حادثة الإساءة إلى رسول الإسلام المعظم سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم لم تمر كمر السحابوأحدثت هزة في المجتمعات الإسلامية في كل مكان تواجد فيه المسلمون، وكتب الكثير من الناس عن هذه الحادثة التي تمثل انتهاكا فاضحا للحقوق الإنسانية المتمثل في السخرية تجاه الرسول (ص) من خلال رسومات كاريكاتورية أثارت حفيظتنا جميعا، و أحدثت ردة فعل قوية لم تكن محسوبة لدى الآخرين عن قوة المسلمين المعنوية ومدى ارتباطهم بالرسول الخاتم (ص) وقد كشفت هذه الحادثة مدى قابلية تأثير أتباع الإسلام على الأحداث في العالم، كما أفرزت هذه الحادثة مؤشرات ايجابية أخرى كثيرة أيقظت في المسلمين حب الرسول الأعظم وقد امتلأت المنتديات بمدح المصطفى (ص) وقد كتب الكثير من الناس قصائد لحظية في حب الممدوح والمرسول رحمة للعالمين.. ولكن..
كشفت عن أمرين مهمين للغاية.
الأول أن الدعوة الإسلامية غائبة تماما عن الساحة، وبالطبع لا أقصد الدعوة التقليدية في إرسال الفاتحين إلى البلاد الأخرى، أو إرسال شيوخ الدين إلي الدول التي تعاني من نقص الدعاة، ولكني أقصد بالدعوة الجانب الاستراتيجي المتمثل في عدم وجود مطبوعات إسلامية باللغات المختلفة وخاصة لغات الدول الاسكندينافية والتي من بينها الدنمارك والسويد والنرويج، وقد يقول قائل أن شبكة الانترنيت موجودة نعم موجودة ولكنها لا تلبي الهدف الحقيقي في جعل المطبوع في تناول يد للآخرين وبلغاتهم التي يتحدثون بها وذلك حتى يتم تصحيح الكثير من المعلومات التي صورتها لهم أعمال تنظيم القاعدة في قتل الأبرياء بدون مصوغ شرعي وقانوني وإنساني.
والمتابع لهذا الأمر يجد أن المطبوع عن الرسول الكريم (ص) باللغات الأخرى يكاد يكون معدوما أن لم يكن قليل، أو انه مكتوب بأقلام لا تملك الموهشؤة مثل د. يوسف القرضاوي، أو الكاتب خالد محمد خالد، أو أن ترجمتها لا تليق بالمكتوب عنه.. المهم أن هناك تقصيرا كبيرا للغاية في هذا الجانب جعل الآخرين لا يعرفون رسولنا الكريم ولا يدرون انه خاتم الأنبياء والمرسلين، وانه مبعوث من الله سبحانه وتعالى هداية للعالمين. وفي لقاءه مع إذاعة ال ( BBC) ُسأُل المحرر الصحفي الذي أعد مسابقة الرسومات الكاريكاتورية عن معرفته بالنبي محمد (ص) فقال quot;أعرف انه (مؤسس) الديانة الإسلامية فقطquot;.
هذا يعنى أن المسلمين مقصرين في تزويد المكتبات في العالم بالمطبوعات التي تتحدث عن نبيهم (ص) وبكل لغات الدنيا ولا اعتقد أن المسلمين لا يملكون المال اللازم والكفاءة التي تقوم بهذا العمل، وخاصة اذا علمنا ان أي مكان في هذا الكون الرحيب فيه مسلمون يشهدون بالشهادتين، ولذا يمكن بكل بساطة أن يُنتج أعمالا تلفزيونية وأفلاما سينمائية بكل لغات أهل الأرض، ولكن واضح أننا لا نهتم بهذا الجانب وخاصة وان الرسول (ص) قال quot;بلغوا عني ولو آيةquot;.
