في مساء 26 آذار المنصرم دعيت مع الصديق الدكتور رياض الأمير، رئيس تحرير صحيفة (عراق الغد) الإلكترونية، للمشاركة في ندوة تلفزيونية على قناة (الفيحاء) الموقرة، وأدارها الإعلامي الصديق الدكتور هاشم العقابي. وكان الحوار يدور حول الفيدرالية في العراق وفيما لو كانت ستساهم في استقرار الوضع بعد أن عمت فيه الفوضى العارمة. وكان من رأي مدير الندوة أن الفيدرالية هي الحل، ودليله على ذلك، كما قال في المقدمة، ففي الوقت الذي تعم الفوضى وفقدان الأمن والخدمات في المناطق العربية من العراق، تتمتع منطقة كردستان الفيدرالية بالأمن والاستقرار والازدهار الاقتصادي. وعليه، فلماذا لا نستفيد من هذه التجربة الرائدة ونقيم فيدراليات في المناطق العربية من العراق على غرار فيدرالية كردستان، واحدة أو اثنتان في الجنوب وأخرى في المنطقة الشمالية الغربية، وبذلك سيعم الأمن والرخاء في عموم العراق كما في كردستان.

ولا أدري إن كان الصديق مقدم البرنامج قد فوجئ بتطابق آراء ضيفيه (الدكتور رياض وأنا) ودون سابق اتفاق طبعاً، ولكن هكذا حصل، فخلافاً لما اعتاد عليه مشاهدو الفضائيات العربية الأخرى، حيث يكون الضيفان على طرفي نقيض مع بعضهما ويتصارعان كصراع الديكة لإثارة وشد اهتمام المشاهدين. ونظراً لأهمية الموضوع، أرى من المفيد مناقشته على شكل مقالة وذلك لتعميم الفائدة، وهي آراء يوافقني في معظمها الصديق المشارك في الندوة، الدكتور رياض الأمير، على ما اعتقد.

بدءً، أود التوكيد على إني مع الفيدرالية من حيث المبدأ، فهي أرقى أنواع الحكم في الأنظمة الديمقراطية. فكلما خفت قبضة سلطة المركز واتسعت صلاحيات سلطات الأطراف، تعمقت الديمقراطية وتقوَّت الرابطة بين مكونات الشعب الواحد وعم الخير الجميع. فهناك دول ديمقراطية عديدة في العالم تتكون من فيدراليات، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا وبريطانيا، وألمانيا وسويسرا والنمسا والهند وماليزيا واستراليا وغيرها. وفي البلاد العربية فشلت الوحدة الاندماجية الفورية بين مصر وسوريا، بينما نجح الاتحاد الفيدرالي في اتحاد الإمارات العربية. وعليه فأنا مع الفيدرالية في العراق... ولكن!!
ربما سيرد عليّ بعض المتحمسين للفيدرالية الفورية في العراق بمقال (نعم للفيدرالية.. بلا ولكن!) وهذا لا يهم بل وربما من المفيد اغناء الحوار بحثاً عن الحقيقة والوصول إلى قناعة.
