يعتقد البعض أن وجود الحركة الشعوبية اقتصر على فترة زمنية معينة هي فترة البرامكة والبويهيين والصفويين فقط وأن الحديث عن الحركة الشعوبية وأثارها الكبيرة في زرع بذور الفتن الطائفية والنعرة القومية المقيتة تاريخيا أصبح كل الطعن في الميت ما دام ان هذه الحركة قد انقرضت وأنتها وجودها وأصبحت اثر بعد عين.
وباعتقادنا أنا هذا الرأي يكون صائبا لو ان أصحابه تمكنوا من إثبات ما يشير إلى انتهاء هذه الحركة وانتفاء فكرها العنصري. غير أن ما هو واقع عكس ذلك تماما فالحركة الشعوبية وحسب ما أكدته المتابعة الدراسة الدقيقة لها فهي من حيث البنية التنظيمية أشبه ما تكون بالحركة الماسونية و لها من القدرة ما يمكنها من تكييف نفسها مع الأوضاع المستجدة و التغلغل في الأنظمة والحكومات ونشر فكرها وخطابها عبر لسان أعلى المسئولين في البلاد عبر مختلف المراحل الزمنية. والمتتبع سوف يلحظ ذلك بوضوح على لسان كبار قادة النظام الإيراني الذين أصبحوا يتبارون بتصريحاتهم التي دائما تنتقص من الأمم والشعوب الأخرى.
ومن ضمن هذه التصريحات الشعوبية ما أدلى بها قائد الثورة الإيرانية (آية الله ) علي خامنئي إثناء استقباله يوم الاثنين 14حزيران عام 2004م لمجموعة من الملالي وعدد من الأكاديميين من أعضاء مؤسسة quot; دائرة المعارف الإسلامية الإيرانية quot; حيث صرح خامنئي قائلا: أن الأمة الإيرانية تصلح لان تكون على هرم الثقافة العالمية. و أضاف خامنئي: أن الشعوب الإسلامية مديونة لجهود وأبحاث الإيرانيين في المجالات الثقافية.(صحيفة جمهوري إسلامي: 15 /6/2004م).
طبيعي من حق أي شخص ومهما كانت منزلته أن يعتز بقومه وأن يفخر بالإنجازات التي قدمتها وتقدمها أمته سواء على الصعد الثقافية أو الحضارية فهذا أمر مشروع ولا يختلف عليه اثنان. ولكن الأمر الذي كان ومازال موضع خلاف هو أن يفضل هذا الشخص قومه على سائر الأقوام ويدعي لقومه ما ليس فيهم فعند ذاك يصبح الأمر عنصرية وهذا أمر محارب دينيا وقانونيا وقبل هذا وذاك فأنه مرفوض إنسانيا و أخلاقيا حتى وان صدر من أجهل الناس وأقلهم منزلة في المجتمع فما بالك لو انه صدر من شخصية دينية وزعيم دولة كما هو حال مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي الذي تجاوز كل القيم الأخلاقية والذوق السياسي حين راح يفضل قومه على سائر الأمم وقد تجاوز مفهوم الأمة الإسلامية الواحدة حين ما وصف قومه بأنهم أصحاب فضل على سائر المسلمين.

