ربما تكون مقالتي أشبه بنداء أوجهه لكل إنسان في عالم التخلف ونكران حقوق المرأة، أينما كانت في بلدان عربية أو غير عربية، عراقية، سعودية، أفغانية أو ما ورائية، فالمرأة تبقى هي ذاتها ألام والحبيبة، وهي الأرض وواهبة الحياة، في كل مكان يلفه تخلف وتقاليد بالية هناك نساء يؤرقهن القهر، ووسائد تحتضن الدموع بصمت وكتمان، الغريب بالأمر، أن هناك تغييبا متعمدا للعقل فيما يخص المرأة وشخصيتها واحترامها .هناك شيء بقصد زرع الإحباط في نفوسنا نحن اللائى نحمل كلمة حق للإنسانية، والتي يحاولون تشويهها واستبدالها بكلمات سوء، تماما كما يفعل المجرم المريض أو السادي بضحيته، فبعد أن يتمكن منها يشوهها، هكذا يحاول هؤلاء المرضى وما أكثرهم في مجتمعاتنا ألذ كورية على تشويه سمعة المدافعات عن حقوق المرأة، هكذا وبلا أدني خوف من عدالة أو وازع أو ضمير، يحاول هؤلاء أن يبتعدوا عن مبادئ نطرحها نحن ليرموننا بسوء أمراضهم، فليتنا بشافع من اللغة أن نحرف المثل ليصبح:

رمونا بدائهم وانسلوا
فها شاعرة ومدافعة تحمل هموم شعب كامل، يكاتبوها عبر رسائل إلكترونية بكلمات نابية ليس لها علاقة بالأدب والأخلاق، حزينة رايتها تتحدث بحرقة وألم عن اتهامها بما ليس بها من أناس لا تعرفهم، وهاهم رجالنا اليوم يصدقون حتى الأغبياء وشذاذ الآفاق إن ادعوا علاقتهم بانسانة مبدعة أو مناضلة. الغريب بالأمر كما قلت هو محاولة تغييب العقل والمنطق، فأي عقل يصدق أن امرأة جميلة ومثقفة، مبدعة تحمل شهادة جامعية لها دور بقضايا إنسانية هامة، يمكن أن يكون لها علاقة برجل أمي، لا يستطيع أن يقول جملة مفيدة أمام الناس، ليس له بالثقافة ولا بالرجولة ناقة ولا جمل؟ أو رجل مليء بالعقد النفسية لكثرة ما رُفض من بنات حواء، ومنبوذ اجتماعيا؟.
كل هؤلاء الرجال حتى الساقطين منهم يصدقهم الناس أن ادعوا متقولين على امرأة مهما كانت مكانتها وثقافتها، وتكذّب هي !! فأي سخرية وأي ظلم اجتماعي نتعرض له!
أي منطق يصدقونه وكأنما تلك المرأة متشردة بالشوارع تبحث عن أي رجل وان كان عجوزا بعمر أبيها، مصابا بأمراض القلب والسكر والكوليسترول، ليس به ما يثيرها أو يغريها سوى انه ادعى بسبب داء في ذاته أو إرادة باطلة، أو لأنها رفضته يوما فأغاظه أن تجرح رجولته فما كان منه سوى أن يرد لها الصاع صاعين، وصاع الرجال أسرع تصديقا، فهم رجال ونحن إناث، لابد أن نبقى مهيضات الجناح من يوم آدم حتى الساعة، ولأننا خطيئة آدم لابد وان يبقى اتهامنا ابد الدهر!
دائما علينا الدفاع عن أنفسنا حتى وان بريئات، دائما نكون متهمات، ويا ويل إحدانا إن كانت على جمال ما، فذاك هو الشر الأكبر، أما اللواتي تحترم من قبل الرجال، هن فقط النساء كبيرات السن اللواتي تجاوزن مرحلة النظر إليهن كإناث، أو هن المتشبهات بالرجال، اللواتي كرسن صورة خاطئة للمرأة المدافعة عن حقوق المرأة، وكأن من تملك قضية لابد وان تبتعد عن الأنوثة ولمسات الجمال لتحترم وليصدق قولها وتـُتبع، هؤلاء يحترمن، أو إن كان للمرأة زوجا يخشون سطوته، فأي جبن يملكون ليشوهوا من يعتقدون بضعفه ولا يخشون رده، أو من كانت لهم علاقة قربى بها أو صداقة ما.