كذلك أنا لست ضد الفيدرالية الكردستانية، لأن هذه الفيدرالية هي أقل مما يستحقه الشعب الكردستاني الذي من حقه حتى أن يستقل بدولة خاصة به، فهو شعب له خصوصياته، وتعرض للظلم المضاعف، ولكن لظروف دولية مجحفة، نال هذا الشعب ظلماً كبيراً ومنع من تكوين دولته الخاصة به، ابتداءً من معاهدة سيفر في الحرب العالمية الأولى وإلى الآن. كذلك معظم الأطراف السياسية العراقية متفقة على الفيدرالية الكردستانية. لذا فالنقاش في هذه المقالة ينصب على الفيدراليات في المناطق العربية من العراق فقط، وهل حقاً ستحقق الفيدرالية الأمن والازدهار؟

أجل، أنا مع الفيدرالية، ولكن! .... ولماذا هذه الـ(ولكن)؟ الجواب، لأن الوقت الآن غير ملائم لطرح مثل هذه المشاريع. لقد ورث الشعب العراقي ركاماً هائلاً من المشاكل عبر قرون من ظلم الحكومات المستبدة. ولا يمكن حل جميع المشاكل المتراكمة بعصا سحرية وبين عشية وضحاها. نعم، ينقسم العرب في العراق إلى سنة وشيعة، ولكن هذا التقسيم ليس هو السبب الوحيد وراء العنف المستشري الآن، ووجود الانقسام المذهبي ليس بالأمر الجديد، إذ كان موجوداً خلال 14 قرناً الماضية، وإنما اتخذت التعددية المذهبية واجهة فقط للتعبير عن العنف وتبريره. لذا فإثارة موضوع الفيدرالية المثيرة للجدل والخلاف في هذا الوقت العصيب مسألة مضرة بالمصلحة الوطنية ويجب تأجيلها إلى أن تستقر الأمور وتهدأ النفوس وتعود الثقة بين أبناء الشعب الواحد. فإثارة الفيدرالية في هذه المرحلة المعقدة من شأنها أن تصب الزيت على النار، خاصة وأن العرب السنة يعتقدون أن الفيدرالية هي فكرة اخترعها quot;الفرس المجوسquot; والغرض منها تفتيت العراق وسيطرة quot;الشيعة الصفويةquot; على ثروات البلاد وحرمان الشمال منها، وفصل الجنوب وإلحاقه بالحكم الفارسي، مثلما سيطر الفرس على إمارة الأهواز العربية (عربستان عند العرب، و خوزستان كما يسميها الإيرانيون)، بعد أن أسروا أميرها الشيخ خزعل الكعبي في أوائل القرن العشرين وقضوا على حكمه. طبعاً هذه التهمة سخيفة لن تصمد أمام أبسط نقاش منطقي، وخاصة فكرة إلحاق المحافظات العراقية الجنوبية بإيران، ولكن رغم تفاهتها، إلا إنها لا تمنع الآخرين من طرحها وإثارة المخاوف منها لتأجيج الوضع. لذلك أرى من الضروري تجنب كل ما من شأنه تأجيج الوضع المتأزم أصلاً، خاصة واللغة السائدة الآن هي لغة الطائفية. فالمطالبة بفيدرالية أو فيدراليتين في المثلث الشيعي وأخرى في المثلث السني، سيأخذ طابعاً طائفياً ويعتبر تكريساً للطائفية ومشروعاً لتمزيق العراق إلى دويلات وكانتونات طائفية هزيلة لا تقوى على مواجهة المخاطر المحيقة بها. لذا فمن الحكمة تأجيل المطالبة بهذه الفيدراليات إلى أن تُحل معظم المشاكل الأخرى التي تستوجب الأولوية على غيرها، مثل الأمن وتوفير الخدمات وإعادة بناء العراق ومؤسسات المجتمع المدني وبناء الدولة الديمقراطية المستقرة المزدهرة، وعندئذٍ سيكون لكل حادث حديث.

إذنْ، ما هي أسباب العنف والفوضى في العراق؟
كما بينت أعلاه، يعتقد البعض، أن الفيدرالية هي الدواء الناجع panacea لجميع العلل التي يعاني منها الشعب العراقي، وفيها الحل الصحيح للقضاء على الفوضى المستشرية في المناطق العربية من العراق، وكأن سبب هذا العنف والفوضى هو تمركز الحكم بيد السلطة المركزية، وعليه فالفيدرالية هي الحل، كما يعتقدون. وهذا الطرح يعني أن العنف المنطلق من عقاله منذ سقوط صنم البعث ناتج عن الاختلاف المذهبي فقط، لذا فالحل هو الانفصال على شكل حكم فيدرالي، كما يعتقدون. نحن نختلف في هذا الرأي، وسأوضح ذلك لاحقاً.
كما لا أعتقد أن استقرار الأمن النسبي في كردستان يعزى كلياً إلى الفيدرالية، ولا الفوضى في المناطق العربية يمكن إيعازها إلى غياب الفيدرالية فيها وتمركز الحكم في السلطة المركزية. بل وعلى الضد من هذا الطرح، أرى أن ضعف الحكومة المركزية وإثارة فكرة فيدرالية الجنوب، هما من الأسباب المؤججة والمثيرة لتنشيط هذا العنف المتراكم منذ القدم.

