إن ما يجري في العراق من الإرهاب المتمثل بالقتل الجماعي الوحشي وعلى الهوية الطائفية ليس وليد الساعة أو حالة خاصة بالعراق، كما هو ليس من صنع إنسان خرافي أو أسطوري اسمه أبو مصعب الزرقاوي الذي هو من الأغراب ولا ينتمي إلى العراق أصلاُ، أومن صنع البعثيين وحدهم، إذ حصل هذا في الجزائر والذي أودى بحياة نحو 150 ألف إنسان، وإنما الإرهاب ومن يقوم به هو نتاج الثقافة العربية الضاربة جذورها في عمق تاريخ العرب وإلى ما قبل الإسلام. فهذه الجرائم الإرهابية في العراق لم يشترك بها فلول البعث وحلفاؤهم الزرقاويون فحسب، ولا فقط أئمة المساجد من فقهاء الإرهاب الذين وعدوا الإرهابيين بالجنة وحور العين والولدان المخلدين، بل يشارك بها حتى المثقفون العرب بمن فيهم دعاة التقدمية والحداثة. وقد أجاد شاكر النابلسي في فضح المثقفين العرب في مقالته الموسومة (عار المثقفين العرب في العراق) في إيلاف، كذلك فؤاد عجمي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز، في مقالته القيمة ( Heart of darkness) المنشورة في The Wall Street Journal (wsj.com) حديثاً. والباحثان غنيان عن التعريف، فهما من المثقفين العرب المتنورين المقيمين في أمريكا، وأنا واثق أنهما لو كانا مقيمين في البلاد العربية لما استطاعا أن يدافعا عن الحق والحداثة والديمقراطية بهذه الصراحة والحرية وربما لما سمعنا بهما.
ليست الغاية من هذه المداخلة الطعن بالعرب كما يتصور البعض من دعاة سياسة النعامة وأعداء النقد، بل لكشف عيوبنا وأمراضنا الاجتماعية والاخلاقية، وتشخيصها والبحث عن العلاج الناجع لها. فالنقد أساس التقدم، كما يقول ماركس، وقد بلغ السيل الزبى، ولم يعد مجدياً طمس الحقيقة في الرمال ومدح الذات وكيل الإطراء الرخيص والتغني بالأمجاد الغابرة والماضي السحيق، والاكتفاء بتعليق غسيلنا وهزائمنا على الأجنبي ونظرية المؤامرة البائسة التي أدمن عليها العرب. لنقولها صراحة ودون أي لبس أومواربة، إن ما يجري من القتل الجماعي في العراق هو نتاج الثقافة العربية التي نشأ عليها العرب عبر قرون، وقد جاءت ثمارها الآن بشكل مكثف وفضائحي وصريح نتيجة تراكمات كانت تنمو تحت السطح وتنتظر الفرصة المواتية للانفجار والتعبير عن نفسها بهذا الشكل الرهيب المخزي. وسبب انفجارها وكشفها للعالم الآن وبهذه الضخامة والوضوح هو توفر الفرصة لها والثورة المعلوماتية وتكنولوجية المعلومات والمواصلات التي جعلت العالم قرية كونية كبيرة حيث لم يعد هناك مجال لإخفاء الحقائق عن العالم. فما يجري في العراق الآن هو عبارة عن انفجار خرّاج متقيِّح ظل محتقناً في جسد العرب عبر قرون وأخيراً انفجر في العراق بقيحه العفن الذي يزكم الأنوف، وسوف يتفجر هذا القيح في بلدان عربية أخرى في المستقبل القريب، وفعلاً قد بدأ على شكل انفجارات متقطعة في هذه البلدان مثل المغرب ومصر والعربية السعودية وغيرها ولكن القادم أعظم.
إن الأحداث التاريخية المرئية في أي بلد هي نتاج أفكار، أي ثقافة ذلك الشعب. والمقصود بالثقافة هنا، هو الموروث الاجتماعي أي ما يسمى باللغات الأوربية culture والذي يعرف بأنه منظومة الأعراف والتقاليد والاخلاق الاجتماعية والقبلية والمعتقدات الدينية والمذهبية التي تتناقلها الشعوب من جيل إلى جيل. فالثقافة العربية هي متوارثة من العصور الجاهلية، فيها الغث وفيها السمين، ولم يتخلص العرب من غثها حتى بمجيء الإسلام، بل أضفى الإسلام صفة القداسة الدينية على الكثير من مكونات هذه الثقافة الموروثة، لذلك نراهم يعاملون الإسلام بطريقة العصبية القبلية كتعاملهم مع الأعراف القبلية الأخرى، لا كدين يدعو إلى السلام والمحبة والعلاقة بين الخالق والمخلوق.