وعندما يقول المحرر الصحفي بالصحيفة الدنماركية انه يعرف ان (محمدا) مؤسس الديانة الإسلامية يعني عنده أن النبي (ص) كمن هو مؤسس حزب سياسي أو شيخ طائفة، وهو لا يدري كنه هذا الشخص العظيم، ولا يعرف ان هذا الشخص الرباني ولد وعليه خاتم النبؤة (ص) رسولنا الذي مدحه الله جلا وعلا من فوق سبع سموات قال فيه (انك لعلى خلق عظيم)، ولا يدري هذا المحرر الصحفي أن الكتب السماوية كلها قد أشارت إلى مبعثه (ص) والى دوره في تحرير الإنسان من قبضة القبلية و الجهل والطبقية.
والأمر الثاني - بداء أننا مشغولون للغاية بالجانب الذي يحقق لنا المكاسب المالية الضخمة ولا يهمنا رسولنا الكريم ولا عقيدتنا الإسلامية بقدر ما يهمنا وضعنا المادي، فحتى نتبين ذلك لا بد أن نرجع قليلا للأخبار المنشورة في هذا الصدد، لنجد أن مسؤولان مصرفيان كبيران أعلنا أن حجم الاستثمارات التمويلية الإسلامية في جميع أنحاء العالم وصل إلى نحو 400 مليار دولار، في العام (2003) و أن نسبة تنامي أصول هذا القطاع وصلت إلى نحو 23 في المائة خلال السنوات الأربع الماضية، وأشار عزالدين محمد خوجة، الأمين العام للمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية البحرين إلى أن الإحصاءات التي أجراها المجلس خلال العامين الماضيين، والتي تنشر لأول مرة، أظهرت أن حجم الأصول في البنوك الإسلامية وشركات الاستثمار فقط وصل عام 2001 إلى نحو 261.8 مليار دولار أمريكي quot;بمعدل نمو وصل خلال السنوات الأربع الماضية إلى 23 في المائةquot;.
و قال تقرير التنافسية الصادر عن المجلس العالمي للبنوك الإسلاميةquot; إنها حققت نمواً بنسبة 30 % خلال عام 2004 مقارنة مع 20 % في العام السابق، وأنه من المتوقع أن تحقق عام 2005 أرقاما قياسية خاصة مع زيادة المصارف الإسلامية باطراد، للمنتجات التي تقدمها ومع دخول المزيد من اللاعبين إلى المضمارquot;.
ومن هذه البيانات الإعلامية يصبح الأمر واضح وجلي أننا مقصرُون في حق رسولنا الكريم وفي حق ديننا الحنيف ،دين السماحة، ومكارم الأخلاق، بأننا لم نطوع إمكانياتنا المالية والبشرية في التعريف بالرسول الخاتم (ص) وهذا يؤكد فيما ذهبت إليه انشغالنا بأموالنا وكـأننا بالتأريخ وهو يعيد نفسه (شغلتنا أموالنا) الخ الآية..
ويستغرب الناس أكثر عندما يعرفون أن الجهات التي تقف على هذه المصارف الإسلامية وتعمل بجهد لزيادة هذا الرصيد المالي الضخم وعلى مستوى العالم هي الحركات الإسلامية في العالم العربي التي تفتخر بين الحينة والأخرى بهذا الرصيد المالي، هذا في الوقت الذي ينتشر فيه الفقر في كافة الدول العربية حتى داخل بعض الدول الخليجية حيث يعاني المواطنين أيما معاناة بسبب الضوائق المعيشية،، فأين هذه الأموال الضخمة من الدعوة الإسلامية التي تمكن كل إنسان في هذا الكون من معرفة ما جاء به الرسول (ص)، وأين هذه الأموال من حاجة المسلمين الذين يعانون الفقر والمسغبة، وحسب إحصائيات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ان أكثر مناطق الفقر في العالم هي موجودة في الدول الإسلامية..
بضعة ملايين من الدولارات حالت دون انتاج فلم للعقاد عن (الأيوبي) وأخيرا مات على يد من جماعة الزرقاوي..!!
