( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )، المائدة ndash; آية رقم 3 . والمعنى واضح لا يحتاج إلى اجتهاد وهو أن الله تعالى أعطانا دينا واحدا هو الإسلام، ولكن التطبيق الميداني في الساحات العربية تحديدا في السنوات الأخيرة التي أعقبت وصول الإمام الخميني للسلطة في إيران، يضع العرب والمسلمون أمام تحديات خطيرة يتم التعبير عنها بالتكفير والإخراج من دائرة الإسلام خاصة من قبل العديد من علماء وفقهاء المذهب السنّي إزاء أتباع المذهب الشيعي، يضعنا وكأننا أمام أكثر من دين إسلامي واحد كما تنص الآية القرآنية المذكورة، والتحريض العلني ضد أتباع المذهب الشيعي يأتي من السياسيين كما في تصريح الرئيس المصري حسني مبارك قبل شهور قليلة عندما ادّعى أن الشيعة العرب ولاؤهم ليس لأقطارهم العربية، وفي الأسابيع الأخيرة أكثر علماء وفقهاء مسلمين من دعواتهم التحريضية العلنية معتبرين صراحة أن عموم الشيعة كفرة مشركين وأن ( خطرهم على المسلمين أعظم من خطر اليهود والنصارى ) كما جاء في فتوى جديدة للشيخ عبد الرحمن البراك، حذر فيها من التعامل مع الشيعة وأنه ( يجب الحذر منهم وعدم الاغترار بما يدعونه من الانتصار للإسلام...وأن مذهب أهل السنة ومذهب الشيعة ضدان لا يجتمعان...ولا يمكن التقريب إلا على أساس التنازل عن مذهب السنة أو بعضها أو السكوت عن باطل الرافضة وهذا مطلب لكل منحرف عن الصراط المستقيم )، واعتبر البراك أن قوله هذا ينطبق على الشيعة عموما فقهاء ومواطنين عاديين ( لأنهم متعصبون لا يستجيبون لداعي الحق ).

وكان قد سبق ذلك ضمن نفس السياق فتوى الشيخ عبد الرحمن بن جبرين في تموز الماضي إبان حرب حزب الله وإسرائيل، إذ أفتى ب ( إثم كل من يدعو لحزب الله بالنصر )، ولنا أن نتخيل إذا صحت فتواه هذه كم مليونا من السنة قد وقعوا في الإثم، فاعتقد أن السنة الذين تمنوا ودعوا لحزب الله بالنصر أكثر من الشيعة!!!. وكان الشيخ عبد الرحمن البراك واحد من ثمانية وثلاثين شيخا وعالما وفقيها أصدروا يوم الحادي عشر من شهر ديسمبر الحالي ما أطلقوا عليه ( نداء لأهل السنة في العراق وما يجب على الأمة من نصرتهم )، وقد تضمن هجوما عنيفا على أتباع المذهب الشيعي الذين أطلق عليهم صفة ( الصفويين الروافض ) و أنهم ( قد أثبتوا بصورة عملية كل ما كان مسطورا عندهم في كتبهم مما كانوا يخادعون المسلمين بعكسه تقية، ففي نشوة النصر لم يتمالكوا أنفسهم، فظهرت أخلاقهم المرذولة وعقائدهم البغيضة، فقالوا وفعلوا ما يشهد لهم بأنهم أمة واحدة مع تعدد مذاهبهم وبلدانهم وأجناسهم ، وأن ما يفعلونه في ديار أهل السنة من بيعة وطاعة ومهادنة، ما هو إلا مداراة ومصانعة حتى تتهيأ لهم الظروف ). وهل هناك من يتوقع فتنة أشد من هذه الفتنة خاصة عندما يأتي هذا التحريض باسم الإسلام ومن فقهاء وعلماء وشيوخ وأساتذة في مواقع علمية مؤثرة، فحسب الوظائف المذكورة أمام كل اسم من الثمانية والثلاثين الموقعين على البيان، فهم: رؤساء جامعات، و أساتذة بجامعات إسلامية، و رؤساء أقسام بالدراسات العليا بجامعات إسلامية،و معلمون وعمداء بجامعات وكليات معلمين، وباحثون ودعاة إسلاميون، ورؤساء لأقسام القضاء الشرعي بجامعات إسلامية،وكتاب عدل ومشرفون تربويون، وإذا كان من ينتسبون لهذه الوظائف بهذه المؤهلات الشرعية والفقهية والعلمية، يصلون لهذا المستوى من التحريض والفتنة، فكيف نلوم الأغلبية من الأميين العرب والمسلمين الذين يرقصون طربا وانتظارا للجنة وهم يسمعون هؤلاء المحرضين الذين ينسون قول الرسول quot; الفتنة نائمة، لعن الله من أيقظها وأوقدها وأشعلها quot;.