والجدير بالذكر أن العرب من أشد الشعوب تعصباً وأكثرهم تعلقاً بالماضي وتمسكاً بتقاليد السلف. لذلك نراهم عصيين على التحضر والتطور، وأقلهم اهتماماً بالحاضر والمستقبل، مولعون بالتغني بالماضي وبالغزوات والحروب، يعادون ما عند الشعوب الأخرى من علوم وأفكار، إذ يطلقون عليها أسماء تحقيرية حيث يسمونها بالعلوم الدخيلة والأفكار المستوردة، كدليل على ممانعتهم للتعلم من الغير. وما حصل في عصر الخليفة العباسي المأمون من حركة ترجمة كانت حركة طارئة ويتيمة في الثقافة العربية-الإسلامية، واجهتها حركة شنيعة من مطاردة واضطهاد للمفكرين المسلمين الذين انفتحوا على فلسفات الإغريق ومعارف الأمم الأخرى. لهذا فقد قيل لو أنزل القرآن بلسان أعجمي لما آمنت به العرب. كما جاء في القرآن الكريم (الأعراب أشد كفراً ونفاقاً)، كذلك وصفهم ابن خلدون بأنهم ضد العمران، أي ضد الحضارة. فقد أثبت التاريخ تعصب العرب القبلي والعنصري والديني والطائفي ونزعتهم المتطرفة في إلغاء الآخر وعدم التسامح مع الآراء والأديان والمذاهب المختلفة، ونظرتهم الدونية لغير العرب وعداؤهم الشديد المستفحل للأديان الأخرى وتحقيرهم للحياة وتمجيدهم للموت. هذه هي أهم مكونات الثقافة العربية التي وضعت العرب في حالة صدام مع البشرية وقادت إلى المصير المأساوي.
وحتى في فجر الإسلام، حيث لم تكن هناك حركات قومية بالمعنى العصري الحديث، كان العرب يمقتون المسلمين من غير العرب ويسمونهم بالموالي ويمارسون ضدهم التمييز العنصري. وعلى سبيل المثال لا الحصر، نذكر هذه الرواية من التاريخ والتي تقول: (أعقب عبدالله بن مسعود في قضاء الكوفة شريح بن حارث الكندي المشهور بشريح العراقي إلى ولاية الحجاج، أمير العراق، وقد أسن، فطلب من الأمير إعفاءه مشيراً بتولية أبي بردة ابن الصحابي أبي موسى الأشعري، فأعفاه الحجاج وولى أبا بردة، وجلس معه في الحكم سعيد بن جبير، مع أن العرف والإتجاه العام في تعيين القضاة أنهم (لا يولون إلا عرباً). فلما ولي ابن جبير، وهو من الموالي (ضج عرب الكوفة وقالوا: لا يصلح القضاء إلا لعربي). (د. عبدالرزاق علي الأنباري، حضارة العراق، ج6، ص 168). وهذا يكشف لنا العنصرية المتأصلة عند العرب ولم ينجح الإسلام في التخفيف من غلو تعصبهم العنصري.
إذنْ، مشكلة العرب هي تعصبهم إلى حد الهوس كمرض عضال، أنهم يعتقدون باحتكار الحقيقة وإلغاء الآخر ويرفضون التعايش مع المختلف حتى ولو كان هذا المختلف من أبناء جلدتهم أي من نفس القومية ونفس الدين بل بمجرد الاختلاف في المذهب. وموقف الشعوب العربية واضح من الشيعة في العراق وفي العالم، ومن الأقليات الدينية والقومية في البلاد العربية. فالشيعة (رافضة) وهذه التسمية تحقيرية للحط من قدر أبناء المذهب الشيعي إضافة إلى نعوت أخرى تلصق بهم مثل وصفهم بالرتل الخامس وعملاء الفرس المجوس. وهذا دليل على عدم تسامح العرب المسلمين السنة مع أي مذهب آخر. كما واستثمروا الإسلام لتبرير موقفهم من الشيعة، فهم يرون أن قتل الشيعة ليس حلالاً فحسب، بل واجب ديني يدخل قاتلهم إلى الجنة. وقد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن الشيعة فأجاب:" من شك في كفرهم فقد كفر"!. وابن تيمية هذا يعتبر المرجع الأول للوهابية. وبعد سقوط النظام البعثي في العراق، أطلق اسم ابن تيمية على جامع أم الطبول في بغداد، نكاية بالشيعة ومن أجل دق الإسفين بين مكونات الشعب.