يبعثن لي بعض النساء المبدعات، والمثقفات رسائل شكوى كثيرة، ونحن نتشاكى لبعضنا بعضا، فالظلم يوحد نا ألما، وليتنا نتحد جميعا، ولأنهن يـُشوهن من قبل الآخرين كما مررت وأمر أنا بذات المشكلة، وذات القهر الذي يعرقل أحيانا كثيرة أفكاري، ويوقفني لأيام عن الكتابة مصعوقة محبطة شاعرة بعبث ما تعمله المرأة أمام سيل جارف من المتخلفين، وهل من المعقول أن يـُصدق أهل الخبل والساقطين أمام سمعة امرأة محترمة لا وقت لها أمام قضايا تحملها بروحها وعلى أكتافها، تلهج بها وتمتلئ بها ناسية حتى حقوقها كانسان، لان المبدع الحقيقي أحيانا تنسيه قضيته الإنسانية عن حقوقه الشخصية، والمعطاء الحقيقي للأسف لا وقت لديه فالأفكار تطارده ليل نهار، أينما كان، تملأ رأسه فتشغله ليركن إلى أوراقه ويسطر ما عنده قبل أن ترحل الفكرة دون عودة، المبدع الحقيقي وصاحب القضية الشريف لا ينسى العظماء، يردد أمامه غاندي ويكرر قوله دائما:
مغزلي من أمامي ومن ورائي عنزتي، فأنا املك كل شيء، فلأناضل في سبيل الآخرين، الذين لا يملكون شيئا.

عجبا لكل ما يعتقدونه عن النساء المبدعات وصاحبات القضايا؟أما العاجزون أو المرضى من رجال الأدب والأعلام الراغبين أن تسمى تلك المرأة المبدعة بأسمائهم، فهم اشد شرا من البسطاء ومدعي العلاقة المحرمة، وكي يقال أن فلانا وراء إبداعها، أو هو الذي صنعها وسواها، هكذا يعجبهم القول والادعاء، وان تخرج من تحت عباءاتهم لأنهم عظماء، كما يعتقدون، وربما لن أنسى أن أحدهم قال لمبدعة رفضته، أترفضينني أنا العظيم الذي الفـّت 14 كتابا !!... ربما سيعرف نفسه إن قرأ مقالي هذا ..
والذي شجع على تصديقهم أن هناك فعلا من أتى بنساء لا علاقة لهن بالثقافة والأدب وزجها بان صنع منها فنانة أو شويعرة، أو صحفية ظلما وعدوانا وهي لا تفقه شيئا مما يكتب لها ويصنع، كما صنع البعض فنانات من مطربات وممثلات أدائهن مضحك وصوتهن نشاز، وكما صنع البعض من النكرات صحافيين ومشاهير تمتلئ الصحف بفضائح لغتهم، وكما تصنع السينما من امرأة عادية ملكة جمال، حتى ضاعت الحقيقة واختلط الأصلي مع المزيف، وباتت النساء متهمات حتى اجل غير مسمى وحين يأت هذا الأجل تكون المرأة قد غادرت سن الشباب غالبا.
هكذا نرى المرأة المبدعة الحقيقية في العالم العربي، لا تخرج إلى النور كمبدعة إلا بعد أن يطفأ ضوءُ وجهها، وتبطل ساعتها حركة دورانهم وراءها، وتخرصاتهم بحقها، وكما لو توقفت الأرض وماتت الأحياء . بوجع اكتب هذا، وبوجع اصرخ ليسمعني الجميع، فهم يغلقون علينا نوافذ الحياة ليأخذوا آخر ما يغريهم . أو ليعيثوا بما نبدعه خدمة لمجتمع اللاعدالة واللا مساواة ...

