لو لم يكن المتحدثون يتكلمون العربية ولو لم يكن العلم العراقي باديا خلفهم لاعتقدت ان فضائية "العراقية" التي اصبحت منبرا لترويج اللطم على الرؤوس تمشيا مع العادات الايرانية لاعتقدت ان مايجري هو نقل جلسة للبرلمان الايراني. فقد كان المتحدثون في جلسة البرلمان امس الاول متحمسون جدا للدفاع عن ايران رافضين اي كلام او اشارة عن تدخلها في شؤون العراق وهم معذورون في هذا لانهم على مايبدو ولطول انحشارهم في المنطقة الخضراء وعدم خروجهم منها ليطلعوا على ماجرى في بلدهم لم يدركوا ما فعلت المخابرات الايرانية بعراقهم المستباح من الغرباء القريبين والبعيدين.. او انهم عارفون ومشاركون وتبعا لذلك فهم ساكتون صمت المريب.

لقد كان المتحدثون متحمسون الى حد البكاء على (جريمة) التحذيرات التي اطلقها وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل من مخاطر تدخل ايران في العراق وسياسات الولايات المتحدة المهادنة لهذا التدخل.. وهي تحذيرات جاءت تحصيل حاصل لما يجري في العراق واصبح معروفا للجميع.. وحيث ان اعداء العراق قد تجمعوا ولينهش كل واحد منهم طرفا يروق له انتقاما في حلف لم توقع مضامينه بالحروف وانما بالممارسات اليومية على ارض الواقع لاهداف مشتركة تسلخ هذا العراق عن حاضنته العربية والاسلامية وتهيء لتقسيمه وتبني حواجز نفسية بين ابنائه هي اخطر من الحواجز الكونكريتية التي يحاول الدستور الجديد تشييدها بين ابناء البلد الواحد الذين لم يتخلصوا من نظام عات استباح مقدراتهم على مدى اكثر من ثلاثة عقود ليقعوا في براثن قوى كانت تتحين الفرص المواتية للانقضاض على كل ماهو عراقي صميم ادواتهم في ذلك متعاونين امنوا باهداف العدو واصبحو اذرعته في تنفيذ مايريد في العراق. لقد كان على المتحدثين في البرلمان العراقي العتيد دفاعا عن ايران ان يخففوا من حماستهم ويدركوا ان لحليفتهم ألسنة طوال يمكن ان تدافع بها عن نفسها ولها اعلامها ومتحدثيها الرسميون وان لايحشروا انفسهم في خانة الحليف المفضوح..
اما تحويل كل نقد او اشارة لهذا التدخل الى ادعاءات باثارة فتنة طائفية اومحاولة لاثارة الفرقة بين العراقيين فانها وسيلة لم تعد مجدية وعليهم انتقاء اساليب اكثر (نفعا) للرد والتعقيب.. فهم قد فاقوا الايرانيين دفاعا عن انفسهم.. ولهذا فان ايران تستحق تهنئة (قلبية) على امتلاكها لكل هذه الادوات المدافعة عنها بكل حرارة واخلاص وتفان.. وانا اعرف بعضهم وهو يتقن الفارسية بطلاقة اكثر من العربية التي يلحن بها.. وليتهم امتلكوا الشجاعة وتحلوا بها هذه المرة ايضا ليكونوا صادقين اكثر مع انفسهم ومع الاخرين ايضا وتكلموا بالفارسية ليفهم حلفاءهم ماتفوهوا به ومنحوهم بركاتهم.
ثم يبقى هذا الهجوم السافر على كل ماهو عربي يتحدث بامانة وحرص على حاضر العراق ومستقبله لامصلحة لاحد فيه الا اولئك الذين جاءوا باجندات خارجية لاتدرك ان (حبها القاتل) للعراق هذا سيقوده الى حقب مظلمة تقود الى الخراب اكثر مما هو عليه الخراب الان.