إن الثقافة العربية الرافضة للتعايش مع العالم المختلف، هي التي أدت إلى ظهور شخصيات قيادية فاشستية مثل صدام حسين وبن لادن والزرقاوي والظواهري وغيرهم. إن هؤلاء لم يأتوا من فراغ ولم يكونوا عباقرة بحيث استطاعوا أن يؤثروا على مشاعر وعقول الملايين من العرب وقيادتهم إلى هذه الكوارث، وإنما هم إفرازات لثقافة هذه الشعوب، فالمجتمعات العربية مشوهة بسبب هذه الثقافة لذلك أنجبت قيادات معتوهة ومشوهة من هذه الشخصيات المغالية في العدوانية ومعاداة العالم والديمقراطية.
وقد عبر الزرقاوي عن موقف الثقافة العربية من الديمقراطية بشكل صادق وصريح عندما قال: "لقد أعلنا حربا مريرة على مبادئ الديمقراطية وكل من يسعى لتطبيقها". " المرشحون في الانتخابات يسعون لأن يصبحوا أنصاف آلهة والذين يصوتون لهم كفرة. ويشهد الله على قولي فقد بلغت". وأضاف: "إن الانتخابات «مصيدة خبيثة ترمي لسيطرة الرافضة (الشيعة) على مقاليد الحكم في العراق فقد ادخل اربعة ملايين رافضي من ايران من اجل المشاركة في الانتخابات ليتحقق لهم ما يصبون إليه من السيطرة على غالبية الكراسي في المجلس الوثني (الوطني) وبذلك يستطيعون ان يشكلوا حكومة اغلبية تسيطر على مفاصل الدولة الرئيسية الاستراتيجية والاقتصادية والامنية».
إن كلام الزرقاوي هو أصدق وأوضح تعبير عن الثقافة العربية. فقد صدر مثل هذا الكلام من العاهل الأردني الملك عبدالله عندما حذر العرب من (الهلال الشيعي) الممتد من إيران إلى لبنان مروراً بالعراق وسوريا!! وما صرح به الزرقاوي من مقت وعداء للديمقراطية لقي تأييداً من العرب السنة في العراق وتعاطفاً شديداً من البلدان العربية فدعوا إلى مقاطعة الانتخابات التي جرت في 30 كانون الثاني من العام الحالي. وهناك استطلاعات رأي تفيد أنه لو أجريت انتخابات رئاسية حرة في البلدان العربية ورشح لها بن لادن لفاز فيها بالأغلبية الساحقة. وهذه حقيقة يجب أن نعترف بها مهما كانت قاسية. السبب هو أن بن لادن هو نتاج الفكر العربي العدواني السائد على الشارع العربي.
فالزرقاوي الذي يقود الإرهاب في العراق، كما هو المعلن، ليس بالشخصية الكارزماتية العملاقة ولا بالمثقف أو رجل الدين الملم بعلوم الدين ولا بذلك الخطيب المفوه الذي يستطيع أن يؤثر بالجماهير ويسحرهم ويقنعهم ويقودهم كما يشاء. كما لم تتوفر له الفرصة لمواجهة الجماهير أصلاً. فالمعروف عن سيرة هذا الرجل أنه لم يكمل تعليمه وكان سكيراً ومجرماً ومدمناً على شرب الخمر، وذو شخصية عدوانية انفعالية، وجسمه مغطى بالوشم. والصفة الأخيرة تعكس حالته السايكولوجية العصابية. وقد حكم عليه بالسجن في الأردن قبل سنوات لجرائم عادية ومن ثم أطلق سراحه الملك عبدالله قبل سقوط النظام البعثي لأمر لا نعرفه. وفي السجن تم رفده من قبل الحركات الإسلامية المتطرفة وصار إرهابياً. لذلك فهذه الشعبية الواسعة التي يتمتع بها الزرقاوي وبن لادن وغيرهما من قادة الإرهاب الإسلامي بين العرب، لدليل واضح على الثقافة العربية الموالية للإرهاب والمعادية للحضارة والرافضة للتعايش السلمي مع الشعوب الأخرى.
