كثر الحديث حول إنتقال الملف الأمني من القوات المتعددة الجنسية إلى الحكومة العراقية، والعنوان يكفي دليلا قويا على أنّ حكومة المالكي حكومة عزلاء بشكل عام، وإلا ماذا يعني أصل المشروع؟ أي تسليم القوات المتعددة الجنسيات الملف الامني لحكومة السيد المالكي سوى القول وبكل صراحة، أن حكومة السيد المالكي لا تمارس أهم و أخطر مسؤولية ملقات على عاتق الدولة، أي دولة، تلك هي مسؤولية أمن شعبها وأرضها وخيراتها؟ والرجل قالها مرة بعظمة لسانه، فقد صرح أن ليس بأمكانه تحريك سرية واحدة، ثم قال ليس بأمكانه تحريك اكثر من فرقتين من فرق الجيش العراقي التي تجاوزت العشرة!
ولكن ماذا يعني السيد المالكي ومن معه بالملف الامني؟ هل إتفاق على المصطلح بين الأمريكان والسيد رئيس الوزراء أو بين الأ مريكان والحكومة؟ وهل هناك توافق على المصطلح داخل الحكومة المالكية نفسها؟ وهل يعني المالكي بالملف الامني القرار النهائي والاستراتيجي ومن ثم القرار والتنفيذ؟وهل هو إستلام مطلق يشمل كل العراق أم المناطق الساخنة فحسب؟
يتصور كثير من الناس وربما المالكي نفسه هو الاخر يتصور أن القضية سهلة يسيرة، ولذلك قال مرة: أن بإمكان حكومته إذا استلمت الملف الأمني أن تعالج كل القضية على مدى ستة أشهر! وقد قلت في وقتها: تلك هي لغة المطلقات التي تربى عليها السيد المالكي عبر فكر شمولي حاد، وليس فكر نسبي متمهل، وثقافة الضربة القاضية وليس ثقافة النقاط .
الملف الامني عقدة العقد، والأمريكان سوف يتريثون لكي يسلموا الملف الأمني بمعناه الاستراتيجي للسيد المالكي، وذلك للأسباب التالية: ـ
أولا: أن الامريكان بالذات يصرحون أن وزارتي الداخلية والدفاع مخترقتان، وعلى ذات المتسوى المسؤولون العراقيون بما فيهم وزير الداخلية، فكيف وهذه الحال يطمئن الأمريكان تسليم كامل الملف الامني لحكومة مخترقة، ومن كل المليشيات والأحزاب، بما في ذلك فرق محسوبة على الإرهابيين.
ثانيا: أن السنة ربما لا يوافقون على تسليم الملف الأمني كاملا للحكومة العراقية، فسنة العراق كثيرا ما يتهمون وزارة الداخلية والدفاع بالطائفية، بصرف النظر عن دقة أو ديماغوغية هذا الإتهام يبقى معرقل يحول دون هذا الحلم الذي يراود خيال السيد المالكي.
ثالثا: أن حجم المهمة الأمنية يفوق قدرات القوات العسكرية العراقية الآن، سواء على صعيد الكم أ و صعيد الكيف، وبالتالي، تسليم الملف الامني كاملا للحكومة العراقية مخاطرة كبيرة، وانا اتحدث هنا عن منطق القوات المتعددة الجنسيات، وليس بلغة الواقع، أي هناك ذريعة جاهزة لدى هذه القوات، يمكن أن تكون محل نقاش بين هذه القوات والحكومة العراقية بخصوص تسليم الملف الامني كا ملا.
رابعا: أن السيد المالكي بالذات يطالب بمزيد من تدريب القوات العسكرية العراقية، ويطالب بتسليح هذه القوات بالسلاح المطلوب لإداء مهمتها، وعليه، هناك إعتراف ضمني من قبل حكومة السيد المالكي، أن حكومته ليست على مستوى راق من الجهوزية لإداء هذه المهمة كاملة.
خامسا: وإني لأتساءل بكل بساطة وليعذرني السيد المالكي لبساطتي، ترى هل سوف يتخذ الأمريكيون هذا القرار بدون مشاورة السعودية أو الكويت بل وحتى مصر، بل وحتى تركيا؟ يبدو أن السيد المالكي وأصحابه ما زالوا يفكرون بلغة الجغرافية غير المتصلة بالتاريخ!!
سادسا: هل القوات المتعددة الجنسيات وبالضمن منها ، بل وفي الصميم منها القوات الامريكية على إستعداد لتزويد حكومة المالكي كل ما في جعبتها من معلومات خطيرة عن الوضع الامني في العراق، معلومات عن الجماعات الارهابية، عن مدى التغلغل الايراني، معلومات عن جيشها السري؟
سابعا: ربما يتحجج الأمريكيون أن القوات الامنية العراقية تسلمت أكثر من مرة الملف الامني في بعض المناطق التي تشهد نسبة من الإستبباب الامني، ولكن رغم ذلك فشلت.
في تقديري أن روح الملف الامني سوف يبقى بيد الامريكان، القرار الإستراتيجي، المعلومات الخطيرة، سعة المشاركة العراقية، حجم الممكنات التي سوف تعطى للقوات العراقية، مناطق الاولوية، نوع القوة التي سوف تستخدم، كل هذه الامور الجوهرية لا يمكن أن تكون حرة بيد حكومة المالكي، بل ستبقى وبدرجة عالية حرة بيد الأمريكان، إن تسليم الملف الامني بيد حكومة المالكي، وبالصورة التي يحلم بها رئيس الوزراء العراقي أمر بالغ الصعوبة، فهذا العراق بكل تناقضاته وخيراته ومستقبله وعلاقاته المصيرية بالجوار، وليس (جيبوتي)، وكان بودي أن يطرح السيد المالكي مشروع المشاركة الفعلية وليس حصر المهمة بيد حكومته، اللهم إلا إذا كان السيد المالكي رفع من سقف مطلبه كي يحثل اكبر قدر ممكن من المكاسب على هذه الطريق، وأشك بذلك. هنا وفي هذا السياق، ربما يسلم الأمريكان الملف الامني الذي يخص جيش المهدي إلى السيد المالكي!
أعتقد لو أن المالكي في سياق طلبه تسلم الملف الامني ان يفكر نسبيا، وإن يعتمد فكرة الخطوة خطوة، ويدخل إلى القضية برمتها على سبيل (المشاركة) وليس (الحصر) فإن الأمريكان مصرون على تسلم الملف الامني في جوهره ــ اقول في جوهره، رغم أنها قد تسمح للقوات العراقية بمساحة كبيرة للمشاركة ــ وإن يتمهل كثيرا فيما لو قالوا له: حكومتك مسؤولة عن الملف الامني المتعلق بجيش المهدي!
لا يعني هذا أن لا يطرأ تحسن على الإداء الامني العراقي ، بل اعني أن القرار النهائي بيد القوات المتعددة الجنسيات وفي الصميم منها القوات الامريكية.