لقد كان الوفاء والاخلاص والموضوعية في الطرح تقتضي ان لايقتصر المادحون في اشادتهم على ايران (الجارة الحريصة على العراق وامنه واستقراره) وانما بالاشارة على الاقل ايضا الى دول شقيقة وقفت مع العراقيين في محنتهم واوقاتهم العصيبة ومنها السعودية التي احتضت اكثر من عشرة الاف عراقي هربوا من عمليات ابادة صدام لهم بعد الانتفاضة الشعبانية عام 1991 وكلهم من الشيعة وحيث وفرت لهم مخيمات سكن في منطقتي رفحاء والارطاوية وقد زرتهم في عام 1992 وكان بينهم رؤساء عشائر ووجهاء ورجال دين وضباط كبار اصطفوا مع المنتفضين.. لكن احد البرلمانيين وقف ليقول، وقد فقد ذاكرته على مايبدو، ان مساعدة السعودية لصدام حينذاك كلفت العراقيين فقدان 300 الف مواطن.. هكذا.
لكم تمنيت وانا اتابع جلسة البرلمان التاريخية هذه ان اجد حماسا مماثلا لدى المتحدثين يوازي تصديهم لمنتقدي ممارسات ايران في العراق.. دفاعا عن مصالح العراقيين من مواطنيهم وحاجاتهم الامنية والخدمية والاقتصادية.. وقبلها تألفهم وتضامنهم بعيدا عن الفرقة الطائفية التي بدات تنخر في بنية المجتمع العراقي خرابا والما وتحفزا للوثوب نحو الاسوأ.. او اشارة الى المخدرات القادمة من الجار الشرقي والتي دخلت حتى مفاصل الحياة في مدينتي النجف وكربلاء المقدستين وانتشرت في عموم العراق بشكل غير مسبوق لم يالفه تاريخ العراق او طبيعة شعبه.. وهي افة لايقل خطرها عن افة الارهاب المدمرة ايضا.. او عن الطابق الثالث من مبنى محافطة المصرة الذي يقبع فيه عناصر المخابرات الايرانية او مكتب خامئني في النجف واغداقه الملايين على الناس ترويجا لولاية الفقيه.. اوعن بيوتات الظلام التي تنتشر في مدن العراق وعاصمته عيونا للمخابرات الايرانية.. وعن.. وعن.. مما لايسع المجال لذكره.
حسنا فعلت رئاسة الجمعية الوطنية العراقية حين وزعت بيانها الرسمي عن اجتماعها في ذلك اليوم وحذفت منه هذه انتقولات التي فاه بها بعض الاعضاء الذين فقدوا توازنهم على مايبدو الما وحرقة على الحليف الذي نالت منه التحذيرات التي اطلقت كاشفة اهدافه القريبة والبعيدة من تدخله في العراق وشؤونه.. وهو مايؤكد ان الرئاسة وجدت في ذلك الكلام مايسيء للعراقيين ويقدم صورة مغلوطة عن توجهاتهم وتطلعاتهم التي لايعبر عنها هؤلاء النواب الذين دخلوا الى البرلمان نتيجة خطط يقوم الاحتلال بتنفيذها حتى مع اعدائه.. ولاباس من ذلك مادام الهدف النهائي تقسيم العراق وفرقة العراقيين وانتزاع البلاد من حاضنته التاريخية والجغرافية وابقاءه ضعيفا مستكينا لايقوى حتى على ردع خطر (حب) الحلفاء عنه.
لقد كان المدافعون عن سياسات ايران في العراق قصيري النظر مع الاسف وكان عليهم ان يكونوا اكثر ذكاء وفطنة ويدركوا ان العراق العزيز المستقل الامن المرفه هو حاضرهم ومستقبلهم.. وليس اؤلئك الذين سيلفظونهم متى ما استنفذوا اغراضهم منهم.
لي صديق عاش الغربة بلوعتها سنين طوال وعيناه ترنو الى بصرته الفيحاء.. فكان اول العائدين اليها لدى سقوط النظام مستانفا عمله استاذا في جامعتها بين ابنائه من طلبتها.. التقيته في لندن قبل ايام.. وكان السؤال عن الوطن وعن الفيحاء تلقائيا.. فاجأني بجواب صاعق.. لن أعود مطلقا.. ملخصا الاوضاع هناك بكلمات قليلة ولكن معبرة: اذا هاجمت الجعفري لا احد يعترضك.. ولكن الويل لك اذا نلت من االسيد خامنئيي فالقتل مصيرك في اليوم نفسه!!.