إذن، ما هي أسباب العنف في المناطق العربية والاستقرار في المناطق الكردستانية؟
في رأيي، إن سبب انفجار العنف في العراق هو تعرض هذا الشعب إلى مظالم شديدة متراكمة لآلاف السنين، والذي بلغ الذروة في عهد حكم البعث الذي دام نحو أربعة عقود وخاصة فترة تبوئ صدام حسين لرئاسة quot;جمهورية الخوفquot; كدكتاتور مطلق. وخلال هذه الفترة القاسية تعرض الشعب العراقي إلى أقصى ما يمكن من الظلم والجور والحرمان، خاصة في فترة الحصار الاقتصادي الذي أذل هذا الشعب المعروف باعتزازه العميق بكرامته. فأي شعب يتعرض لهكذا ظلم وقمع وإذلال، لا بد وأن تتراكم فيه شحنات ضخمة من العنف والغضب والتي تعمل كبراكين تحت قشرة الأرض، تنتظر اللحظة المناسبة للانفجار. فما أن يتحرر هذا الشعب المضطهد من الحكم الجائر حتى ينفجر البركان ليقذف بالحمم وتصلي نيرانه الجميع وليحرق الأخضر واليابس. ولا يمكن إخماد هذا البركان إلى أن يهدأ من تلقاء نفسه ويستنفد مخزونه المحتقن. إن تفسير العنف بسبب العداء المتراكم بين السنة والشيعة هو خطأ فضيع وناتج عن الحاجة لإيجاد واجهة لينفس هذا العنف عن نفسه.
ولم يشذ الشعب الكردي عن بقية الشعب العراقي بهذا الخصوص، إذ كان محتقناً وبركانه كان ينتظر الانفجار، بل كان ينفجر بين حين وآخر خلال الثمانين عاماً من عمر الدولة العراقية على شكل ثورات وانتفاضات مسلحة ضد الحكومة المركزية. ولكن كما حصل لمجموع الشعب العراقي، كذلك بلغ الاحتقان مبلغاً كبيراً في كردستان من جور النظام البعثي الفاشي الساقط، فما أن تحرر من حكم المركز بفضل الحماية التي وفرتها له قوات التحالف في إقامة منطقة الملاذ الآمن safe heaven منذ عام 1991 وتمتعت المنطقة بالحكم الذاتي شبه المستقل عن حكم صدام حسين، حتى انفجر بركان العنف الكردي على شكل حرب أهلية بين (الأخوة-الأعداء) راحت ضحيتها الآلاف من الأكراد. وقد قيل في وقتها أنها كانت بسبب الخلاف على تقاسم واردات كمارك مخفر إبراهيم الخليل، إلا إن هذا كان مجرد الواجهة والسبب المرئي لإشعال الفتيل، لكي ينفجر البركان على أي حال. وهذا الانفجار أدى إلى تقسيم كردستان إلى كردستانين وحكومتين، حكومة مقرها في السليمانية بقيادة السيد جلال طالباني، زعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وحكومة ثانية مقرها أربيل بقيادة السيد مسعود بارزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني. وبقيت كردستان تعاني من هذا الانقسام لحد الآن. لذا، فإذا كانت كردستان تتمتع الآن بالهدوء والأمن والازدهار الاقتصادي، فليس صحيحاً تأويل هذه النعمة إلى الفيدرالية وحدها، وعلى أهميتها، بل إلى أن الشعب الكردي قد أفرغ ما عنده من شحنات العنف والغضب خلال السنوات الست الأولى من التحرر من حكم البعث.
وعليه، فإني أعتقد، أن تقسيم المناطق العربية إلى فيدراليات، سوف لا ينهي الفوضى الآن وفي المستقبل، بل سيفاقمها في هذه المرحلة العصيبة. لأن خوف العرب السنة من فيدرالية الجنوب واحتمال حرمانهم من ثروات العراق، هو أحد المبررات في تأجيج العنف في العراق.
