في مدينة مونتريال بكندا أجتمع أكثر من 60 ناشطا من أقباط المهجر يمثلون جل وأهم المنظمات والهيئات القبطية ونشطاء أقباط المهجر وذلك في الفترة من 7-9 أبريل2006. كان الاجتماع عبارة عن ورشة عمل مكثفة مغلقة تبحث مستقبل الأقباط تحت عنوان quot;العمل القبطي إلى أين.. رؤية مستقبليةquot;.
كان الهدف الرئيسي من الاجتماع هو تجديد العمل القبطي العام برؤية تناسب العصر، والانتقال من مرحل الصياح والشكوى إلى مرحلة التفكير المنهجي المنظم والتخطيط الاستراتيجي، ومن العمل الفردى إلى العمل الجماعى المؤسسى الكبير.
يعد مؤتمر واشنطن الذي عقد في الفترة من 16-19نوفمبر 2005 بمثابة بداية ولادة جديدة للعمل القبطي فى الخارج، لأنه وضع المشكلة القبطية في إطارها الأوسع وهو التحالف مع كل نشطاء حقوق الإنسان والليبراليين والمرأة والأقليات المختلفة في الشرق الأوسط من آجل مستقبل أفضل للجميع لا يتأتي إلا من خلال تغيير حقيقي لوجه السياسة والحياة في مصر والشرق الأوسط.، وكما يقول الباحث الحقوقى عبد العزيز عبد العزيز quot;أن أكبر أنجازات الحركة القبطية مؤخرا هو أغلاق الفجوة بين الشعب القبطى داخل وخارج مصر، وهى الفجوة التى طالما حاولت الحكومة المصرية إستغلالها لتصوير الصحوة الحقوقية القبطية بطريقة خادعة على أنها ليست إلا نتيجة عمل شرزمة غاضبة تعيش وتتآمر فى الخارج مع اللوبى الصهيونى واليمين المسيحى المتطرفquot;.وأحقاقا للحق فان جريدة وطنى الدولى التى صدرت فى عام 2001 قامت بدور رئيسى داخل مصرفى ردم هذه الفجوة الخادعة التى صنعها النظام المصري واعلامه المضلل.
اجتماع مونتريال هو الخطوة الحقيقية المنطقية بعد مؤتمر واشنطن والتى أضافت للبناء الذى تم فى واشنطن، لأنه بدون خلق آلية مؤسسية جماعية للعمل القبطي سيظل العمل ضعيفا فرديا قابلا للانقسامات تتنازعه عوامل فردية تؤثر على مسيرة الأقباط ككل.
كان أمام المجتمعين في مونتريال، كل الحقائق والدلائل التي تبين حجم التدهور الذي حدث في أوضاع الأقباط والتدهور العام الذي حدث لمصر، ولكن الشيء الإيجابي هو مناقشة كل هذه الأمور بشكل صريح وفعال وديموقراطي للخروج من حالة اليأس والتشاؤم إلى العمل الإيجابي.. فالمشكلة بحق كبيرة وتحتاج إلى عمل كبير. كان على الأقباط أن يفكروا بجدية في الخروج من حالة تحقيق مكاسب آنية صغيرة إلى رؤية طويلة الأمد بالسعي بتفعيل العمل السياسي والحقوقي في المهجر من آجل تغييرات كبيرة وتأثيرات واسعة.
ناقش المجتمعون بصراحة وجدية كاملتين المواضيع الشائكة التي واجهت العمل القبطي في الخارج خلال العقود الأربعة المنصرمة، كان هناك نقد علمي للعقود الماضية ليس لجلد الذات وإنما لبلورة رؤية حقيقية مغايرة تستفيد من الانتكاسات الماضية ، لخص الوضع الباحث الحقوقى نبيل عبد الملك بقوله quot;أننا أمة علي الورق ولكنها غير موجودة لا قانونيا ولا سياسيا ولا عملياquot;.
