يبدو أن ليل المعاناة العراقية سيطول ويمتد لمساحات لا مرئية في ظل تمدد وهيمنة عصابات وقيادات التسلط والتخلف والطائفية المريضة المفرطة بطقوسها الدموية المرعبة والبعيدة كل البعد عن سماحة الإسلام الذي نعرفه، وعن الأخلاق الإنسانية الحرة الشريفة الكريمة الرافضة لكل شكل من أشكال العدوان أو تكفير الآخرين والنيل منهم فضلا عن إستباحة وهدر دمائهم ! وهي اللازمة الصوتية والفكرية التي أضحت مرادفة لحوار الدم والتخلف والإرهاب الذي بات يضرب العراق اليوم من أقصاه لأقصاه، وكان الله في عون شعب العراق بكل طوائفه وملله ونحله وتياراته وهو يصارع البلوى ويكابد صنوف العذاب، وينزف الدماء العبيطة في سبيل تحقيق حلم طوباوي إسمه (الديمقراطية في العراق)!! وهي على ما يبدو أشبه بمستحيلات عرب الجاهلية تماما ؟ أي أنها كالغول والعنقاء والخل الوفي!!.

فبعد تجربة حكم حزب البعث الفاشية السوداء الطويلة زمنيا والتي هشمت كل القواعد الفكرية والسلوكية والحضارية للمجتمع العراقي الذي لا زال حتى اللحظة يعيش أجواء القرون الوسطى والتي أجهزت على العباد والبلاد وحتى على المحيط الإقليمي المجاور، جاءت مرحلة (التسيب) والفوضى المطلقة ومرحلة إنعدام الوزن والفراغ القيادي المرعب، وهي المرحلة التي (تعملق) فيها الأقزام!، وتطاولت فيها (العصاعص) والأذناب لكي تحاول الترؤس و القيادة والزعامة، وأفرز الواقع العراقي خلالها أسوأ ما في جوفه من أحقاد التاريخ المتوارثة ومن الشخوص والزعامات الهزلية التي لا تصلح إلا للعرض الفكاهي أو في متاحف التاريخ الطبيعي!، وإنتعشت الظلامية الدينية والمذهبية من شتى الصنوف والأجناس !، فذلك سلفي متوحش يرى في الدم الوسيلة الكبرى والفاعلة لتغيير التاريخ ولإيقاف عجلة التطور الإنساني والعودة لعصر (الخلافة) بما فيها من ملك عضوض ومن حقوق إلهية في الحكم وبكل صور القسوة والدم! ولا بأس من أجل تحقيق ذلك الحلم الطوباوي من تدمير كل شيء وصولا لتحقيق حلمه الخرافي ؟ وآخر لا يقل سلفية متوحشة ما زال ينعق من أعماق عصر الفتنة الكبرى وهو مقيد بأسوار التخلف التاريخية ويرى في دولة (الإمامة) حلمه المنشود رغم عدم واقعية ذلك الحلم وإعتماده على النصوص الخرافية والغامضة والتي يحاول تطويعها لتلائم الحاضر في أبشع عملية تلاقح فكري بائسة وعقيمة تتعمد إحتقار العقل والإساءة لأهل بيت النبوة وتراثهم الحافل بكل ما هو إنساني ومتسامح وفكر حواري وحضاري منفتح على الغير متأففا من الدم ورافضا لأسلوب الهدم والتكفير ومصادرة حرية الآخرين !، وحالة الفراغ العراقية الموجعة والتي زادتها وجعا غباء السياسة الأمريكية وغرقها الكامل في الوحل العراقي، وعدم وجود الرغبة الحقيقية والفاعلة في تطوير وتنمية الشارع العراقي قد هيأت بالكامل لأن تنفرد تلكم الجماعات بالشعب العراقي المحاصر منذ عقود وتحاول فرض سطوتها خلال المرحلة الراهنة وهي فرصة ذهبية قد لا تتكرر تاريخيا يحاول فيها وخلالها كل الفرقاء حفر مواقعهم وبناء إستحكاماتهم والبدء بمشاريعهم الدموية المهلكة والتي سيكون مصيرها الهزيمة الكاملة لكونها مشاريع شريرة وغبية مفتقدة للحس الإنساني ولحالة التفاعل والتواصل الحضاري المطلوبة وهي مشاريع تدميرية لا تختلف في شيء عن مشاريع الفاشية والنازية والعنصرية التي هزمها العالم الحر وإلى الأبد.