كذلك يجب أن لا نغرق في الوهم ونؤوِّل كل هذا العنف إلى الصراع الطائفي في المناطق العربية. فلو لم يكن في العراق سنة وشيعة، لاتخذ هذا العنف والصراع اسماً آخر وحصل تحت واجهة أخرى، كما حصل في كردستان. ففي المنطقة الكردية ليس هناك اختلاف مذهبي أو أثني، إذ كلهم أكراد مسلمون من مذهب واحد وهو المذهب الشافعي. ولكن رغم هذا التجانس الأثني والديني والمذهبي، انفجر الصراع وتحت واجهات ومبررات أخرى، أي تقسيم حزبي ومناطقي وخلاف على واردات كمركية كما أسلفنا. ولنفس السبب، فلو لم يكن الشعب العربي في العراق سنة وشيعة، لحصل هذا العنف تحت واجهة أخرى. والدليل على ذلك، أن هذا العنف والقتل الجماعي ليس موجهاً من قبل السنة العرب ضد الشيعة فقط كما يظهر على السطح ويطبل له الإعلام العربي حتى صار هذا الادعاء من المسلمات والبديهيات التي لا تقبل الشك!! بل راح هذا العنف يحصد أرواح أهل السنة العرب أيضاً والقتلة هم من نفس الطائفة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، في الأسبوع الماضي حصلت جريمة بشعة في مدرسة في مدينة الرمادي-العربية السنية- حيث دخل إرهابيون في أحد الصفوف وقاموا بذبح مدرس وفصلوا رأسه عن جسده بمنتهى الوحشية أمام الطلبة. كما قتل مسلحون يوم 30/3/2005، ثمانية من عمال مصفى النفط في مدينة بيجي السنية. ومسلسل القتل هذا مستمر يومياً في معظم مدن المثلث السني، كما في بغداد والمناطق المجاورة لها. فهل يحصل هذا القتل لأسباب طائفية، خاصة وإن الجناة هم من فلول البعث السنة وحلفائهم الزرقاويون والضحايا أيضاً من جميع المذاهب، السنة والشيعة على حد سواء ؟ كذلك هناك أعمال عنف بين مليشيات شيعية ذاتها، كما حصل مراراً بين مليشيات الصدر وبدر الشيعيتين.
كل ذلك يؤكد لنا بجلاء، أن العنف في العراق ليس ناتجاً عن الاختلاف المذهبي وإنما اتخذت الطائفية كواجهة لها فقط، بل بسبب تراكمات شحنة ضخمة من العنف والغضب نتيجة تعرض هذا الشعب إلى المظالم لعقود بل لقرون طويلة، إضافة إلى محاولات فلول البعث وحلفائهم الزرقاويين ودول الجوار المعادية للعراق الجديد، الاستفادة من هذا العنف المتراكم وتناقضات الوضع وتوظيفهما لأغراضهم الجهنمية وهي تدمير العراق وإفشال العملية السياسية بأي شكل كان.

نماذج من انفجار العنف بعد انهيار الأنظمة الجائرة
هناك أمثلة عديدة في التاريخ تؤكد لنا صحة ما ذكرنا أعلاه من انفجار العنف المدمر بعد سقوط أي نظام جائر. ويتناسب هذا العنف طردياً مع شدة الظلم وطول مدته. فقد رافقت الفوضى معظم الثورات في العالم مثل الثورة الفرنسية والثورة البلشفية، وكذلك ثورة 14 تموز العراقية ولو على نطاق ضيق. ولكن أوضح مثال على العنف بعد سقوط نظام الاستبداد، هو ما حصل في الصومال قبل عشرين عاماً. فلم يسقط النظام الصومالي المستبد عن طريق انقلاب عسكري ولا عن ثورة شعبية مسلحة ولا غزو خارجي، بل انتهى النظام بمجرد موت الدكتاتور محمد زياد بري موتاً طبيعياً. ومع ذلك انفجر العنف في طول البلاد وعرضها وغرق الشعب الصومالي في حرب أهلية دامت 15 عاماً أدت إلى انهيار الدولة بالكامل. علماً بأن الشعب الصومالي يتكون من أثنية واحدة ويدين بدين واحد ومذهب واحد، لا سنة ولا شيعة، لا هوتو ولا توتسي!!
