاق ثلاثين صاروخا تلفزيونيا، بإعتراف إسرائيل أنها لم تهدم مبنى ولم تقتل إسرائيليا، ولكنها كانت السبب في كل هذه الغارات الإسرائلية على القطاع...أليس هذه التصرفات مغامرات سياسية ذات أهداف خاصة بأجندة حماس في (دولة غزة)، وإلا فليوضحوا للشعب الفلسطيني : لماذا بدأوا بإطلاق صواريخهم عابرة القارات، طالما كل الشواهد والقرائن والشهود و حركة فتح و وزارة الداخلية الفلسطينية، أكدوا أن إنفجار متفجراتهم الذي أدّى لمجزرة جباليا لم تكن إسرائيل وراءه؟؟ ولماذا فجأة أعلنوا وقف إطلاق هذه الصواريخ؟ وماذا حققوا سوى تغييب وعي الناس وحرف أنظارهم عن مسؤوليتهم عن مجزرة جباليا؟؟. ولكن مقابل كل هذا الدمار والموت الذي رد ّبه الجيش الإسرائيلي، ومن ضمنه إغتيال محمد الشيخ خليل أحد المسؤولين العسكريين في حركة الجهاد الإسلامي، فردت الحركة بإطلاق ثمانية صواريخ على مستعمرة سديروت ذاتها، ليدخل الشعب الفلسطيني حلقة صاروخية جديدة، فما إن تتوقف صواريخ حماس عابرة القارات حتى تنطلق صواريخ الجهاد الكيماوية، وكلاهما دوما على مستعمرة سديروت شبه الخالية من السكان الإسرائيليين، لذلك فهي لا تقتل أحدا في أغلب الحالات لكنها تعطي الذرائع للحكومة الإسرائيلية لتنفيذ وإغتيال من تريد، فلولا صواريخ حماس لما إغتالت محمد الشيخ خليل في هذا الوقت بالذات، وهذا ليس دفاعا عن جريمة الإغتيال، ولكنه تأكيد للغباء السياسي الذي يتحكم في تصرفات وردود فعل بعض التنظيمات الفلسطينية، بدليل أن محمد الهندي أحد مسؤولي الجهاد، أعلن إن (المقاومة التي هزمت المشروع الإستيطاني في غزة، ستهزم عما قريب بإذن الله مجرم الحرب شارون)، وكأن الهدف الفلسطيني هو إسقاط شارون، متناسيا أن المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة ليست مقترنة بالشخوص، بدليل أن أكبر مصائب الشعب الفلسطيني تمت في زمن حكومات حزب العمل.....وهذه النقطة ليست موضوعنا، فالأمر يتعلق با لتخبط السياسي والسلوكي لهذه المنظمات الذي لا يحقق هدفا سوى المزيد من التخريب والتدمير والقتل، وهو يوصلنا إلى السؤال المركزي : ماذا جنيتم للشعب الفسطيني من عسكرة الإنتفاضة طوال السنوات الخمس الماضية، سوى مالايقل عن خمسة الآف قتيل أو شهيد، فالتسميات ليست مهمة في هذا المقام، وآلآف الجرحى والمعوقين والأسرى والمعتقلين وتدمير شبه كامل للبنية التحتية في القطاع والضفة، وغالبية الشعب تعيش في فقر مدقع، وكل ما تطلبونه هو إنسحاب الجيش الإسرائيلي إلى حدود ما قبل إندلاع الإنتفاضة والإفراج عن الأسرى والمعتقلين والتوقف عن سياسة الإغتيالات!!. وعندئذ من المسؤول عن كل هذه الخسائر الجسيمة التي هي فعلا فوق طاقة الشعب الفلسطيني؟؟. وهذا التساؤل ليس مني فقط، فالعديد من إستطلاعات الرأي الفلسطينية المحايدة، كانت نتيجتها أن نسبة عالية من الشعب الفلسطيني كانت وما زالت ضد عسكرة الأنتفاضة...فقط أرجوكم أجيبوا بجملة واحدة : ماذا حققتم من هذه العسكرة طوال السنوات الخمس الماضية، فربما عندكم ما لا نعرفه ولا تستوعبه عقولنا!

...... بعد كل هذه الوقائع والحقائق و التساؤلات، هل تمتلك قيادة حماس الجرأة على الإعتراف بمسؤوليتها عن الجريمة وتداعياتها المؤلمة، في ظل مقولة (الإعتراف بالذنب فضيلة). وهي أيضا مسؤولية السلطة الفلسطينية التي أعلنت أن ملف التحقيق في هذه المجزرة تمت إحالته إلى النيابة العامة، متذكرين أن هذه السلطة لا تملك الجرأة على الإمساك بالمسؤولين عن الجريمة وإحالتهم للقضاء، فمن أين تأتي الثقة وعشرات القضايا الخطيرة تمت لفلفلتها والسكوت على مرتكبيها، وهل هناك ضرورة للتذكير بجريمة إغتيال الصحفي خليل الزبن ومحاولة إغتيال الوزير نبيل عمرو وجريمة إغتيال اللواء موسى عرفات، والسلطة تعرف القتلة بالإسم والمكان بدليل أن قيادة فتح في غزة فاوضتهم للإفراج عن إبنه منهل، ثم تواترت الأنباء عن تهريب القتلة إلى مصر عبر معبر رفح!
وكما كانت تقول جدتي (محتارين من وين نتلقاها)، وفي حالة الشعب الفلسطيني في القطاع والضفة : من عناصر الفصائل و تجاوزاتها أم من سكوت السلطة وإهمالها أم من جيش الإحتلال وجرائمه... والله المستعان عليكم جميعا!!

[email protected]