والعشش الصفيح وخيام الإيواء
ماحدث فى مزاد فيلات وشاليهات مارينا هو قمة الجنون فى مصر المحروسة بلد المتناقضات والكوميديا السوداء!، فمامعنى ان يصبح سعر الفيلا التى عرضت ب 250 ألف جنيه يقترب من الخمسة مليون جنيه وهو مبلغ يكفى لزواج شباب حى شبرا؟، وماهى دلالة أن يرتفع ثمن الشاليه من 150 ألف جنيه إلى مليون ونصف؟، أعتقد أن ثمن المتر فى مزاد مارينا المجنون والذى وصل إلى 19 ألف جنيه هو ثمن خرافى فلو تصورنا أننا ملأنا هذه المساحة بالذهب وليس بالرمل لن تصل إلى هذا الرقم الغريب الصادم؟، ومن حضر هذا المزاد كانت له ملاحظة غريبة أن معظم المزايدين كانوا من الجنس الناعم اللاتى تحولن إلى ديناصورات بيزنس من النوع الثقيل!، فتحول المزاد إلى نوع من كيد النسا وquot;زنب quot; بنات حواء عصر البيع والخصخصة والمصمصة، كل ست من دول عايزه ترجع لجوزها وتقول له :أما حرقت لك دم جيجى بتاعة نادى العاصمه، أو :فرست لك باكينام بتاعة نادى الجزيرة!، المزاد هو لقطة فوتوغرافية او كليب مجنون أو حفلة زار جماعى لطائفة من البشر كل متعتهم إستعراض العضلات، مجرد طواويس ذهبوا ليعلنوا عن مولد عصر جديد هو عصر بيزنس زوجات رجال الأعمال، وهو بيزنس من نوع خاص يعتمد أساساً على ميكانيزم الغيظ والفرسه وخطط الضرب النسوانية تحت الحزام، وتحولت مارينا بقدرة قادر إلى ساحة صراع بين زوجات الأثرياء وأبناء طبقة الزجاج الفيميه والسيمون فيميه والهامر والليكزس، وصار شعارها الذى تسمعه فى كل مكان quot; إنت مش عارف أنا إبن مين؟!quot;، وآخر شئ يفكر فيه سكان مارينا هو التصييف، فالكل يراقب الكل وينم على الكل ويتنطط على الكل، مجتمع غريب يصرخ بهستيريا ويتعامل بسادية، مجتمع تحكمه حمى المقارنة وصرع الإستهلاك، إلى أين تتجه مصر فى هذا المزاد العجيب؟، إن دلالاته خطيرة، كيف يحدث هذا الجنون فى بلد يسكن الملايين فيه المقابر وخيام الإيواء وعشش الصفيح؟، إننا بحق بلد المتناقضات، فنحن البلد الوحيد فى هذا الكون الذى ينام فيه الأحياء بجانب الأموات ويتضاجعون ويقيمون حفلات زفافهم فى أحواش المدافن، وقال إيه بيقولوا علينا مجتمع بيقدس الموت!!، بكى صديقى الطبيب الذى قضى عشر سنوات من عمره فى السعودية متحملاً إهانة الكفيل ورذالة مدير المستشفى وزنب زملائه من أبناء وطنه وكبته الجنسى ببعده عن زوجته، بكى عندما ذهب بتحويشة العمر إلى المزاد المجنون وعرف أنه مجرد صرصار فى مجتمع الحيتان الكبار وعاد خالى الوفاض يجر أذيال الخيبة بعد ربع ساعة من بدايته، كنت أرى بكاءه هيافة وسطحية، وكان يرى دموعه عدودة وبرواز نعى لحياته التى مضت بلا ثمن، إن هذه الملايين التى أهدرت على رمال فيلات الزمردة وسوسن وغيرها ليست مجرد أوراق بنكنوت ولكنها أوراق شهادة وفاة وطن ظل يوسع فى الفجوة ما بين فقرائه وأغنيائه حتى صار أشلاء وطن، إنه وطن تحول إلى خرسانة أسمنتية بلا مشاعر، إن ماحدث فى مزاد مارينا هو جنون البشر وهستيريا طبقة تتآكل وتأكل فى طريقها جميع القيم والمبادئ، طبقة شرسة فى صراعاتها، دموية فى خلافاتها، وكما تغرد البجعة قبل أن تموت، فمزاد مارينا هو صرخة مجتمع قبل أن ينتحر!.
[email protected]















التعليقات