ما الذي يجمع بين مغنية ورجل سياسة معمم؟ ما الذي يوحد بين (فاسقة) كما يراها (المتشرعون) بالفقه لانها (خالفت حكم الله) وبين متفقه ثوري يطمح بإقامة حكم الله على الارض؟ ما الذي يجمع بين الضدين؟ ما الذي يجمع بين هيفاء وهبي مغنية الاثارة الجنسية وبين حسن نصر الله امين حزب الله؟ سؤال جالَّ بخاطري وانا اقرأ جواب هيفاء لسائلها من هو الشخص الذي يدق قلبك له وهو ليس بالحبيب ولا من العائلة؟

فتجيب (أنه السيد نصر الله الذي نال الإعجاب بحكمته وسياسته المتوازنة ودوره في صد العدوان على لبنان).

لست في معرض مناقشة ماجاء في رد هيفاء ولا بصدد تفنيده او تأييده لا لأنني لست طرفا بالموضوع اللبناني فحسب ولكن لأن ما لديَّ في العراق من هموم وغموم يشيب لها الرضعان قبل المشيب تمنعني من دس انفي بشؤون الاخرين وحتى لاينطبق عليَّ المثل العراقي القائل : (نادرة للناس او خفكه ابيتها) ومعناه بالفصيح ان بعض النسوة فاشلات في ادارة شؤون بيوتهن ولكنهن فالحات وناجحات مع بيوت الاخرين، والمثل يضرب على المرأة لكنه يشمل الرجل ايضا بل ان هذا الامر تجده عندنا نحن معاشر الرجال العراقيين اكثر من غيرنا اي نبالغ في الاهتمام بمشاكل الغرباء ونفشل في حل قضايانا ونهرب منها وهي حالة عراقية لانظير لها عند الاخرين مما حدى بشاعرنا الكبير مظفر النواب وقبل عقود مضت وصف حالتنا هذه بقوله :

( ونخبك نخبك سيدتي لم يتلوث منك سوى اللحم الفاني *
فالبعض يبيع اليابس والاخضر
ويدافع عن كل قضايا الكون
ويهرب من وجه قضيته... )

وحتى لا اذهب بعيدا سأتناول حالة بعضنا في (الحرب السادسة) كما نعتتها (الجزيرة) حسب اجندتها القطرية أو ( الهجوم الاسرائيلي) كما وصفتها ضرتها ( العربية) بحسب اجندتها الخليجية اي الأزمة الاخيرة في لبنان. كيف كان موقفنا نحن العراقيين من هذه الحرب او الهجوم ما شئت فسمِ؟ اليكم الصورة كما شاهدتها في الواقع العراقي وأتمنى ان تكون مشاهداتي مغلوطة.

مظاهرة مليونية داخل العراق وبمشاركة اغلب شرائح المجتمع نظمتها الاحزاب العراقية المتصارعة فيما بينها على الشأن العراقي لكنها توحدت فيما يخص الشأن اللبناني ! اي انها اجتهدت في الوقوف مع الاخرين ولكنها فشلت وتفشل في الوقوف مع بعضها داخل البلد الواحد وايجاد حل لمعضلته ( ما أعجبنا)!

بيانات لا حصر لها من مكاتب الفقهاء والعلماء والقادة والساسة بقضهم وقضيضهم، سنة وشيعة، عربا وأكراد وتركمان وكلدان و... الخ وخطب نارية من على اعواد منابر الجمعة تندد بالعدوان الاسرائيلي وتستنكر غطرسته وتتوعده بالويل والثبور وتدعو لنصرة (الشقيق) اللبناني والوقوف معه في محنته ! لكن هؤلاء المراجع والفقهاء والقادة والساسة فشلوا في ان يستنكروا بلغة واحدة ما يفعله المارقون يوميا في العراق من جرائم يندى لها جبين البشرية لان بعضهم يراها (مقاومة شريفة) وعفيفة كشرف وعفة ممثلة الاغراء الجنسي ( باريس هيلتون) بينما يراها اخرون وانا منهم ارهاباً اسوداً ضحاياه الابرياء من المساكين والضعفاء (ما أفرقنا)!