في مونتريال تطرق الأقباط إلى مواضيع شائكة ،مثل العلاقة بين الأقباط والإسلام، هل نواجهه أم نتعايش معه، وبعد مناقشات مستفيضة كان هناك شبه إجماع على قرار بأن قضية الأقباط قضية سياسية وحقوقية وأن الحركة القبطية هى حركة حقوق مدنية ترتكز فى نضالها على أسس أخلاقية تتمثل فى الكفاح السلمى مثلها فى ذلك مثل العديد من حركات الحقوق المدنية. ومن ثم ممنوع التعرض للإسلام كدين بأي صور من الصور، ومن يخرج على هذا الإطار يضر بالقضية القبطية بدون أن يدري، فمواجهة الإسلام ليست هى رسالتنا ولا عملنا ونحن لسنا فى حالة عداء مع الأديان، وإنما المشكلة الأساسية تكمن في حقوق الأقباط المهدرة كمواطنين. أما الإسلام السياسي بالطبع فهو حركات سياسية من تعريفها وبالتالي قابلة للنقد والتفنيد باعتبارها حركات سياسية تبتغي الوصول للحكم ببرامج وشعارات معلنة تستحق المناقشة والاختلاف،وأيضا تديين السياسة مثل المادة الثانية فى الدستور المصرى وغيرها هى جزء أساسى من عمل سياسى يعامل على هذا النحو.
كان هذا في الحقيقة قرارا مريحا لأن قلة من المتشنجين أضروا بالقضية القبطية كثيرا من جراء تحويل مسار القضية إلى طريق خاطئ. من حق أي شخص أن ينتقد الأديان ولكن خارج الحركة السياسية القبطية، فالحركة السياسية القبطية هي حركة حقوقية مدنية سياسية بالدرجة الأولي وليس لها علاقة بالأديان ولا برجال الدين.
كانت هناك جلسات مستفيضة ناقشت مواضيع شائكة أخرى مثل اختراق الحكومةوأجهزتها للعمل القبطي، الحوار مع الحكومة المصرية، المحاذير في العمل القبطي، التحديات التي تواجه العمل القبطي، حدود التنسييق بين المنظمات القبطية، وكذلك المشكلة المزمنة وهي كيفية تمويل العمل القبطي بشكل يبعده عن سيطرة الأفراد.
كما قلت أن مؤتمر واشنطن أخرج الأقباط من العمل الحقوقي المنفرد مع شركاء غربيين والذي استمر لأكثر من أربعة عقود، إلى بداية التحالفات الفعالة مع جماعات أخرى من آجل تقوية العمل الذي يصب في مصلحة الجميع، ولكن ظلت قضيتان معلقتين.
الأولي: كيف تتعامل مع جماعات وآقليات أخرى أو مع حكومات وفاعليات غربية بدون أن تكون هناك كيانات قوية تمثلك في هذا التحالف وتحظي وتعبر وتجذب التيار الرئيسي من الأقباط البعيد عن السياسة والعمل والحقوق، كيف تنسق مع اقليات مثلا مثل الشيعة والأكراد والبربر.. الخ، وأنت لا تملك آلية قوية مثلما تملك هذه الاقليات.
الثانية: في مناسبات كثيرة ينطبق على الأقباط مصطلح quot;القبطي التائهquot;، ففي أحداث جسيمة مرت أنتظرالأقباط في الداخل والخارج بوصلة ترشدهم إلى الطريق الصحيح للفهم والتحرك أو فنار مثل الذي كان يرشد السفن التائهة ولم يجدوا حتى الآن هذه البوصلة، ففي كل حدث كبير يدلي كل بدلوه ويتشتت الأقباط ويتوهون أكثر أمام هذه الرؤي الشخصية المختلفة والمتشنجة في بعض الأحيان، والأكثر فإن هذه الرؤى تشرح للأقباط المشكلة ولا ترشدهم للحلول ويفهمها النظام المصرى على إنها للتنفيس لا أكثر ولا أقل.