فالشيعة في العراق، وكما تؤكده أغلب الكتابات أنهم يشكلون نحو 60% من الشعب العراقي. وهذه النسبة من الشعب، تواجه أشد العداء من الشعوب العربية بسبب خلافها المذهبي، لدرجة أن العرب السنة في العراق يسمون شيعة العراق بالعجم. وهذا دليل على فقدان روح التسامح عند العرب. وإذا ما عرفنا أن مكونات الشعب العراقي الأخرى من غير العرب (كرد وتركمان وكلدو آشوريين والصابئة وغيرهم) يشكلون نحو 20-25%، فبقي العرب السنة حوالي 20% فقط على أكثر تقدير. وإذا كانت هذه هي نسبة العرب في العراق وهم ينكرون على الشيعة عروبتهم، فلماذا كل هذا الصراخ حول عروبة العراق واللبن المسكوب؟؟!!! أليس من حق ال 80% أن يكون لهم حصة في هذا الوطن الذي اسمه العراق والمشاركة في حكمه؟
لذلك نؤكد أن ما يجري في العراق هو فضيحة عربية كبرى، فضحت العرب من المحيط إلى الخليج. ودليلنا على ذلك تعاطف الشعوب العربية المخزي مع حرب الإبادة الظالمة في العراق. إن موقف العرب الداعم للإرهاب في العراق لدليل على عنصريتهم وطائفيتهم. فهم لم يبالوا بما ناله هذا الشعب من ظلم نظام البعث وصدام حسين، بل آزروه وما زالوا يدافعون عنه. وهذا هو الشعب الأردني يتعاطف بشكل علني ومخزي مع الإرهاب في العراق. ففي مقاهي المدن الأردنية يتجمهر الناس أمام شاشات التلفزيونات عند النشرات الإخبارية وما أن يذيع قارئ الأخبار خبراً عن عملية إرهابية حتى تتصاعد الأصوات بالتكبير والتهليل من قبل المشاهدين لهذا النصر على الرافضة. وهذا المنظر يتكرر يومياً في معظم البلدان العربية. وإذا ما قتل إرهابي في عملية إرهابية في قتل "الرافضة" في العراق، فإن أقرباءه يقيمون له حفلة عرس ويتبادلون التهاني باستشهاده بدل التعازي. وهذه ابنة القذافي، تشيد ب"رجال المقاومة العراقية" الذين قالت انهم تمكنوا من " تحطيم احلام اميركا على صخرتهم". وتقصد بذلك قتل العراقيين. تقول ذلك وكأن أمريكا تخلت عن العراق وسلمته إلى "المقاومة العربية الشريفة". نسيت ابنة القذافي أن أمريكا حطمت أحلام أبيها في امتلاك سلاح الدمار الشامل، وعند أول إنذار أمريكي له هرع صاغراً وسلم كل ما لديه من السلاح الذي كلف عشرات المليارات الدولارات من أموال الشعب الليبي المغلوب على أمره، وشحنه بالبواخر إلى أمريكا طائعاً وذليلاً، لأنه عرف أنه إذا لم يفعل ذلك سيكون مصيره كمصير صدام ينتهي في جحر حقير.
إن البلد العربي الوحيد الذي وقف مع الشعب العراقي في محنته ضد صدام حسين ونظامه الفاشي هو الكويت الشقيق، شعباً وحكومة وإعلاماً ومؤسسات المجتمع المدني. والسبب في ذلك هو لأن صدام حسين احتل الكويت وأذاق شعبه سوء العذاب لمدة ستة أشهر كما أذاق الشعب العراقي لخمسة وثلاثين عاماً. وعليه فكان على صدام حسين أن يحتل جميع البلدان العربية ويذيق شعوبها طعم حكمه وماذا يعني نظام البعث الفاشي. ولو فعل صدام ذلك لوجدنا جميع الشعوب العربية وحكوماتها الآن في تعاطف شديد مع الشعب العراقي كما فعل الشعب الكويتي الشقيق. ولكن بدلاً من ذلك خدع صدام الشعوب العربية وقال لهم أنه غزا الكويت لأنه يريد أن يوزع ثروة العرب على فقراء العرب، فصدقوه وما أسرع العرب في تصديق الأكاذيب والضحك عليهم من قبل جلادين ودجالين من أمثال صدام حسين وعبدالناصر والقذافي وغيرهم من الطغاة.