بكل تأكيد لا يمكن لأي إنسان منصف وسوي أن ينكر الواقع أو يزيف التاريخ. فالأمة الفارسية التي ينتسب أليها السيد خامنئي كانت ذات يوم صاحبة إمبراطورية عظمى وكان لها حضارتها وثقافتها البارزة بين سائر الحضارات والثقافات الأخرى. وكانت هذه الحضارة قد بنيت من خلال ما التقطته من باقي الحضارات المجاورة وهذا أمر طبيعي أيضا كون الأمم والشعوب تتأثر بثقافة وعلوم بعضها البعض. ولهذا فقد اخذ الفرس من حضارة الرومان ومن حضارات وادي الرافدين وكذلك حضارة الفراعنة وغيرها. كما أن الآخرون أيضاء اخذ منها. وهذا من إيجابيات الأمم الحية التي تأثر وتتأثر بغيرها. و الأمة التي لا تأثر ولا تتأثر بمحيطها فهي أمة جامدة وفاشلة ومن الطبيعي أن الأمة الفارسية لم تكن أمة جامدة فقد تفاعلت مع محيطها و أخذت منه و أعطته وهذه سنة كونية وهذا كان قبل الإسلام. ولما فتح المسلمون العرب بلاد فارس (بعد تطهير بلادهم من الاحتلال الفرس) أصبح لأهل فارس حضارة جديدة وهي حضارة الإسلام التي لا ينكر ldquo;خامنئي ldquo; أنها أفضل وأهم من حضارة أجداده (الحضارة المجوسية) الذين أخرجهم العرب المسلمون من الكفر إلى الأيمان ومن ظالمات الجاهلية إلى نور الإسلام والحضارة الإنسانية وهذا أول فضل للمسلمين العرب على الإيرانيين.هذا إذا قبلنا حسب منطق الشعوبية أن هناك تفاضل بين المسلمين أساسا. فالإيرانيون الذين اعتنقوا الإسلام أصبحوا جزء من الأمة الإسلامية وأصبحوا مكلفين شرعا أن يدافعوا عن هذه الأمة و يعطوا لها ويأخذوا منها فهي أمة ودولة واحدة لا تمييز ولا عنصرية فيها و ما يقدمه أيا من أبنائها القاطنون في مشرقها يستفاد منه الذين هم في مغربها وكذلك العكس. وقد أصبح علماء المسلمين يتبارون في إنتاجهم على جميع المستويات العلمية و الثقافية كل في اختصاصه مستعينين بعلوم و تجارب الأمم الأخرى وهذه ميزة لهم فهي دلالة على سعة معرفتهم وإطلاعهم على علوم وثقافات الآخرين. فهذا ملا صدر الشيرازي مثلا و الذي يعد من نوابغ الفرس في الفلسفة لا ينكر أنه استعان بأفلاطون و غيره من فلاسفة اليونان. كما أن ابن سينا استفاد في علوم الطب من أثار الطبيب اليوناني quot; ابقراط quot; وغيره من علماء الطب من العرب وغير العرب ممن سبقوه.
ثم قبل ذلك نسأل أين تعلم الإيرانيون اصل الكتابة و القراءة أليس من حضارة وادي الرافدين.
أذن فما هي أفضال الإيرانيون على الشعوب الإسلامية الأخرى ؟. ألم يفتي الخميني برفض احتكار الملكية الخاصة لأي منتج فكري او علمي وقد ألغت الحكومة الإيرانية قانون حق الملكية الفكرية الخاصة بناء على هذه الفتوى ؟. فكيف يعود خامنئي ويدعي أن للإيرانيين أفضال على المسلمين. ثم أليس الإيرانيون هم من هذه الأمة ؟.
و أما قوله أن الأمة الإيرانية تصلح لتكون على هرم الثقافة العالمية! أليس هذا أمر مبالغ به.
ترى هل يقصد سماحته بتلك الثقافة التي يريدها أن تكون على قمة هرم الثقافة العالمية هي ثقافة الحشاشين والمدمنين الذين يملئون شوارع وساحات المدن الإيرانية ؟. حيث أن آخر إحصائية رسمية إيرانية تأكد ان عدد المدمنين المسجلين رسميا بلغت بحدود الثلاثة ملايين مدمن وان كمية المخدرات التي تستهلك يوميا في طهران وحدها أكثر من أربعة ملايين طن من مختلف أنواع المخدرات.
أما جرائم القتل و الجرائم الاجتماعية الأخرى فقد تضاعفت نسبة معدلاتها عشرات المرات عما كانت عليه في عهد النظام البهلوي. و أصبحت عمليات تهريب الفتيات والنسوة الإيرانيات وبيعهن في أسواق الدعارة في دول الجوار من أهم ما تشكو منه الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية الإيرانية.
أذن اين هي الثقافة الإيرانية التي يتباها بها خامنئي والتي يريدها ان تتربع على عرش الثقافة العالمية.
ترى أليس هذه التصريحات وأمثالها هي تعبير صارخ ودليل قاطع على أن الشعوبية ماتزال حية وتعمل بقوة في نظام الجمهورية الإيرانية .