هناك بعض الناس تنتابهم قشعريرة بمجرّد ذكر لفظة الإسلام، و كأنّهم أمام مرض معدي سرعان ما ينقضّ على الجسد فيجلعه هباءا منثورا..لكن هل الإسلام بهذه الفظاعة التي يتصورون!
قد لا أتعجبّ عندما ينبري كاتب من الجغرافيا الغربية للإفتراء على الإسلام وحضارته دون وجه حقّ، لكن المستغرب حقّا أن يطعن الإسلام من قبل بنيه وفي الظهر بل في نخاعه الشوكي، و هنا لابدّ من تحليل إبستمولوجي لظاهرة الإسلام فوبيا عربيّا...
مبدئيا كثير من الذين كتبوا ضد الإسلام في الخارطة العربية وحتى تلك التعليقات التي ترد في ذيل مقالات كتّاب إيلاف – وأنا أحدهم – فيها تحامل كبير على الإسلام ويا ليته كان تحاملا علميا وموضوعيا في تحليل المفردات المكونّة للنص القرآني أو النبوي، بل في الأغلب يراد الحكم على الإسلام من خلال تصرفات المسلمين، أو من خلال المسلكية السياسية والحركية لهذا التيار أو ذاك والذي يتخذ الإسلام عنوانا له، وهذا في حدّ ذاته خلل منهجي كبير قد يفضي إلى نتائج غير واقعية وغير موضوعية في نفس الوقت..
لقد أحدث الإسلام نقلة نوعية بل وقياسية في مجتمع الجزيرة العربية و دول الجوار، وتكفي مقارنة بسيطة بين هذا المجتمع و أفقه قبل الإسلام وبعده لندرك قدرة الإسلام على تحضير المجتمع والرقي به إلى مستوى متقدم وفي كل الإتجاهات، و هنا لا داعي للإستشهاد بالكمّ الهائل من إفادات المستشرقين في هذا السياق حتى لا يقال أنّ البعض في العالم العربي والإسلامي يدلل على عظمة حضارته الإسلامية من خلال أقوال المستشرقين، بل إنّ قناعتي كاملة أنّ الحضارة منجز إسلامي صرف وللإسلام القدرة الذاتية على صناعة هذه الحضارة...
وبالعودة إلى وجهات نظر المعقديّن من إسلامهم – والذين نقرأ تعليقاتهم على كتّاب إيلاف والذين بدورهم يشكلون إمتدادا لمثقفي الفودكا والكباريهات الذين يحكمون على الإسلام بعد أن يكونوا قد أخذوا قسطهم من كؤوس الصبابة والخمرة المعتقّة – فإنهم يحكمون على الإسلام من خلال العصر العبّاسي والأموي و المماليك ويحاولون إلصاق الأخطاء السياسية التي إقترفها المحسوبون على الإسلام بالإسلام، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى حقيقة تاريخية وراهنة وهي أنّ الإسلام لم يدخل الحيّز التطبيقي إلاّ في فترة حياة الرسول عليه الصلاة والسلام و ما أعقبه بعد ذلك بقليل حيث تصدعّت التجربة الإسلامية ليس لخلل في المنظومة الفكرية والعقدية للإسلام بل يعود ذلك إلى تغليب الآنا على المجموع و طغيان المصالح الخاصة على المصالح العامة والعودة إلى مفردات الثقافة الجاهلية وتحديدا مبدأ الإعتزاز بالقومية والإنتماء القبلي وبروز الطوائف والملل حيث عملت كل طائفة على تجزئة الإسلام و إستنباط ما يؤكّد صحة منطلقها الإيديولوجي منه دون إثرائه معرفيا ..
وعلى صعيد آخر فإنّ العرب قبل الإسلام كانوا لا يعرفون إلاّ الشعر وبعضا من الفنون التي إستوردوها من هنا وهناك، لكن بعد الإسلام عرفوا الشعر و الطب والفلسفة والفلك والرياضيات و الجبر والحكمة بمعنى أنّ الإسلام كان له فضل إطلاق العنان للعقل ليبدع في تفاصيل الحياة على قاعدة تعمير الأرض وفق إدارك شروط الطبيعة و قانون العلة والمعلول..