وهذه الرؤى التي غالبا ما تخرج من جمعيات وهيئات قبطية، ونشطاء أيضا لم تستطيع أن تجذب التيار الرئيسي من الشارع القبطي في الداخل والخارج ليتفاعل معها، ومن ثم يظل العمل صغيرا وضعيفا ويبقي القبطي تائها لا يعرف طريقه في هذا الخضم الهائج المتلاطم.
لقد ظل اليهودي تائها إلى أن أسس هيئات ومنظمات فاعلة تعمل بشكل مؤسسى وتعبر عن أحلام وآمال الشعب اليهودي في كل مكان، هل يعرف أحد من هو رئيس أو أعضاء quot;المجلس اليهودي العالميquot;، ولكن الكل يعرف أن اجتماعاته وقراراته وبياناته هي بوصلة لليهود في كل أنحاء العالم وعند إصدارها يلتف حولها الجميع ويحسب لها الغير الف حساب.
ما كان ينقص الأقباط هو الانتقال من العمل السياسي الفردي والتنظيمات الصغيرة إلى العمل المؤسسي الكبير الذي يختفي فيه الفرد لصالح المؤسسة، وينتقل العمل من العمل الفردي المحدود إلى العمل الجماعي المخطط والمنظم من خلال فريق يعبر عن الشخصيات الأكثر كفاءة والتي تمثل ثقلا ومكانة في المجتمع القبطى، كيان مؤسسى يعلن عن نفسه بتمثيله للتيار العام ويثبت نفسه بالعمل الفعال فكل الحركات السياسية الناجحة أكتسبت شرعيتها وتمثيلها للأغلبية بعملها وتعبيرها عن الضمير الجمعى للشعب الذى تسعى لمساعدته.
هذا هو أهم ما أسفر عنه اجتماع مونتريال إنشاء آلية تشبه quot;المجلس اليهودي العالميquot; جاري العمل على وضع الإطار القانوني والإداري لها تضم بينها أفضل وأهم الشخصيات القبطية من الداخل والخارج ، وسيتبع هذه الآلية quot;وكالة أنباء قبطيةquot; تبث الأخبار الدقيقة عن الأقباط إلى كل وسائل الأعلام العالمية وكذلك صندوق مالي ينقل التمويل من إسهامات فرد إلى إسهامات الشعب القبطي ككل.وفى نفس الوقت تظل جميع المنظمات القبطية كما هى تمارس عملها كالمعتاد، فالتنوع سمة أساسية من سمات كل الحركات السياسية،ففى كل الحركات السياسية هناك كل الأتجاهات: السياسية والحقوقية، المعتدلة والمتشددة والمتطرفة،الصغيرة والمتوسطة والكبيرة،المتشنجة والناضجة،البناءة والهدامة،النافعة وعديمة الجدوى والمضرة، الخاملة والنشطة،التى تعمل فى هدوء والاستعراضية، ولكن فى كل الأحوال تظل الحاجة الملحة لعمل كبير يستطيع أن يجذب ويحوز ثقة التيار الرئيسى ويعبر عن الضمير الجمعى لشعبه.
وهناك تفصيلات كثيرة، حول هذا الموضوع ليس هنا المجال لذكرها، وقد أختار المجتمعون بطريق التصويت السري لجنة من 9 شخصيات كلجنة تأسيسية لهذه الآلية الجديدة، ينتهي دورها فور تأسيس المجلس الجديد.
وفور التأسيس ستكون العاصمة واشنطن مكان إنطلاق مؤتمر عالمى يعلن عن خروج هذا الحدث الكبير فى تاريخ الأقباط الحديث.
هذا هو أهم ما دار فى إجتماع مونتريال أنقله لكم بامانة لاننا جميعا كأعضاء فى النادى البشرى شركاء فى قضية وأحدة هى قضية حقوق الأنسان ورفع الظلم عن المضطهدين.