ومن المفارقة الغريبة ان طريقة مصرع المخرج الشهيد مصطفى العقاد أكدت أن هؤلاء الذين إحترفوا لعبة الموت والإرهاب تحت أكذوبة ما يسمى بquot; الدفاع عن الإسلام quot; هم الذين يغتالون المدافعين عن الإسلام . وفي الوقت الذي كنا نحتفل فيه كل يوم وفي كل مناسبة بالإنجاز الكبير الذي حققه مصطفى العقاد ، بتقديم الصورة الحقيقية عن الإسلام للعالم ، عبر فيلمه التاريخي quot; الرسالة quot; جاء من يقتله بحجة quot; للدفاع عن قيم الإسلام quot; . وكأنها رسالة جديدة تؤكد أن الإرهابي قد أحترف القتل ... خصوصاquot; قتل سمعة الإسلام النقية والحقيقية... ورسالة السلام التي يحملها ، والتي قدمها مصطفى العقاد للعالم بأبهى صورة وأصدق شكل، لكن المؤلم حقيقة انه في الوقت الذي تمتلك فيه المصارف (الإسلامية) التابعة للحركات (الإسلامية) تقف 5مليون دولار أو قل 100مليون دولار عقبة امام العقاد لتحقيق حلمه في إنتاج فيلم عن quot; صلاح الدين الأيوبيquot; على شاكلة فلم الرسالة..!!
والخلاصة أقول انه لا ينبغي أن نرمي اللوم على الآخرين ما دمنا قد قصرنا في تعريف الآخرين برسولنا الكريم (ص)، وقد تعودنا أن نعلق إخفاقاتنا على كاهل الغير، ثم أن الصورة المتخيلة للمسلم لدى الإنسان الأوربي والغربي في الآونة الأخيرة قد أصبحت هي صورة الشخص الإرهابي الذي يلبس الأدوات المتفجرة ويحمل في يده السكين التي يتقطر منها الدماء.... من هنا أسال السؤال الذي هرب منه الكثير من المحللين الذين كتبوا عن حادثة الإساءة للرسول الكريم... ما يحدث في العراق كل يوم من قتل للأبرياء من أناس مسلمين أليس هذا كافية أن يجعل الآخرين يسبون ديانتنا ويستهزؤون برسولنا الكريم...؟؟؟
أليس ما يفعله أبو مصعب الزرقاوي في العراق وما تفعله (القاعدة) في العالم من قتل لأبرياء مسلمين وغير مسلمين أليس بكافء أن يجر إلينا عداوات العالم قاطبة بل يجعلنا كأمة مسلمة جماعات متناحرة فيما بيننا..؟؟ كما يحدث الآن بين السنة والشيعة في العراق..؟؟.
عندما تقتل حكومة (مسلمة) لاجئين في بلادها أليس هذا أمر يجعل غير المسلمين ينظرون إلينا وكأننا أمة القتل والسفك والدماء .. ويوصف بذلك رسولنا الكريم ونحن ندعي الإسلام ورسولنا بري مما نفعل..؟؟
وعندما تقتل حكومة مسلمة وتدعي الحرص على الإسلام وترفع شعاره وتقتل شعبها في إبادة جماعة وتحرق مساكن المواطنين بالطائرات القاذفة للهب... أليس هذا الفعل يجر الإساءة لرسولنا الكريم المعظم..؟
وعندما تُشرد الحكومة الإسلامية هذه مواطنيها وتجعلهم مشتتين بين الأمصار .. وتحيل للصالح العام كل من يختلف معها في الرأي.. أليس هذا كله سببا في الإساءة للإسلام الذي ندعي وصلا به..
كل الصور الكاريكاتورية التي نشرتها الصحافة الدنماركية والفرنسية والهولندية تنطبق علينا نحن بكل ما فيها من إساءة ومن استهتار وحاشا لله ان يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الشكل وهذا الضمون، وقد قال فيه الصحابي الجليل حسان بن ثابت أجمل وأعظم بيتي شعر في التاريخ
مثلك لم ترى قط عيني *** ومثلك لم تلد النساء
خلقت مبراء من كل عيب **** كأنك خلقت كما تشاء
هذه هي صورة الرسول التي شاهده بها الذين عاصروه، وأما ما تخيله الرسامون في رسوماتهم الكاريكاتورية التي نشرت في الصحيفة الدنماركية هي من أفعالنا نحن، وتشبهنا نحن.. والسلام عليك يا
رسول الله وسلمت من كل أذى..صل الله وسلم عليك.