يتذكرون المبدعات بعد حين

ألان بدأ البعض يتذكرون لميعة عباس عمارة، الشاعرة الجميلة، المرهفة، المعطاءة، والمدافعة عن الانفتاح والمبادئ الإنسانية، ألان بدأت تظهر كمبدعة غيبها الإعلام، بل غيبها المجتمع الذكوري سنين طوال، رغم أنها منذ اكثر من ثلاثين عاما تكتب وتبدع، وان كانت الحجة أن نظام البعث كان مسيطرا، فحتى المعارضة العراقية جميعها، ما كانت لتحتفي بلميعة عباس عمارة على مدة عشرات السنوات، كنت أتمنى أن أرى لميعة في مهرجانات، في أوروبا، أو لقاءات في صحف ومجلات المعارضة الكثيرة، أو في تلفزيونات الكثير من الدول العربية، سيما وان ليس هناك فرقا بالإبداع حينما يكون الإبداع عربيا، كان ما نسمعه عنها شيئا قليلا جدا لا يتناسب ودورها الرائد وإبداعها الخالد، كم تمنيت أن اقتني إحدى دواوينها واستمتع بكتاباتها، حتى ألان لا ادري كيف سأحصل على ذلك؟ اعمل في مكتبة لاهاي التي تعتبر من اكبر الصروح الثقافية في اوروبا، وتحوي آلافا من الكتب العربية وغير العربية بل حتى الكتب الممنوعة بعالمنا العربي ويغيب عنا أي شيء للشاعرة لميعة عباس عمارة؟ لماذا ومن المسؤول عن ذلك؟ وأين دور النشر في العالم العربي وأين وزارات الثقافات أيضا ونحن أمام علم من أعلامنا، خاصة أنها امرأة وكم امرأة لدينا بالعالم العربي لها ما لهذه المرأة؟ أنهن قليلات جدا وعلى عدد أصابع اليد إن لم يكن اقل ....
أن الوضع المؤلم هذا ينطبق على كل المبدعات في العالم العربي، ليس العراقيات فقط، لكن ربما العراقيات أسوء حظا لكثرة المنعطفات السياسية في العراق والإفرازات الاجتماعية الأليمة التي تخلفه، أعظمها ما خلفته فترة حكم البعث وأقساها بل أكثرها بشاعة فترة الطاغية صدام.

وللأسف التصقت موضوعة الجنس بقضية المرأة، كأن موضوعة الجنس هي كعب أخيل في وضع المرأة الشرقية وهنا أتذكر قول المفكر هادي العلوي ذات يوم: "إن تزويج البنت عند الشرقيين هو كإطعام الجائع في ضرورته ومشروعيته وقد لجأ الغربيون إلى الإباحية في توفير هذه الحاجة للجنسين. ونحن نريد حلها بطريقة لا تحول المرأة إلى سلعة، أو تجعلها بهيمة جنسية تستغل بين الذكور وكأن الحياة ليس فيها إلا الجنس".
إن التشويهات التي تتعلق بالمبدعات ومحاولة إبعادهن وهن شابات عن العطاء وعن الأضواء لغاية في نفس بعض المتسلطين من إعلاميين وسياسيين وسقط متاع وسط أدبي زائف، لهذا نرى على شاشات الفضائيات والتلفزيونات العربية ابتعادا شبه كامل ا للنساء المقتدرات ليوضع مكانهن نساء لا يملكن صنع جملة مفيدة واحدة، ليقابلن المفكرين ورجال الأدب والثقافة والسياسة، فيالها من حرب قذرة أرادوها وما عرفوا أن ستنقلب عليهم يوما ....
إنها حرب على المرأة المدافعة عن بنات جنسها، والمبدعة، والجميلة وكل ماله علاقة بتميز المرأة، طبعا البعض يشجعه على هذا نفوذه الثقافي والإعلامي أو السياسي لمحاصرتها من الأطراف الأخرى حتى يظن انه النافذة الوحيدة للمرأة، لذا نرى المتميزات بعيدات في غيابهن الشاسع، إلا من ارتبطن بفن اصبح رخيصا ومبتذلا.
نرى اليوم اللواتي ليس لهن علاقة بالفن يملأن الشاشات بأدائهن البائس البعيد عن الفن وإحساسه بالجماليات، واللواتي يشوهن فكرة حقوق المرأة وحضورها كمبدعة، إضافة لتشويه ذوق المشاهدين وهذا من اكبر الأخطار على المجتمع، فحين يتردى الفن والإحساس بالجمال، نعرف أننا بعيدون عن الحضارة تماما، وان التردي قد مرّ على بقية الأشياء حتما .
والحصار على المرأة أحيانا يجعلها ضعيفة، مدفوعة بظروف عدة للطواعية والاستسلام، هكذا يشوهون الجمال ويحاربونه .....