و ما يسمى بالتيار الصدري في العراق هو واحد من أبشع مشاريع التدمير الذاتية للوطن العراقي برمته، وهو الرديف والمخلص للفكر البعثي المقبور وخير معبر عن سياساته الفكرية المتخلفة والدموية والزاعقة والمتسربلة برداء الإيمان المزيف والتقوى الكاذبة والحامل لكل فايروسات التعصب والإنغلاق والدموية بشخوصه الهزلية وقياداته الدموية التي قادت الشارع العراقي لأبشع المجازر التي لم يعرفها تاريخه الحديث رغم كل صور الفجيعة المتواترة، وهذا التيار بات اليوم يمثل معقلا أساسيا ومدرسة إرهابية لكل صور الموت المريعة بل أنه مشروع تدميري جاهز تماما لتحقيق حلم قيادة البعث النافق التاريخي والقاضي بتحويل العراق لمقبرة كبيرة ولوطن مدمى بدون شعب، ففرق الموت التابعه له ومنافستها من التيارات الطائفية والدينية الإجرامية الأخرى قد جعلت من العراق وطنا طاردا لسكانه، خاليا من كفاءاته وطاقاته إلا تلك الطاقات المنافقة والممجدة بحكمة وتاريخية وذكاء (السيد القائد الأوحد الزعطوط أركان حرب مقتدى الصدر) والذي يمثل مهزلة فكرية وإنسانية حقيقية بخطاباته الحمقاء وتفسيراته الهزلية وضحالة ثقافته الدينية والعامة وتمسكه بنصوص الخرافة والدجل التي يحاول تسويفها وسط الجموع البسيطة والمحرومة وهي بضاعة كل الدجالين عبر كل العصور؟ وشخصية من هذا النمط هي نتاج طبيعي للتخلف المقيم ولعقلية وخرافات العصور الوسطى التي لم تزل للأسف متحكمة ومتغلغلة في الشارع العراقي والتي إنكفأت الأحزاب العراقية العاجزة عن مواجهتها وتركت شعب العراق أسيرا لنلكم الجماعات الممارسة للعنف (المقدس) والتي تحاول إحاطة نفسها بالعصمة والقداسة والتبجيل في واحد من مشاهد الكوميديا العراقية السوداء!، ولعل أهم إنجازات التيار الصدري بعد سلسلة الحروب الفاشلة والمعارك الخاسرة التي خاضها بدماء المغرر بهم من الشباب الجاهل هي حملات القتل والرعب والإرهاب ضد المخالفين من خلال حملات الإغتيال البشعة وشهر سلاح الموت ضد كل من يحاول التصدي والفضح لممارساتهم الدموية والجاهلية المخزية وقد فعلوها منذ البداية مع الشهيد الأول (السيد عبد المجيد الخوئي) ورفاقه! وتملصوا من تلك الجريمة البشعة بل كوفئوا عليها بتوزيرهم وإدخالهم لمحاور سلطة (بناء العراق)!! رغم فشلهم الموجع، ثم تمددوا ليحاولوا فرض دولنهم بقوانينها وقيمها البدائية في الجنوب العراقي ودخلوا في معارك طاحنة من أجل الهيمنة ضد الجماعات الشيعية الأخرى كالمجلس الأعلى للثورة الإيرانية في العراق أو حزب الفضيلة وغيره من التجمعات الطائفية المريضة ومارسوا سياسة الإغتيالات واليوم يهددون بإنزال عقابهم الآلهي بكل من يتصدى لهم، وقد سبق لي شخصيا أن تعرضت لتهديدات عديدة ومباشرة منهم ومؤخرا إنبرى أحد السفهاء من جماعة (القائد الزعطوط الأوحد) وعلنا بتهديدي من خلال مقالة منشورة سخيفة في بعض المواقع العراقية بعنوان (داود البصري يحفر قبره بقلمه)!! وهي رسالة إرهابية جبانة لم تصدر إلا عن نفوس جبانة وحقيرة تعبر خير تعبير عن طبيعة المنهج الفكري السائد بين أوساط تلك الجماعات الإرهابية الفاشية، وهذا التهديد الأخرق سبق له وأن نفذ في داخل العراق ضد أصوات عديدة فحملات القتل الشامل وعلى الهوية في العراق قد أضحت موضة الموسم، ولكن ذلك التافه الدعي ما عرف أن عودنا صلب وإن كل تلكم لتهديدات لن تزيدنا إلا تصميما على مقارعة فرق الموت الظلامية، وهو ما يضع مسؤوليات حقيقية على الحكومة العراقية في الإسراع بفرض سيطرتها وتحقيق الوعد الرسمي يتجريد الميليشيات والعصابات الطائفية أيا كانت إنتماءاتها من السلاح، فتلك التيارات وفي طليعتها التيار الصدري ليست سوى قنابل ملغومة في طريق الحرب الأهلية الشاملة التي تعد لها الساحة العراقية... أما التهديدات فهي لا تمثل عندي سوى (عفطة عنز)!!.
[email protected]