يتباكى العرب على وحدة العراق أرضاً وشعباً وخوفهم عليه من التفتت. وكأن العراق كان موحداً في عهد حكم البعث الذي بارك له العرب وجامعتهم العتيدة مظالمه. فكردستان كانت مستقلة عن حكومة بغداد. وكان هناك خمسة ملايين عراقي مشرداً في الشتات. والمحافظات الجنوبية "السوداء" كما كان يسميها صدام، من المحافظات المحرومة من كل الخدمات والبناء والأمن وكانت خرائب لا تصلح للسكن رغم أن أغلب ثروات العراق النفطية تأتي من هذه المحافظات والتي كان من نصيبها المقابر الجماعية.
يقول فؤاد عجمي في مقاله المشار إليه أعلاه: ( لا أحد تحت أي وهم يشك فيما كان سيفعله العرب السنة لو كانت الثروات النفطية في محافظاتهم. لكانوا قد تخلصوا من الشمال والجنوب واختاروا عالماً أصغر لهم ودافعوا عنه بحد السيف. ولكن والحالة لم تكن كذلك، فحربهم الحالية هي ناتجة عن خوفهم من تركهم في بقعة ليس فيها سوى "الحصى والرمال").
وماذا عن الشيعة العرب، هل هم ملائكة وضحايا فقط، أم لا يختلفون عن غيرهم من العرب؟ في الحقيقة، أنهم أيضاً تشربوا بالثقافة العربية البدوية، ولا يختلفون عن غيرهم من العرب سوى بالمذهب، كونهم شيعة وبماذا يختلف مقتدى الصدر عن الزرقاوي أو حارث الضاري؟ فالأخبار الواردة من داخل العراق وخاصة من البصرة عن مظالم تقع على الأبرياء من قبل المليشيات الشيعية يندى لها الجبين، تؤكد لنا أنهم لا يختلفون عن الطالبان في أفغانستان، خاصة وهم ينفذون مخططاً إيرانياً رهيباً. فهؤلاء أبدوا بطولاتهم الجبانة على المسيحيين والصابئة والنساء والطلبة وأساتذة الجامعات والحلاقين ولم يسلم منهم حتى الأطباء. وقد كتبنا عن هذه المظالم في مقالات سابقة. فالبعثيون والزرقاويون يتلقون الدعم من البلدان العربية، والمليشيات الشيعة تتلقى الدعم من إيران. والكل في تعاون منسق على تدمير العراق وشعبه. وهؤلاء وأولئك هم نتاج الثقافة العربية، الموغلة في العنصرية والطائفية واحتكار الحقيقة وإلغاء الآخر وتصفيته.
خلاصة القول: يمكن تلخيص الثقافة العربية أو الذهنية العربية بما قاله قادة الفكر العربي-الإسلامي عبر التاريخ: يقول المفكر العربي المعاصر محمد عابد الجابري: " أنا مع الوحدة العربية حتى لو كان العقل ضدها". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن الذي عليه أهل السنة والجماعة اعتقاد أن جنس العرب أفضل من جنس العجم وغيرهم، وأن قريشاً أفضل العرب، وأن بني هاشم أفضل قريش. وليس فضل العرب ثم قريش ثم بني هاشم لمجرد كون النبي (ص) منهم، وإن كان هذا من الفضل، بل هم في أنفسهم أفضل."( اقتضاء الصراط المستقيم، ج1/373). فهل هناك عنصرية أكثر من ذلك. كما وينصح ابن تيمية المسلمين قائلاً: "إذا أَقَمتَ في دار الكفر للتّطبّب أو التّعلّم أو التّجارة، فأقم بينهم وأنت تضمر العداوة لهم". كما قال محمد بن عبدالوهاب، مؤسس الوهابية: (الفكر والكفر سيان لأنهما من نفس الحروف.). وهذا يعني بقاء الشعوب العربية داخل قوقعة الثقافة العربية الإنعزالية إلى الأبد، ما لم يأتي العامل الخارجي لتحطيم هذه القوقعة وإدخال نور الحضارة إليها بالقوة.
وختاماً، إذا كانت هذه هي الثقافة العربية التي أنجبت قيادات سياسية مثل صدام حسين والقذافي وبشار الأسد والزرقاوي وبن لادن والظواهري، وفكرية مثل محمد عابد الجابري والقرضاوي والغنوشي وغيرهم، فماذا سيكون مصير العالم لو امتلكت هذه القيادات القوة العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية التي تملكها أمريكا الآن؟