اعلاميا فحدث ولا حرج فأن قناتنا (العراقية) والتي أكن لها كل التقدير لدورها الرائد في مواجهة الارهاب البعثي التكفيري الاعمى والذي جسده اخيرا احد (نواب) البرلمان حينما هدد بلكنة صدامية حقيرة ( العراقية) والعاملين فيها بتصفيتهم، اقول أثبتت (العراقية) في ايام الازمة اللبنانية انها عراقية بمعنى الكلمة وانطبق عليها مثلنا الشعبي (نادرة للناس او خفكه ابيتها)، حيث جعلت من الخبر اللبناني خبرها الاول ومن الفلسطيني الثاني وركلت الخبر العراقي ثالثا لتعبر عن (ندارتها) في بيوت الاخرين بينما تجدها ( خفكة) في بيتها واليك شاهدا على ما كانت تبثه من أخبار يومها حيث جاء في بعض نشراتها:

( استشهد لبناني وجرح أخر في قصف مدفعي للجيش الاسرائيلي على قرية بنت جبيل الحدودية وعلى صعيد أخر جرح ثلاثة شبان فلسطينيين في غارة شنها الطيران الاسرائلي على بيت ناشط اسلامي في غزة. وعراقيا فقد استشهد عشرون مواطنا وجرح خمسون في مدينة الزعفرانية نتيجة انفجار سيارة مفخخة في احد الاحياء السكنية هذا ويذكر ان مدينة الزعفرانية تتعرض ومنذ فترة الى عمليات ارهابية تقوم بها الجماعات التكفيرية والصدامية ) انتهى مضمون الخبر.

بالله عليكم بمقدساتكم بدماء احبائكم الذين يسقطون يوميا بالعشرات على ارض الرافدين هل تصدقون ذلك؟ وهل تقبلون ان قناتنا الرسمية تستخف بعقولنا وتسترخص الى هذا الحد دمائنا؟ اي عاقل يقبل ان تقدم فضائيتنا خبر استشهاد لبناني كريم في قرية في اقصى جنوب لبنان على خبر استشهاد عشرون مواطنا من مواطنيها؟ من يصدق ان قناتنا العتيدة تقدم خبر جرح ثلاث من احبائنا الفلسطينيين على جريمة قتل عشرون من ابنائنا في الزعفرانية؟ وكيف يفسر السادة المسؤولون في (العراقية) هذا التصرف هل هو الايثار؟ وهل سيفعلها اللبنانيون او الفلسطينيون لو كانت الحالة معهم؟ هل سيقدم الاعلام الفلسطيني او اللبناني خبر استشهاد عراقي واحد على استشهاد عشرة لبنانيين او فلسطينيين؟ بل هل سيقدم الخبر العراقي حتى لو كان المستشهدون مائة على خبر استشهاد لبناني او فلسطيني واحد هذا اذا اعترف اصلا ان امواتنا شهداء وليس قتلى كما نسمعه في نشراتهم؟ مالكم كيف تحكمون؟

اذا كنا نسترخص دمائنا بهذه الطريقة ولا نعطي قيمة لأنفسنا عندما نقدم اخبارغيرنا على مصائبنا وهي كثر فماذا سنتوقع من الغير اذا؟ لا ادري هل هي مثالية العراقي ام سذاجته ام طيبته المفرطة ام قلة خبرته ام قلة وطنيته التي تجعله يهتم بإمور الاخرين اكثر من اهتمامه بشؤون وطنه؟ سؤال أطرحه فهل من مجيب؟.

اعود الى السنديرلا هيفاء والسيد نصر الله هل تعلمون ما الذي جمعهما رغم التضاد الظاهري بينهما؟ انه الحب، لكن اي حب؟ انه حب الوطن، حب لبنان، حب الأرزة. وانه الوعي، وأي وعي؟ انه الوعي بثقافة الحياة والمصير المشترك، فلم يمنع مطربة متبرجة الى حد الافراط من تثمين دور معمم يناضل في سبيل وطنها وارضها وكرامتها كما هي تعتقد، وكذلك لم يمنع المعمم ان يقابل حب هذا المطربة له ولدوره بحب مشابه له وتقدير لها فلم يفتي بقتلها او تحريم السماع لغنائها او منعها من الغناء بين اهلها في جنوب لبنان الذي ينتسبان اليه وكفى بذلك جامعا. هذا ما نفتقر اليه نحن في العراق ببساطة لأننا لم نرتقِ بعد الى المستوى الذي وصله اللبنانيون من احترام متبادل فيما بينهم على مستوى العلاقات الاجتماعية بعد كل تلك الحروب بينهم( على الاقل داخل الطائفة الواحدة او القومية الواحدة) واحترامهم تنوع الادوار بينهم مصداقا لقوله تعالى (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ) صدق الله العلي العظيم والعاقبة للواعين اليقظيين.

* وكانه بذلك يخاطب هيفاء وهبي.


[email protected]