ويتهمون الغرب المتحضر

قديما قالوا: المرأة طفل كبير وقد أوّل هذا الكلام من قبل الكثير من الفلاسفة والنقاد والشعراء على انه نقيصة و استصغارا لعقلها وطموحاتها، لا كما نقرأه نحن وصفا غزليا للدلالة على نعومة المرأة، براءتها، وداعتها، وحبها للمرح والحياة كالأطفال .
حتى في الغرب لم تنل المرأة حقوقها إلا من وقت قريب، لم يأت إلا بتحرك شعبي وثقافي واسع ما أحوجنا أليه عربيا ألان.
ثم أن هناك كذبة كبيرة شائعة على لسان كل الرجال العرب، وشيوخ الفضائيات الذين يرفضون فكرة المساواة وهي أن المرأة في الغرب تعاني اكثر من نساء الشرق وان العنف ضد المرأة في الغرب كبير جدا فليتهم يأتون للغرب ليعيشوا بأنفسهم ويرونها ليعرفوا انهم يتحدثون بالكلام على غير أساس واقعي، لان الغرب يسلط الأضواء على الجرائم ضد النساء فيراها الناس شاخصة أمامهم مهما كانت قليلة، ولان المرأة بالغرب تعرف حقوقها والى أين تذهب للدفاع عن نفسها وتؤسس لنفسها المؤسسات الكثيرة التي تفضح المعتدين، أما في الشرق فويل للمرأة إن صرخت بصوت عال لتنقذ نفسها وهناك مئات التهديدات التي ستدمر حياتها وحياة أطفالها إن فتحت الفم وتحدثت عن زوجها أو أبيها أو أخيها أو عن أي رجل هو بمنزلة الولي والمعيل، فكيف بها أن دست رأسها بالسياسة والحديث عن السلطة، وحتى أن فعلت بعد تحررها فلن يعتد بها وهانحن نرى الفضائيات تصف من الرجال كل هاب وداب ! على انه محلل سياسي وتقدم المثقفات على استحياء بصفات لا ترقى لوصفها كسياسية. أن المرأة بالغرب لا تقع تحت الابتزاز كمبدعة كما هو حالها بالعالم العربي أو بأوساط العرب في أوروبا، لقد تجاوز الرجل الغربي الرغبة بالتملك والابتزاز على أساسه وأدرك حق المرأة كانسان، أتذكر هنا رجلا عراقيا ناقش رجلا هولنديا حول حقوق المرأة، فعندما لم يجد العراقي حججا أنهى كلامه بان المرأة امرأة والرجل رجل، فقال له الهولندي:
نعم والقرد قرد والدجاجة دجاجة، لكن المرأة إنسان له عقل يختلف عن الحيوانات وهو مساو لعقل الرجل إن لم يكن اكثر تفوقا ودقة منه إن أعطيته الحق بالحرية واثبات الذات ..
لكني هنا أيضا لا ألوم الرجال فقط إنما ألوم بعض النساء اللواتي يتجاهلن أية نافذة للدفاع عن حقوقهن، ولقد لمست ذلك بنفسي من خلال عدم مشاركة بعض النساء بالتوقيع على بيان المرأة* الذي أطلقناه كرسالة للأمم المتحدة نطالبها بالضغط على الدول الأعضاء لتنفيذ مقرراتها بخصوص عدم التمييز ضد المرأة، للأسف هناك كاتبات ومدافعات عن حقوق المرأة بالعالم العربي وصلهن البيان ولم يوقعن عليه، رغم أن الإقبال على التوقيع كان رائعا وقد وقعت نسوة من كل العالم العربي بما فيهن مؤسسات وجمعيات وأحزاب وشخصيات رائعة لها دورا هاما بالسياسة والثقافة والوعي وحقوق الإنسان والبناء، ومهما يكن فهو ليس عذرا أن لا يقفن مع أية فرصة نور تدافع عن حقوقهن، ومهما كان عذرهن فهو ليس مقبولا ويعكس عدم فهم لقضيتهن التي تعتبر ألان من أهم القضايا وأكثرها غبنا.
إن المرأة هي أولى ضحايا الهجمة السلفية ألان.. فلا بد من أن نتعظ ونتحد وننسى خلافاتنا وننظر لشراسة ما يواجهنا من أخطار على كل الأصعدة ...
هاهي ظروف المرأة بالعالم العربي، وهاهي محاولات جرها إلى الوراء، فمتى تكون الصحوة الكبرى؟ وهل تتقدم المجتمعات وانتن حاملات لذات الوجع الأزلي؟