كذلك حصلت الفوضى بعد انهيار دول المعسكر الاشتراكي في أوربا الشرقية لفترة محدودة تم احتواءها. ففي ألبانيا مثلاً، بعد سقوط النظام الشيوعي الستاليني، انفجر الشعب الألباني في أعمال فوضى عارمة، فاندفعت الجماهير إلى ثكنات الجيش ونهبت البنادق والذخيرة، وشاهدنا من على شاشات التلفزة كيف كانت الناس وحتى الصبيان يحملون السلاح وفي حالة فوضى عارمة. فعلق مراسل بي بي سي في وقتها قائلاً، أن كل إنسان هنا متوتر ويحمل بندقية، ولكن المشكلة ليس هناك عدو لإطلاق النار عليه!!! فاستمر العنف إلى أن استنفد من تلقاء نفسه، فهدأت الأمور وعادة الدولة لتدير شؤون الناس.

الخلاصة والاستنتاج:
وبناءً على ما تقدم، نستنج ما يلي:
أولاً، إن السبب الأساسي وراء هذا العنف هو الاحتقان المتراكم في الشعب العراقي نتيجة تعرضه إلى إذلال ومظالم شديدة ولفترة طويلة. أما الطائفية فما هي إلا الواجهة للتعبير عن هذا العنف والتنفيس عن الغضب والكرامة المهدورة.
ثانياً، الانهيار السريع للدولة العراقية المتمثل بـ(جمهورية الخوف) البعثية، وما رافقه من الحرية المنفلتة وغياب حكم القانون وضعف الدولة الجديدة ومؤسسات الأمن وحماية القانون، وتكالب أعداء الديمقراطية في العراق وخارجه، كل هذه الجهات والعوامل ساعدت على تفاقم الوضع.
ثالثاً، أنهار الصومال وتفككت دولته بعد انسحاب أمريكا منه بسبب الضغوط الدولية وهمجية العنف والقتل العشوائي. لذا فلو انسحبت أمريكا والقوات الدولية من العراق قبل استتباب الوضع فيه، فسيحصل له ما حصل للصومال، ولكن مع الفارق. فإذا بقيت الحرب الأهلية في الصومال محصورة في داخل ذلك البلد، فإن انهيار العراق وتفككه سيحرق العالم كله وبالأخص دول المنطقة. لذا فالذين يطالبون بانسحاب أمريكا وقوات متعددة الجنسيات من العراق، إما أنهم سذج في أحسن الأحوال، أو أنهم يضمرون للشعب العراقي شراً مستطيراً. وفي هذه الحالة فهم ليسوا جهلة فقط، بل أشراراً وسيدفعون ثمناً باهظاً لمواقفهم الغبية هذه.
رابعاً، الفيدرالية في المناطق العربية من العراق، رغم كونها صيغة متقدمة في الحكم، إلا إنها غير مناسبة في الوقت الحاضر، وسوف لن تحل المشكلة، بل ستفاقمها. وإذا تحققت هذه الفيدرالية في هذه الظروف العاصفة لا سامح الله، فسرعان ما تندلع حروب داحسة والغبراء بين ميليشيات الصدر وميليشيات الحكيم (فيلق بدر) أي (حكم العوائل في هذا الزمن الأغبر)، وستتفتت المنطقة الشيعية بين لوردات الحروب، كذلك ستندلع الحرب الأهلية بين الفرقاء المختلفة من المليشيات السنية في المثلث السني، لا تبقي ولا تذر. ودليلي على ذلك، ما حصل من اقتتال بين أتباع الصدر وأتباع الحكيم في السماوة والنجف ومناطق أخرى في العراق عدة مرات. كذلك هناك صدامات بين العشائر السنية والإرهابيين من فلول البعث والقاعدة في المثلث السني. أما وجود جماعة مقتدى الصدر في الإئتلاف الشيعي، فهو تحالف هش قابل للانفراط في أية لحظة. وإذا ما حصل الاقتتال بين لوردات الحروب في ظل الفيدراليات، فسوف يعطي هذا الذريعة لدول الجوار بالتدخل واحتلال كل دولة جزءً من العراق بحجة حماية أشقائهم فيه.
لذلك، على السياسيين العراقيين أن يفهموا المخاطر الجسيمة المحيقة بهم وبالعراق ويجب عليهم أن يتخلوا عن مصالحهم الشخصية والفئوية ويتحلّوا بالصبر والحكمة ويركزوا على المصالح الوطنية، قبل فوات الأوان.