نشرت quot;إيلافquot; خبراً يقول: (أحيت النجمة اللبنانيّة هيفاء وهبي حفلاً غنائياً حاشداً في الثالث من الجاري، ضمن الحفلات الغنائيّة لمهرجان مسقط 2006، والذي أقيم على quot;السيب بيتشquot; في العاصمة العمانية مسقط، وحضرها أكثر من مائتي ألف شخص، وقد بدؤوا بالتوافد إلى الشاطئ قبل ساعات من بدء الحفل، ولم يتمكّن عشرون ألفاً آخرين من الدخول إلى الشاطئ بسبب الكمّ الهائل الذي أتى لمشاهدة الحفل). وتقول الإحصاءات الرسمية أن عدد سكان مدينة (مسقط)، العاصمة العٌمانية التي أحيت الحفل، لا يتجاوز 630 ألفاً حسب ما جاء على موقع وزارة الإعلام العُمانية على الإنترنت!.

هذا الخبر في تقديري يحملُ الكثير من المؤشرات، التي تؤكد أن ثمة أغلبية تتزايد في الشارع العربي، تمردت على الخطاب الأصولي، أو أنها لا تحفل به، هذه (الأغلبية) هي الآن (صامتة) وغير فاعلة (سياسياً) في الوقت الراهن، لان جلهم من صغار السن، بينما أن هذه الأغلبية ستكون مؤثرة و طاغية مع مرور الوقت، ومع بلوغ هذه الحشود سن النضج، والفعل والتأثير السياسي و الاجتماعي.
عُمان هي عينة مختبرية هنا، من خلالها يستطيع الباحث - عملياً - أن يستشرف المستقبل، وأن يتنبأ بتطورات الأوضاع الثقافية والسياسية، واتجاهات الأمزجة اجتماعياً، على اعتبار أن مثل هذه الكتل البشرية، التي زحفت بهذه الأرقام الكبيرة لحضور هذا الحفل الفني، والذي يرفضه بشدة الإسلاميون بجميع أطيافهم، عندما نقيسها بالقياسات العلمية تعبيرٌ دقيق عن اتجاهات (مزاج) الشارع العربي؛ هذا ما يؤكد المتخصصون في سبر التطورات الاجتماعية وقراءة مدلولاتها.

وهنا يبرز سؤالٌ مفاده: هل العبرة في قياس التطورات الثقافية للمجتمعات بالأعلى صوتاً أم بالأكثر عدداً؟. الأعلى صوتاً (الآن) هم بلاشك الإسلاميون ؛ أما الأكثرية، و في الوقت ذاته الأخفض صوتاً، وربما الأقل تأثيراً على مستوى الفعل السياسي و التأثير حالياً هم غير الإسلاميين. مثل هذه الحقائق، والأرقام التي لا تكذب، هي الزاد الحقيقي (للسياسي) الفطن؛ فالسياسي المحترف هو الذي يقرأ الأرقام قراءة موضوعية، ويستشرف المستقبل، لا كما تمليه عليه رغباته، وإنما كما هو عليه (الوضع) على أرض الواقع. وهذا يعني أن المستقبل كفيل بتغيرات ربما ستكون جذرية على المستوى السياسي أيضاً، عندما تتحول هذه الأغلبية في المستقبل القريب إلى (صوت) سياسي مؤثر. وعلى هذا المنوال لنفترض أن نفس النجمة هيفاء وهبي أحيت حفلة مماثلة في (الرياض) عاصمة السعودية، وفي الوقت ذاته إرتص كل (نجوم) الصحوة السعوديين في محاضرة (وعظية) أو تثقيفية، فكم سيحضر هنا وكم سيحضر هناك؟، لا أعتقد أن ثمة مقارنة!.

الأسهم في السعودية مثال آخر يحملُ الكثير من الدلالات، ويؤكد من زاوية أخرى ما أقول، ويواكب من حيث الدلالات حفلة هيفاء وهبي في مسقط.
سوق الأسهم أو (البورصة) في السعودية تشهد إقبالاً منقطع النظير في الاستثمار فيها. وفي الوقت ذاته يحاول الأصوليون السعوديون أن (يؤثروا) في توجهات هذا السوق، من خلال سلاحهم التقليدي (الفتوى). وقد قام بعض أساطين المد الأصولي بتطوير (آلية) للفتوى على أساس (تصنيفي)، قسّـم فيها هذه الشركات المساهمة المُدرجة في السوق السعودي إلى قسمين: قسم( مباح) والقسم الآخر (محرم) أو مشبوه. ورغم هذا التصنيف، إلا أنه لم يؤثر في هذه السوق، ولا في توجهات مؤشرات الشركات، وظلت أسعار أسهم الشركات (المحرمة) حسب الفتاوى تتصاعد، نتيجة للطلب من قبل المستثمر، غير آبهٍ بكونها حسب التصنيف الأصولي مُحرمة أو مشبوهة، أم هي من الشركات (الحلال).
كذلك توجه كثير من نجوم الصحوة في السعودية إلى (التحالف) مع الصوت الليبرالي، ومغازلته، مثل الشيخ السعودي الصحوي سلمان العوده الذي أصبح (نجماً) من نجوم قناة الـ MBC التي كانت تصنف في السابق على أنها من أهم الأصوات الليبرالية الإعلامية، يصب في نفس الاتجاه؛ سيما وأن هذا الشيخ كما يعرفُ عنه لديه خاصية رصد جيدة لتوجهات الرأي العام، ومتطلبات الجمهور في (النجوم) الجدد.
مثل هذه المؤشرات تؤكد أن الأجيال القادمة، وحسب هذه الدلالات، ستكون بكل تأكيد أبعد عن الأصولية، والأقرب إلى التحرر و (الليبرالية).
ربما يرى البعض أن حملة مقاطعة البضائع الدانمركية، والتي نجحت في جميع أرجاء العالم الإسلامي، تؤكد سيطرة الخطاب الأصولي على توجيه الرأي العام؛ وهذا غير صحيح. فالحملة ضد الدانمرك لم تكن حملة أصولية في مضامينها وأبعادها بقدر ما كانت حملة دفاع مشروعة ضد النيل من (الهوية) من منطلقات عنصرية. والدليل أن هذه الحملة لم تقتصر على الأصوليين وإنما شارك فيها على قدم المساواة في الشجب والرفض والاستنكار كثيرٌ من الأصوات التي تعتبر من حيث التصنيف الثقافي ليبرالية.

كل ما أريد أن أقوله هنا، هو ما قاله قبلي، وتوصل إليه الباحث الأمريكي (فرانسيس فوكوياما ) صاحب كتاب (نهاية التاريخ) والذي أكد فيه (أن الليبرالية هي الحل الحضاري الأخير الذي انتصر). المسلمون والشعوب الناطقة بالعربية على وجه التحديد هم جزء من هذا العالم، ومثلما انتصرت (الليبرالية) على غيرها من الأيديولوجيات في كل أصقاع العالم، فإن مثل هذه المؤشرات تؤكد في ذات السياق أن انتصار (الليبرالية) في بلاد الإسلام على التوجه الأصولي هو حتم، والمسألة لا تعدو أن تكون مسألة وقت ليس إلا.