والذين يرمون الإسلام بالجهل و التعصبّ والتطرف والإرهاب، لم يتعاملوا مع الإسلام كمنظومة فكرية وعقائدية متكاملة، فهذا راح يحكم على آية واحدة وذاك راح يحكم على نصف آية، وآخر راح يحكم على ربع حديث، والبعض وحتى يجوّز لنفسه الإسترسال في السكر والعربدة والمجون والعهر الأخلاقي راح يشكك في القرآن كله حتى يتحررّ من قيد الإلتزام بالحكم الشرعي، بمعنى أنّ كل المستغربين العرب و المرجفين من إسلامهم لا يملكون دراسة كاملة متكاملة عن مكونات الفكر الإسلامي و مقومات البحث الأكاديمي في نقد الظواهر الفكرية، فالإلمام باللغة وظروف نزول الأية و الإطلاع الموسّع على تفسيرها و معرفة الناسخ من المنسوخ ومؤونة كبيرة من العلوم كلها ضرورات في نقد النص الديني أو الإلمام بمعناه و فهم هذا النص من مختلف جوانبه هو الشرط الأساس لنقده..
والملاحظ أنّ المرجفين من إسلامهم أكثر تمكنا من أغاني نانس عجرم و هيفاء وهبي و بقية التفهاء، فيكف وهم يفتقدون إلى أدوات النقد أن ينتقدوا دينا علم البشرية معنى الرقيّ، وهذا يجري على المعلقين على مقالات يحي أبوزكريا في إيلاف، فهذا يقول هذا صديق فيصل القاسم و يملكان نفس التوجه الفكري، وذاك يقول هذا يقبض من الجزيرة، و ما إلى ذلك من توافه الأمور، و أحاول جاهدا أن أكتشف العلاقة بين هذه التعليقات ومواضيع مقالاتي فأجد أنّ الفرق بينهما كالفرق بين مايكل جاكسون وأم كلثوم..
وينطلق البعض في عدائه للإسلام من قوالب نظرية وضعها كتاب غربيون في التعامل مع ظاهرة دينية بعيدة كل البعد عن واقعهم، والإسقاط في مثل هذه الحالة يضرّ بالموضوعية إلى أبعد الحدود حتى في الممارسة التطبيقية فخطة شاخت الألماني التي تسببّت في نهضة ألمانيا إقتصاديا باءت بالفشل الذريع عندما طبقّت في إندونسيا، و خطط التسيير الرباعي و الخماسي التي تسببّت في بعض النجاح لما كان يعرف بالإتحاد السوفياتي سابقا باءت بالفشل الذريع في الجزائر وليبيا ومصر وهي الدول التي كانت محسوبة على محور موسكو سابقا..
ولا يبذل هؤلاء المرجفون أي جهد في قراءة الإسلام مجددا، والتمعن في مكوناته المعرفية، فجل ما قرأه هؤلاء نصا لإبن تيمية الحراني، و جملة لإبن القيم الجوزية، و عبارة لنصر الدين الطوسي، و مفردة لأبي حامد الغزالي، فكيف عندها ننتقد عملاقا فكريا وجبلا شامخا معرفيا بأدوات بسيطة و يتيمة لا ترقى إلى مستوى فعل النقد الحقيقي..
كما أنّ العديد من المسيحيين العرب يصبون جام غضبهم على الإسلام و كأنّ الإسلام أبادهم شر إبادة و هو ما لم يحدث مطلقا، فالإسلام يقّر بأنّ أقرب أهل الديانات إليه هم النصارى... أما أنّ نقرن بين ما يفعله البعض في أقطار شتى في العالم الإسلامي بالإسلام، فتلك ظلامة فكرية أبعد ما تكون عن الموضوعية و المنهجية، وللبحث تتمّة.....