ومقابل دعوات التحريض والفتنة هذه ، لا تخلو الساحة من أصوات العقلاء الذين يفهمون و يقدمون الإسلام بسماحته وبساطته و الله أدرى بقلوب عباده،لذلك يرى الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر ( أنه لا فرق بين السنة والشيعة وأن كل من يشهد أن لا الله إلا الله فهو مسلم، وأن الخلاف إن وجد فهو خلاف في الفروع وليس في الثوابت والأصول، والخلاف موجود في الفروع بين السنة أنفسهم والشيعة أنفسهم ) و قال ( إن كل من يحاول إشاعة الخلاف بين السنة والشيعة مأجور )، واستنادا إلى ذلك فإن الأسماء الثمانية والثلاثين الذي وقعوا ذلك النداء ndash; الفتوى ndash; فهم مأجورون صراحة لأنهم يسعون إلى فتنة علنية واضحة مقصودة . أما الدكتور عبد الصبور مرزوق الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية فيؤكد ( انه ثبت بالدليل القاطع أنه لا يوجد لدى الشيعة المغالين قرآن خاص بهم ولا يوجد ما يقال عنه مصحف فاطمة...فهو غير صحيح )، كما قد تم اعتماد المذهب الجعفري ليدرس في جامعة الأزهر وإلى الآن يدرس بالفعل. وكما ورد في موقع ( البينة - الموسوعة السنية في الشيعة الإثنى عشرية ) فإن الشيخ الإمام محمود شلتوت كان قد أصدر في الستينات (فتوى أثارت جدلا كبيرا وأجازت الفتوى التعبد بمذهب الشيعة الإمامية، وقد عضد الشيخ محمد الغزالي هذه الفتوى برأيه فيها. وتقول الفتوى كما وردت على لسان الشيخ محمود شلتوت إن quot; الإسلام لا يوجب على أحد من أتباعه اتباع مذهب معين بل إن لكل مسلم الحق في أن يقلد ndash; بادىء ذي بدء ndash; أي مذهب من المذاهب المنقولة نقلا صحيحا والمدونة أحكامها في كتبها الخاصة و لمن قلد مذهبا من هذه المذاهب أن ينتقل لغيره من المذاهب ولا حرج عليه في شيء من ذلك ن و أن مذهب الجعفرية المعروفة بمذهب الشيعة الإمامية الاثنى عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعا كسائر مذاهب أهل السنةن فينبغي على المسلمين أن يعرفوا ذلك ويتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معينة فما كان دين الله وما كانت شريعته لمذهب أو مقصورة على مذهب، فالكل مجتهدون مقبولون عند الله تعالى، يجوز لمن ليس أهلا للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقررونه في فقههم ولا فرق بين العبادات والمعاملات quot;.

من نتبع شيخ الأزهر أم البراك وجماعته؟

في هذه المرحلة الحساسة من يتبع العرب والمسلمون: دعوة البراك وجماعته الداعية إلى الفتنة والاقتتال، أم دعوة الحكمة والتعقل التي ينادي بها شيوخ الأزهر؟. المنطق والعقل يستدعيان سماع و إتباع أقوال وفتاوي شيوخ الأزهر التي ذكرناها، والمشكلة أنه وسط غياب منطق العقل لدى نسبة الغالبية من الأميين العرب، تنجح وتسود غالبا الدعوات المضللة التي تتلاعب بعواطف الجماهير بغطاء مضلل من الدين الإسلامي كما رأينا و عشنا في العديد من المفاصل والمواقف. إن دعوات البراك وجماعته مرفوضة ومدانة بكل المقاييس والمواصفات، فلا أحد أخذ توكيلا من الله تعالى بأنه وكيله في الأرض، يقرر من المؤمن ومن الضال، فالله تعالى أدرى بقلوب عباده، فالحقيقة الثابتة أن الإنسان يدخل الإسلام بالشهادتين، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، أيا كان الذي يضمره في قلبه، وحديث أسامة بن زيد عند البخاري وغيره ( أنه قتل رجلا شهر عليه السيف فقال : ( لا إله إلا الله ) فأنكر عليه النبي - ص ndash; اشد الإنكار، وقال: أقتلته بعد ما قال: ( لا إله إلا الله )؟ فقال: ( إنما قالها تعوذا من السيف ) ، فقال : ( هلا شققت عن قلبه ؟ )، وفي بعض الروايات : ( كيف لك ب لا إله إلا الله يوم القيامة )؟.

لذلك فإن دعوة الشيخ البراك وجماعته تستدعي الاستنكار بالصوت العالي الشجاع المدعم بهذه الحقائق من القرآن والسنة، فإذا كنا سنضمر هذا العداء للمسلمين الشيعة من عرب وأقوام أخرى، فماذا أبقى هؤلاء الشيوخ لمن يسمونهم أعداء الأمة العربية والإسلامية؟؟. إن هذه الدعوة التكفيرية المرفوضة تذكرني بمستقبل هذه الأمة الذي تنبأ به الرسول ( ص ) عندما قال: ( يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟. قال: لا..إنكم يومئذ لكثير، ولكنكم كثرة كغثاء السيل )!!!. صدق رسول الله!.


[email protected]