منذ النشأة وهما يقفان على طرفي نقيض من مسألة الحكم والحاكم ولكل منهما رؤيته التي تتصادم مع رأي الطرف الأخر في هذا الشأن. فالحركة الشعوبية، التي تلبست بلباس التشيع لأهل البيت، التزمت خط المعارضة للحاكم السني وطعنت في شرعية حكمه منذ أن تولي أبي بكر(رض الله عنه ) قيادة الدولة الإسلامية والى يومنا هذا. والقارئ للتاريخ الإسلامي يجد أن الحركة الشعوبية اعتمدت سياسة التحريض على الثورة مبدأ للعمل في مواجهة الحاكم السني التي رأت فيه حاكما غير شرعي بسبب ما أسمته اغتصابه للحكم الذي هو مخصص من عند الله لأهل البيت وحدهم!. ورغم كثرت تلك الثورات إلا أن الشعوبية لم تنجح في تحقيق أهدافها وكان نصيبها الوحيد الذي ضمن لها البقاء تمثل في الدولة الصفوية التي جاءت إلى الحكم بمساندة الأوروبيين الذين كانوا في حالة حرب مع الإمبراطورية العثمانية. حيث وجد الأوروبيون في الصفويين خير وسيلة لكبح توسع الإمبراطورية العثمانية نحو القارة الهندية بعد أن تمكنت من التقدم نحو الغرب وفتحت العديد من بلدان أوروبا الشرقية ونشرت الإسلام في ربوعها. وقد دخلت الدولة الصفوية في حروب دامية مع الإمبراطورية العثمانية نتيجة للخلافات المذهبية والقومية التي أرست جذوره الحركة الشعوبية.

ومع انتصار ثورة الشعوب الإيرانية ضد نظام الحكم البهلوي وقيام ما يسمى بنظام الجمهوري إسلامي تبنى قادة هذا النظام مشروع تصدير الثورة لإسقاط الأنظمة السنية. ولهذا فقد تم إنشاء العديد من الأحزاب والحركات السياسية الشيعية في عدد من البلدان الإسلامية بقية خلخلة وضعها الأمني وتهيأت الظروف للإسقاط أنظمتها وتحقيق حلم الشعوبية الهادف إلى إعادة الإمبراطورية الفارسية تحت عباءة التشيع .

ومن أجل تحقيق هذا الحلم نجد أن النظام الإيراني قام بتأسيس حزب الله اللبناني علي أكبر محتشمي بور والذي كان شعاره عند تأسيس في عام 1982 م ولغاية عام 1992م هو( حزب الله الثورة الإسلامية في لبنان) وكذلك حذا حزب الله الحجاز بزعامة السيد هاشم الشخص حذو قرينه اللبناني ورفع شعار( تحرير الحرمين الشريفين) وهكذا فعل كل من، حزب الله الكويت بزعامة الشيخ عباس بن نخي، ومنظمة الثورة الإسلامية لتحرير الجزيرة العربية بزعامة الشيخ حسن الصفار، وجبهة الثورة الإسلامية لتحرير البحرين بزعامة هادي المدرسي، والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بزعامة محمد باقر الحكيم وحزب الوحدة الأفغاني بزعامة الشيخ علي مزاري وحركة الفقه الجعفري في باكستانية بزعامة ساجد نقوي و.....الخ.

فجميع هذه الحركات تأسست بهدف إسقاط الحكم السني في بلدانها من خلال ممارسة العمل المسلح الذي هو جزء من منهج حركة الشعوبية التي سخرت العاطفة ومحبة أهل البيت كأحد أهم عناصر خطابها السياسي لحشد مؤيديها ضد سلطة الحكم الأموي والعباسي وصولا إلى النظام العربي الحالي.
و لما كانت الحركة الشعوبية قد سخرت العاطفة ومحبة أهل البيت لتحقيق غاياتها السياسية، فأن المدرسة السنية قد اعتمدت على فن اللغة العربية في تأويل الآيات والأحاديث لدعم شرعية نظم الحكم السياسي واثبات وجوب طاعة السلطان التي عبرت عنه بولي الأمر. فبما ان اللغة العربية لغة تمثيل وتشبيه وقياس فقد كانت أداة قوية لدعم الرؤية السياسية للمدرسة السنية. ولذا نجد أن الأمويون ( حسب رأي استأذنا الدكتور عابد الجابري) قد تبنوا مبدأ الجبرية لإقناع الناس بأن حكمهم تم بإرادة ألاهية، وكذلك فعل العباسيون الذين حاربوا مبد الجبرية لإسقاط شرعية الحكم الأموي إلا أنهم عادوا واتخذوا مبدأ التفويض ودعموا المرجئة والمعتزلة لتثبيت شرعية حكمهم. وهكذا وقفت المدرسة السنية مدافعة عن الحاكم المستبد واعتبرت حكمه شرعيا ولم تدعوا للخروج عليه ما دام أنه لم يمنع فريضة ولم يدعوا إلى بدعة. وقد استمرت هذه الرؤية الفكرية في المدرسة السنية قائمة حتى عصر قريب.

ولو نظرنا إلى التنظيمات السياسية السنية التي تمثلت في حركة الأخوان في مطلع القرن العشرين وتبعها حزب التحرير، كأكبر حركتين سياسيتين سنيتين، لوجدنا أن هذه الحركات لم تدعو إلى العمل الثوري والصدام المسلح لإسقاط نظام الحكم وإنما اعتمدت العمل السلمي في دعوتها وذلك على عكس الحركات السياسية الشيعية التي بنت ستراتيجيتها على العمل الثوري في محاربة أنظمة الحكم السنية.
إلا أن المتابع لتطور الأحداث يجد إن هناك انقلابا ما قد حصل في موقف المدرسة السنية حيث برزت حركات سياسية أصولية في مصر والجزائر وغيرها أخذت بمبدأ العمل الثوري المسلح وسيلة لإسقاط سلطة الحاكم المستبد وقد أصبح موقفها من تلك الأنظمة شأن موقفها من المحتل الأجنبي في فلسطين وأفغانستان والعراق و الذي علمت و ماتزال تعمل على مواجهته بعنف شديد.
ومع تصاعد العمل الثوري المسلح للحركة السنية نجد إن الحركة الشيعية قد تراجعت عن نهجها الثوري وعادت لتبني منهج المهادنة خاصة مع الغزاة.
ولكن لماذا هذا التغيير في منهج التشيع الشعوبي؟ هذا السؤال قد يجد له المتابع جوابا من خلال قراءته للعقل السياسي الشيعي اولا ودور النظام الإيراني الذي يقاد اليوم عبر أشخاص في ظاهرهم إسلاميين وفي نهجهم شعوبيين. ولنا فيما يدور من محادثات إيرانية أمريكية على ارض العراق خير مدخل لمعرفة أسباب هذا التغير.